مع تصعيدها تجاه مديري المستشفيات في غزة: إسرائيل تقتل الصحفية الجعبري وأطفالها الخمسة

أدانت منظمة "صحفيات بلا قيود" بأشد العبارات جريمة القتل التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفية الفلسطينية ولاء الجعبري وعائلتها، الأربعاء 23 تموز/يوليو الجاري.
وأكدت المنظمة أن هذه الجريمة تُضاف إلى سلسلة الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف الصحفيين/ات بهدف طمس الحقيقة، ومنع توثيق جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في قطاع غزة, وحجب المعلومات ـ التي تكشف عن جزء من الفظائع التي تعيشها غزة أرضاً وإنساناً ـ عن الجمهورين المحلي والخارجي.
بحسب التقارير التي اطلعت عليها صحفيات بلا قيود، فإن قوات الاحتلال قصفت بشكل مباشر بناية سكنية في حي تل الهوى بمدينة غزة، كانت تقطنها الصحفية الجعبري، ما أدى إلى مقتلها مع زوجها وأطفالها الأربعة، إضافة إلى جنينها، ليرتفع عدد ضحايا هذا القصف إلى سبعة من أفراد عائلة الصحفية الفلسطينية.
وكانت ولاء الجعبري تعمل في عدد من الإذاعات المحلية، وكتبت قبل يوم من استشهادها: "أنا مش خايفة نموت من الجوع، خايفة من كسرة الخاطر لو ما وقفت الحرب المجنونة".
وأشارت صحفيات بلا قيود، بأن الاستهداف جاء في إطار استراتيجية مزدوجة لضرب ما تبقى من النظام الصحي وتصفية الكوادر الإعلامية، خاصة أن القصف طال البناية التي يقطنها المدير الطبي لمجمع الشفاء في مدينة غزة حسن الشاعر وعائلته، وفي ظل تصاعد أعمال الإبادة الجماعية ووصول المدنيين في غزة إلى مرحلة الموت جوعاً.
ولفتت المنظمة، إلى أن هذه الجريمة، جاءت بعد يومين من جريمة أخرى ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الصحفي تامر ربحي الزعانين، الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي، أثناء تغطيته لقاءً مع مدير المستشفيات الميدانية في غزة، يوم الاثنين 21 يوليو الجاري.
ووفق شهادات ميدانية، تعرضت سيارة الإسعاف لهجوم مسلح من قبل وحدة خاصة تابعة لقوات الاحتلال، ما أسفر عن مقتل الصحفي تامر الزعانين، وإصابة المصور إبراهيم أبو عشيبة ومساعد الطبيب بلال برهوم، وبحسب وزارة الصحة في غزة فإن الطبيب مروان الهمص، أصيب في قدمه خلال اختطافه من قوة خاصة تابعة لقوات الاحتلال ونقله إلى منطقة العلم القريبة من المواقع التي تتمركز فيها القوات الإسرائيلية.
وأكدت صحفيات بلا قيود أن استهداف الدكتور الهمص ـ وهو أحد أبرز الناطقين باسم وزارة الصحة ـ يمثل محاولة واضحة لإسكات الشهادات المباشرة عن انهيار النظام الصحي نتيجة القصف الإسرائيلي، موضحة أن اختطاف الكوادر الطبية والصحفية هو جزء لا يتجزأ من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 22 شهراً.
وبحسب احصائيات المنظمات المحلية والخارجية، فقد بلغ عدد الصحفيين الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، 231 صحفياً وصحفية، منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 23 يوليو 2025، بينما ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي من القتلى الفلسطينيين الذين وصلت جثامينهم المستشفيات: إلى 59,219 شهيدًا، من بينهم 1066 قتلتهم إسرائيل أثناء بحثهم عن المساعدات منذ 27 مايو الماضي، بحسب التقرير الاحصائي اليومي الذي نشرته وزارة الصحة الفلسطينية في غزة على حساباتها الإلكترونية، الأربعاء 23 تموز/يوليو الجاري.
استهداف مديري المستشفيات
وحذرت صحفيات بلا قيود، من تصعيد اسرائيلي ممنهج يستهدف مديري المستشفيات في غزة ضمن الاعتداءات المتواصلة على الطواقم الطبية التي تكافح لتقديم الخدمات المنقذة لحياة المرضى والجرحى بشكل جزء ووسط ظروف كارثية تعيشها المنظومة الصحية في القطاع، وأوضحت المنظمة أنه وخلال هذا الشهر، استهدفت قوات الاحتلال البناية التي يسكنها المدير الطبي لمجمع الشفاء، واختطفت مدير المستشفيات الميدانية، وكانت قد قتلت مدير المستشفى الاندونيسي في قطاع غزة، الطبيب الفلسطيني مروان السلطان وعائلته، في 2 يوليو الجاري.
