الأخبار

صحفيات بلا قيود: سكان غزة يموتون جوعاً  بالتزامن مع استمرار مجازر الطحين

صحفيات بلا قيود: سكان غزة يموتون جوعاً  بالتزامن مع استمرار مجازر الطحين

أدانت منظمة "صحفيات بلا قيود" المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين المجوَّعين الذين كانوا ينتظرون المساعدات شمالي قطاع غزة.

وقالت المنظمة إن المجزرة، التي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 200 مدني أثناء انتظارهم للحصول على الطحين، تأتي في وقت بلغ فيه الجوع في غزة مستويات غير مسبوقة، حيث سجّلت وزارة الصحة الفلسطينية خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية 18 حالة وفاة بسبب المجاعة، في حين بدأ النازحون والمشرّدون يتساقطون في الشوارع مغشيًّا عليهم. كما استقبلت أقسام الطوارئ أعدادًا غير مسبوقة من المدنيين المجوّعين من مختلف الأعمار، في حالات إعياء شديد وانهيار جسدي تام، ما دفع الوزارة إلى التحذير من موتٍ وشيك نتيجة الجوع، وعجز أجساد المدنيين عن الصمود.
واعتبرت صحفيات بلا قيود، إعلان الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، عن توصّله لاتفاق لإدخال المساعدات إلى غزة، إعلانًا خادعًا يهدف إلى امتصاص الغضب العالمي وتخفيف الضغط على سلطات الاحتلال، وهو ما يرقى إلى التواطؤ الصريح في جريمة الإبادة الجماعية، من خلال سياسة التجويع الممنهجة.
وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة جديدة صباح الأحد، 20 يوليو/تموز الجاري، حيث أمرت المدنيين الباحثين عن الطحين، بالقرب من نقاط التوزيع، برفع أيديهم والمرور أمام الدبابات، قبل أن تطلق النار مباشرة على أكثر من 200 شخص، ما أسفر عن استشهاد 67 مدنيًا وإصابة العشرات.
وارتفع عدد من تطلق عليهم وزارة الصحة في غزة اسم "شهداء لقمة العيش" ـ وهم المدنيون الذين قتلتهم اسرائيل أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات ـ إلى 989 شهيدًا وأكثر من 6011 إصابة، منذ بدء العمل بآلية توزيع المساعدات التي فرضتها سلطات الاحتلال في 27 مايو/أيار الماضي.

أما حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فقد ارتفعت ـ بحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية ـ إلى 58,968 شهيدًا، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الأحد، 20 يوليو/تموز 2025.
وأكدت "صحفيات بلا قيود" أن عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ موقف حازم تجاه فظائع الإبادة الجماعية في قطاع غزة يُعد تواطؤًا مكشوفًا مع العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 22 شهرًا، وأن الفشل في الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ساهم في استمرار الإبادة ومنح سلطات الاحتلال دافعًا لارتكاب مزيد من الجرائم دون رادع.

تحذير عاجل

وفقًا للأدلة المرئية وبيانات وزارة الصحة في قطاع غزة، إضافة إلى تقارير صادرة عن منظمات أممية، فقد بلغ الجوع في غزة مستوى غير مسبوق منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ 22 شهرًا.
وحذّرت وزارة الصحة الفلسطينية من "الموت المحتم" للمدنيين المجوعين الذين أنهكهم الجوع، وفقدت أجسادهم القدرة على الصمود. وخلال أقل من 24 ساعة على إطلاق التحذير، استقبلت المستشفيات المتبقية في غزة ـ التي تقدم خدمات جزئية فقط بفعل التدمير المتعمد للمنظومة الصحية ـ أعدادًا غير مسبوقة من المدنيين المجوعين من مختلف الأعمار، توفي منهم 18 حالة بسبب سوء التغذية، معظمهم من الأطفال، بينهم الرضيع يحيى النجار البالغ من العمر ثلاثة أشهر فقط.
وأطلقت وزارة الصحة صافرات سيارات الإسعاف كنداء إنذار وتحذير عاجل من التداعيات الخطيرة لتدهور الأوضاع الغذائية والصحية في القطاع المحاصر، مؤكدة أن هذه الصافرات تمثل "صوت الجياع والمكلومين الذين يُتركون للموت بلا أدنى مقومات للنجاة".
وفي السياق ذاته، أكّد مدير مجمع الشفاء الطبي أن الطواقم الطبية تعمل منذ أكثر من 24 ساعة دون طعام، محذّرًا من تصاعد أعداد الوفيات خلال الساعات المقبلة نتيجة النقص الحاد في الغذاء والعلاج، ما يؤكد أن المدنيين يتعرضون لعملية إبادة جماعية منظمة بالتجويع.

