أدانت منظمة صحفيات بلا قيود الجريمة التي أسفرت عن مقتل الطبيب الفلسطيني مروان السلطان، مدير المستشفى الاندونيسي في قطاع غزة. وأكدت المنظمة بأن هذا الاستهداف المتعمد يأتي في سياق تصعيد سلطات الاحتلال الإسرائيلي لأعمال الإبادة التي تهدد الوجود الفلسطيني وتسعى إلى محوه في إجراءات معلنة وخطيرة تنسف القانون الدولي.
وقالت صحفيات بلا قيود إن قوات الاحتلال الاسرائيلي تستهدف المدنيين الفلسطينيين وسط ما تبقى من تجمعاتهم السكنية، ومراكز الإيواء، والطرقات، وبسطات البيع، ووسط الملاجئ وخيام النزوح، علاوة على قتل المجوعين في طوابير انتظار المساعدات.
ووفقاً لآخر التقارير الإحصائية الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الخميس 3 يوليو الجاري، فقد ارتفع عدد المدنيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى مطلع يوليو الجاري إلى: 57130«سبعة وخمسين ألف ومائة وثلاثين إنسان ممن وصلت جثامينهم المستشفيات» علماً بأن هناك الكثير من الضحايا مازالوا تحت الركام وفي الطرقات ولم تتمكن طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم.
وبحسب بيان وزارة الصحة في قطاع غزة، الأربعاء 2 يوليو الجاري، فإن الطبيب السلطان استشهد برفقة عدد من أفراد أسرته جراء قصف استهدف منزله غربي مدينة غزة. وأضاف البيان «إن كل جريمة بحق الطواقم الطبية والإنسانية تؤكد على المنهجية الدموية والإصرار المسبق على استهدافهم المباشر والمتعمد» مؤكدة بأن السلطان كان «رمزًا للتفاني والصمود والإخلاص في أصعب الظروف وأشد اللحظات التي عاشها شعبنا تحت العدوان المتواصل».
وأشارت صحفيات بلا قيود بأن هذه الجريمة هي امتداد للسياسة الإسرائيلية المتعمدة للقضاء على ما تبقى من المنظومة الطبية والإنسانية، وأوضحت بأن الهجمات المباشرة على المدنيين وما يرافقها من وضع إنساني كارثي نتيجة تفشى الأوبئة وارتفاع أعداد المصابين، تتزامن مع استهداف ما تبقى من المرافق التي تقدم الخدمات الجزئية المنقذة للحياة، ومقدمي هذه الخدمات، وذلك بغرض زيادة الوفيات وإجبار من تبقى على قيد الحياة للتهجير القسري، وهو ما يعد من أركان الإبادة الجماعية وفق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
تصعيد مروع
وحذرت صحفيات بلا قيود، من حالة الصمت الدولي وكذلك المواقف الدولية التي تمنح سلطات الاحتلال مساحة لارتداء قناع زائف وإظهار بعض المرونة التي تخدر الرأي العام العالمي ببيانات وتصريحات للاستهلاك الإعلامي بينما تستمر قوات الاحتلال في تصعيد أعمال الإبادة المروعة على أرض غزة.
ومن الحالات التوضيحية للجرائم التي صعدتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السبت الماضي، على سبيل المثال، ما يلي:
- السبت الماضي 28 يونيو، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة غارات جوية عنيفة ومركزة على مناطق سكنية مكتظة في حي التفاح شرقي مدينة غزة، أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، وفي اليوم نفسه ألقت الطائرات الحربية قنابل ذات تأثير واسع، على خيام النازحين قرب مدرسة العائلة المقدسة في حي الرمال شمال غربي مدينة غزة، ما أسفر عن دفن عدد من النازحين مع خيامهم تحت الرمال، من بينهم 11 فرداً من عائلة أبو عمشة، بينهم 9 من النساء والأطفال.
- الأحد 29 يونيو، بحسب بيان وزارة الصحة فقد وصل إلى المستشفيات غزة من جثامين القتلى: 88 قتيلا.