وطبقا لإحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد ارتفع عدد شهداء الكوادر الطبية إلى 1590 شهيداً منذ بدء العدوان، بينهم أطباء في تخصصات نادرة.
ومنذ بدء الحرب، اعتقلت قوات الاحتلال 362 من العاملين في القطاع الصحي، من بينهم مدير مستشفى كمال عدوان، الدكتور حسام أبو صفية، الذي حاصرته مدرعات الاحتلال واعتقلته بمشهد مرعب في ديسمبر الماضي. ومن ذلك الوقت يعيش طبيب الأطفال الفلسطيني وسط ظروف اعتقال قاسية شملت التعذيب وسوء المعاملة، ما أدى إلى فقدانه 40 كيلوجراماً من وزنه، وفق شهادة محاميته في 9 يوليو الجاري.
وفي السياق، بينت صحفيات بلا قيود أن سلطات الاحتلال دمرت 94% من المنشآت الصحية تدميراً كلياً أو جزئياً، وأخرجت 80% من المرافق الطبية عن الخدمة، وقصفت 180 سيارة إسعاف، ودمرت 25 محطة أكسجين من أصل 34، ولم يتبق منها سوى 9 محطات تعمل جزئياً. كما تم تدمير جميع أجهزة الرنين المغناطيسي في القطاع، وعددها 7، مما أدى إلى حرمان السكان من التشخيص الطبي الأساسي، طبقاً لاحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.
وأشارت المنظمة إلى أن توقف أقسام حيوية عن العمل، إلى جانب تفشي الأوبئة وسوء التغذية، أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات، وخلال الثلاث الأيام الأخيرة، تم تسجيل 43 حالة وفاة بسبب الجوع، بينهم أطفال ورضع، في مشهد يلقي الضوء على بشاعة السياسة الإسرائيلية القائمة على التجويع كأسلوب للإبادة الجماعية.
إنفاذ القانون الدولي
وشدّدت منظمة "صحفيات بلا قيود" على أن تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات حازمة وفعالة لوقف جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، يُمثل شكلاً من أشكال التواطؤ مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي. وأوضحت أن حالة التقاعس الدولي، المقرونة بالفشل في إنفاذ قواعد القانون الدولي الإنساني، شجّع سلطات الاحتلال على المضي قُدماً في ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية، دون الخشية من أي مساءلة.
وأكدت صحفيات بلا قيود أن جريمة قتل الصحفية ولاء الجعبري وأسرتها، وسلسلة الانتهاكات الأخرى بحق الكوادر الصحفية والطبية في قطاع غزة، تشكل انتهاكاً صارخاً لأحكام اتفاقيات جنيف الأربع، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أن هذه الانتهاكات، تعتبر في حقيقتها، أدلة دامغة على ارتكاب جريمة إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، لا تسقط بالتقادم.
وبينت صحفيات بلا قيود إلى أن هذه الجرائم لا تشكّل اعتداءات على الضحايا المباشرين وحسب، بل تُعد استهدافاً ممنهجاً للوظائف الحيوية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة، مثل الحماية الخاصة للطواقم الطبية والصحفية، وحق السكان المدنيين في الحياة، والصحة، والحصول على المعلومات، والسلامة الجسدية والنفسية.
بناءً على ما سبق، تطالب صحفيات بلا قيود المجتمع الدولي، والمنظمات الأممية، والجهات المعنية بالقانون الدولي، باتخاذ إجراءات فورية، تشمل الآتي:
1ـ فتح تحقيق دولي عاجل ومستقل بشأن جريمة اغتيال الصحفية ولاء الجعبري وعائلتها، وكافة الانتهاكات المرتكبة بحق الصحفيين والطواقم الطبية في قطاع غزة.
2ـ إحالة ملف الجرائم المرتكبة في قطاع غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، والعمل على تقديم القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية المسؤولة عن ارتكاب هذه الجرائم إلى العدالة بأسرع وقت، وذلك بهدف وضع حد لهذه الإبادة، ومنع تكرارها في المستقبل في مكان في العالم.
3ـ قطع العلاقات بمختلف أشكالها، والدعم بكافة صوره، ما في ذلك حظر تصدير الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، ووقف التعاون الاستخباراتي، باعتبار أن هذه الأدوات تُستخدم في ارتكاب جرائم إبادة جماعية موثقة.
4ـ توفير الحماية الدولية للصحفيين والطواقم الطبية في غزة، وضمان وصول آمن للمواد الإغاثية والمساعدات الإنسانية، ورفع الحصار المفروض على القطاع باعتباره أحد أدوات الإبادة الجماعية.
5ـ دعم جهود الإنتاج الإعلامي الذي يوثق الجرائم داخل غزة، باعتبار الرسالة الإعلامية أداة مقاومة مدنية وشهادة حية على ما يجري من فظائع تُرتكب ضد الإنسانية.