 

استهداف منظم

وأوضحت صحفيات بلا قيود أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنفذ مخططًا مدروسًا لإدارة التجويع، وتستخدم المساعدات كسلاح لتحقيق أهداف الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وتتضمن هذه السياسة إغلاق جميع المعابر ومنع دخول نحو 76,450 شاحنة مساعدات إنسانية ووقود، إضافة إلى قصف 99 تكية طعام ومركزًا لتوزيع المساعدات والغذاء، واستهداف قوافل الإغاثة بـ 121 هجمة مباشرة، أسفرت عن مقتل العشرات من العاملين في المجال الإغاثي وحراسة المساعدات، فضلاً عن دعم مجموعات مسلحة لنهب المساعدات، وإنشاء ما يُعرف بـ مؤسسة غزة الإنسانية، وهي جهة أمريكية-إسرائيلية، لتوزيع المساعدات في نقاط تحوّلت إلى مصائد موت مباشر.
وقالت المنظمة إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي وضعت أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة في مواجهة خطر الموت جوعًا، من خلال حرمانهم من الحد الأدنى من الغذاء، وإرهاقهم بالقصف والتجويع، بل ومنعهم حتى من النوم.
وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" قد أكدت امتلاكها مخزونًا غذائيًا يكفي جميع سكان قطاع غزة لأكثر من ثلاثة أشهر وجاهز للتوزيع، غير أن الاحتلال يرفض السماح بدخوله. وبيّنت الوكالة الأممية أن سكان غزة يواجهون نفادًا تامًا في كل ما يتعلق بالطعام والدواء.
ونتيجة لهذه السياسة المتعمّدة التي تفرضها سلطات الاحتلال، يُقدَّر عدد الأطفال المعرضين للموت بسبب الجوع وسوء التغذية بأكثر من مليون طفل وفق بيان لمكتب الإعلام الحكومي.
وذكرت صحفيات بلا قيود، بأن جريمة الاحتلال الصارخة المتمثلة بتجويع المدنيين وحرمانهم من الإمدادات الأساسية المنقذة للحياة، من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وكذا من أركان جريمة الإبادة جماعية، وتنص المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة على تحريم استخدام التجويع كسلاح أثناء الحرب، وهو ما تؤكده المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تجرم تجويع المدنيين وعرقلة إيصال المساعدات، كما يعد إخضاع المدنيين لظروف معيشية تؤدي إلى فنائهم أحد أركان جريمة الإبادة الجماعية وفق المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.

بناءً على ما ورد توصي منظمة صحفيات بلا قيود بما يلي:

ـ الضغط الفوري والجاد على سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لإجبارها على وقف سياسة التجويع الممنهج، والالتزام الكامل بالقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف، التي تحظر استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين.
ـ فتح جميع المعابر أمام دخول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وكامل ودون أي قيود أو شروط، بما يشمل الغذاء والدواء والمياه ومواد الإغاثة، والسماح للمؤسسات الأممية والدولية والفرق الطبية والإغاثية بالعمل دون استهداف أو ابتزاز.
ـ توفير حماية دولية عاجلة للمدنيين في قطاع غزة، لا سيما الأطفال والنساء والمرضى والمجوعين، وتمكينهم من الوصول إلى الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة.
ـ  إجراء تحقيق دولي مستقل وشفاف في جميع المجازر وجرائم الإبادة الجماعية والتجويع التي ارتكبتها سلطات الاحتلال، ومحاسبة المسؤولين عنها أمام محكمة الجنايات الدولية، باعتبار أن الإفلات من العقاب يشجّع على تكرار هذه الفظائع.
ـ إدانة ورفض أي آليات توزيع للمساعدات تخضع لهيمنة الاحتلال أو الجهات المتواطئة معه، ومنها ما يُسمى بـ "مؤسسة غزة الإنسانية" والتحقيق في دورها المشبوه بمساهمتها في تصفية الجوعي ضمن جريمة الإبادة الجماعية.
ـ دعوة الاتحاد الأوروبي والمنظمات الأممية إلى اتخاذ مواقف حقيقية تتجاوز التصريحات الشكلية، والاضطلاع بمسؤولياتهم القانونية والإنسانية تجاه شعب يخضع لإبادة جماعية معلنة.

 

 

 

Image