- الاثنين 30 يونيو، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية، استراحة الباقة غرب مدينة غزة، والتي يرتادها المدنيين، وقد أسفر القصف عن مقتل 33 مواطنًا بينهم الصحفي إسماعيل أبو حطب كما أصيب العشرات.
- الثلاثاء، 1 يوليو الجاري، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن استقبال المستشفيات لعدد 116 قتيلا.
- ويوم الأربعاء، 2 يوليو، قال بيان وزارة الصحة إن عدد القتلى الذين استقبلتهم مستشفيات غزة هو: 142 من بينهم 39 جثماناً من المجوعين الذين قتلتهم قوات الاحتلال في طوابير انتظار المساعدات.
- ويوم الخميس، وصل مستشفيات قطاع غزة من القتلى المدنيين: 118 شهيد. من بينهم 12 جثماناً من المجوعين الذين قتلتهم قوات الاحتلال في طوابير انتظار المساعدات، ليرتفع إجمالي من تصفهم وزارة الصحة بـ "شهداء لقمة العيش" ممن وصلوا المستشفيات إلى 652 شهيد وأكثر من 4537, إصابة، منذ بدء توزيع المساعدات وفق آلية الاحتلال الإسرائيلي في 27 مايو الماضي.
- وضع كارثي
- ويأتي هذا التصعيد، في ظل أوضاع كارثية تعيشها غزة، خاصة مع استمرار استهداف المنظومة الصحية، إذ تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي إدخال الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية إلى ما تبقى من مستشفيات القطاع.
- ولفتت صحفيات بلا قيود، إلى استهداف الكوادر الطبية وعلى رأسهم مديرو المستشفيات، وقالت إنه من العار أن يبقى مدير مستشفى كمال عدوان، الطبيب الإنسان حسام أبو صفية محتجزاً في زنازين سلطات الاحتلال الإسرائيلي ويتعرض للتعذيب الجسدي والمعنوي منذ ديسمبر الماضي.
- وتُعدُّ المنظومة الصحية، هدفًا مباشرًا لهجمات الاحتلال من اللحظة الأولى للحرب، وخلال هذه الفترة تم استهداف أكثر من 94% من المستشفيات بهجمات مباشرة، وخرجت أكثر من 80% من المرافق الصحية عن الخدمة. كما دمّرت قوات الاحتلال 180 مركبة إسعاف، وقتلت نحو 1582 من العاملين الصحيين، بينهم أطباء في تخصصات نادرة.
- ونوهت صحفيات بلا قيود إلى أن ما تبقى من المستشفيات الرئيسية التي تقدم الخدمات الضرورية بشكل جزئي، أعلنت عن التوقف الاضطراري لبعض الأقسام، ما يعرض المدنيين المرضى والجرحى إلى الفناء، وهو ما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه.
- والثلاثاء، أعلنت وزارة الصحة في غزة، عن توقف خدمة غسيل الكلى بالكامل في مجمع الشفاء الطبي نتيجة نفاد الوقود، الجدير بالذكر أن 472 مريضاً بالفشل الكلوي من أصل 1200 مريض، غادروا الحياة منذ أكتوبر 2023.
- ومنذ مارس 2025، شنت الآليات الاسرائيلية، عشرات الهجمات الإضافية على ما تبقى من القطاع الصحي المتدهور، من بينها هجمات استهدفت المستشفى الأهلي، ومجمع ناصر الطبي، والمستشفى الأوروبي، وغيرها، بهجمات أخرجتها عن الخدمة. علاوة على نسف مركز نورة الكعبي لغسيل الكلى، وهو المركز الوحيد في شمال غزة.
انتشار الأمراض
وحذرت صحفيات بلا قيود، من تصاعد التأثيرات الناجمة عن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للمنظومة الصحية في قطاع غزة. وقالت إن الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع، يُنذر بتفشي الأوبئة والأمراض المعدية في صفوف المدنيين، علاوة على عدم قدرة المرضى من الوصول إلى الأدوية المنقذة للحياة، مثل مرضى السرطان وأمراض الفشل الكلوي، بالتزامن مع استمرار تكدس النازحين في تجمعات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الأساسية.
ونتيجة سياسة التجويع التي تفرضها سلطات الاحتلال ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، تنتشر الأمراض في صفوف عشرات الآلاف وتحديداً من الأطفال والنساء الحوامل، علاوة على الجرحى الذين يتجاوز عددهم 134,592، مائة وأربعة وثلاثين ألف وخمسمائة واثنين وتسعين مصاباً.
وخلال الأيام الماضية، تصاعدت حالات الإصابة بمرض التهاب السحايا، وبحسب رئيس قسم الأطفال في مستشفى النصر والرنتيسي للأطفال بغزة، الدكتور راغب ورش أغا، فإن المستشفى يشهد زيادة يومية في أعداد المصابين بالحمى الشوكية (التهاب السحايا)، خاصة بين الأطفال، في ظل نقص حاد في المياه النظيفة ومستلزمات النظافة الشخصية، ما يرفع من فرص انتشار الأمراض والأوبئة في أماكن الإيواء المكتظة التي تفتقر لشروط الصحة العامة.
وذكرت وزارة الصحة، أن مجمع ناصر الطبي، وحده شخص خلال الأيام الماضية إصابة 39 طفلًا بـ”الحمى الشوكية”، وهو أعلى عدد يتم تسجيله منذ بدء حرب الإبادة.
وكانت منظمة صحفيات بلا قيود، قد أصدرت تقريرا في 26 يونيو الماضي، بعد مرور مائة يوم من استئناف أعمال الإبادة، وذكر التقرير الذي يحمل عنوان «الأرض وما عليها» بأن الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، تسببت بواحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ألقت آليات الاحتلال على غزة أكثر من 100 ألف طن من المتفجرات دمرت ما يقارب من 92% من المنازل في غزة ، ونحو 90% من البنية التحتية للقطاع.
خرق القانون الدولي
وتنتهك الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، القانون الدولي الذي يلزمها بحماية المدنيين وممتلكاتهم كما يحظر عليها استهداف المنشآت مثل المرافق الصحية التي تتميز بحماية قانونية خاصة، غير أن سلطات الاحتلال ترتكب أعمالاً فظيعة بهجمات مباشرة تخرق بوضوح مبدأي "التمييز" "والتناسب"، حيث تقتل المدنيين بهجمات مباشرة ودون تمييز، ويحظر القانون الدولي قصف المباني السكنية والمنشآت الخدمية، دون مبرر عسكري واضح، وحتى في حال وجود هدف عسكري، يجب ألا تكون الأضرار الجانبية (على المدنيين أو البنية التحتية) مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة، وهو ما لا يتحقق في حالة غزة، حيث تُظهر الوقائع أن حجم الأضرار يفوق بكثير أي مزاعم تتعلق بالضرورة العسكرية. كما أن استهداف البنية التحتية للقطاعات الخدمية، مثل تدمير المنظومة الصحية، يأتي ضمن محاولات إحكام الحصار وتهجير السكان قسريًّا، وهذه الأفعال مقترنة بنيّة مبيتة للتدمير المادي، وهي من الأفعال المكوِّنة لجريمة الإبادة الجماعية التي نصت عليها المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
منظمة صحفيات بلا قيود تطالب بالآتي:
*اتخاذ مواقف جدية ذات تأثير فعلي، تجبر الاحتلال الإسرائيلي على وقف جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فوراً
*الإدانة العاجلة، لهذه الانتهاكات وتوثيقها؛ لضمان تقديم كل المسؤولين عن ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية إلى العدالة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
*الدول المؤثرة على سلطات الاحتلال، أن تضغط على اسرائيل، لإلزامها بالسماح بمرور كميات كافية وآمنة من المواد الأساسية لإعادة الإعمار وإصلاح الوحدات السكنية والمنشآت المدنية ومن بينها المستشفيات.
*إدخال المساعدات الإنسانية الضرورية الغذائية والطبية إلى قطاع غزة، فوراً، بعيداً عن آلية توزيع المساعدات التي تطبقها سلطات الاحتلال، والتي حولت مناطق التوزيع إلى مصائد لتصفية الفلسطينيين.