قالت منظمة صحفيات بلا قيود إن إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي تصعيد هجماتها لفرض السيطرة الكاملة على قطاع غزة، يمثل انتقالًا خطيرًا إلى مرحلة جديدة من الإبادة الجماعية المستمرة منذ 22 شهرًا.
وحذرت المنظمة من الخطة التي أقرها "الكابينت" الإسرائيلي، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تقوم على تهجير سكان مدينة غزة البالغ عددهم قرابة مليون نسمة نحو الجنوب، وتطويق المدينة، ثم تنفيذ عمليات توغل في مراكز التجمعات السكنية.
وأكدت المنظمة أن هذه الخطوات ليست سوى امتداد لواحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في التاريخ المعاصر، عبر تدمير ما تبقى من مقومات الحياة وتهجير مئات الآلاف، وحرمان المدنيين من الغذاء والدواء في إطار جريمة تجويع ممنهجة.
وسجلت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، 5 حالات وفاة جديدة بسبب الجوع، ليرتفع عدد ضحايا سياسة التجويع الإسرائيلية إلى 217 إنسان، بينهم 100 طفل.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، وحتى 10 أغسطس الجاري، بلغ عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل ووصلت جثامينهم المستشفيات: 61,430 شهيدًا، «واحد وستون ألف وأربعمائة وثلاثين» بينهم 1,778 قضوا أثناء بحثهم عن المساعدات، في ظل عجز فرق الإنقاذ عن الوصول إلى العديد من الضحايا العالقين تحت الركام أو في الشوارع، بحسب التقارير الإحصائية اليومية التي تصدرها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
تغيير الحقائق الديموغرافية والجغرافية
وقالت صحفيات بلا قيود إن الخطة التي أعلنها نتنياهو وأقرها الكابينت، الجمعة الماضية، لاحتلال غزة، سبقتها سلسلة من الإجراءات الممنهجة لتغيير الحقائق الديموغرافية والجغرافية في الأراضي الفلسطينية، وهي خطوات سبق أن حذرت منها المنظمة في تقرير أصدرته في يونيو الماضي.
وأوضحت المنظمة أن سلطات الاحتلال، وقبل حرب أكتوبر 2023، كانت تحاصر أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 365 كم²، هي كامل مساحة قطاع غزة. لكن منذ بدء الحرب تغيّر الوضع بصورة مأساوية، إذ تُقلص قوات الاحتلال الإسرائيلي جغرافيا غزة باستمرار، وتجبر السكان على التشرد والنزوح.
وبحسب تحليل صور ينشرها جيش الاحتلال وأخرى ملتقطة بالأقمار الصناعية، فإن نحو 85% من مساحة غزة بات تحت سيطرة الاحتلال، إما بشكل مباشر من خلال التواجد العسكري، أو غير مباشر عبر أوامر التهجير القسري. ونتيجة لذلك يُحشر أكثر من مليوني إنسان في ما لا يتجاوز 15% من مساحة القطاع، ضمن ظروف غير صالحة للعيش، وبكثافة سكانية تفوق كبرى مدن العالم، مع فارق أن غزة منطقة محاصرة ومحتلة، بلا مطار أو ميناء، وتعاني دمارًا واسعًا في البنية التحتية والمساكن جراء إلقاء أكثر من 100 ألف طن من المتفجرات، خلفت ما يزيد على 50 مليون طن من الركام، ودمرت نحو 92% من المنازل.
وأكد تقرير المنظمة الذي حمل عنوان "الأرض وما عليها" أن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية تهدف إلى تفتيت أرض غزة والتنكيل بسكانها، في إطار استراتيجية منظمة لفرض واقع يخدم أهداف الإبادة الجماعية والتأسيس لوجود عسكري دائم.
1ـ المربعات الجغرافية
قسمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أراضي غزة إلى أكثر من 2,300 مربع جغرافي، وفق إعلان جيش الاحتلال في ديسمبر 2023، ما سهّل طرد السكان ونقلهم قسريًا إلى ما يسمى "المناطق الإنسانية"، وهي مناطق غير آمنة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وتتقلص بشكل دائم، كما تتعرض لقصف مباشر، حيث دفنت القنابل الاسرائيلية ذات التدمير الواسع، نازحين وعائلتهم وخيامهم في الرمل.
2ـ المناطق القتالية
يصنف جيش الاحتلال بعض مناطق غزة كمناطق قتالية، لإجبار من تبقى من السكان على المغادرة، تحت ذريعة العمليات العسكرية، مع تدمير ما تبقى من المنازل والبنية التحتية والمرافق الخدمية.
3ـ المناطق العازلة
استحدثت سلطات الاحتلال محاور عسكرية داخل غزة تحت مسمى "المناطق الأمنية"، بعد طرد السكان من تلك المناطق، وتحويلها إلى معازل مغلقة أو مستعمرات عسكرية، ما يعمق سياسة الفصل العنصري ويقوض التماسك الاجتماعي للسكان الأصليين.
تمزيق الأواصر وانتهاك القانون
وحذرت صحفيات بلا قيود من أن تفتيت غزة يؤدي إلى تمزيق الأواصر الاجتماعية، وحرمان الأفراد من حرية التنقل، مع آثار مدمرة على النسيج الاجتماعي ومستقبل الوجود الفلسطيني، حتى على مستوى العائلات الصغيرة.
وأكدت المنظمة أن هذه السياسات تمثل:
ـ ضمًا فعليًا للأراضي المحتلة، في انتهاك للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة.
ـ تغييرًا ديموغرافيًا وجغرافيًا قسريًا، يرقى إلى جريمة فصل عنصري وفق اتفاقية الأبارتايد لعام 1973.
ـ انتهاكًا للمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تكفل حرية التنقل.
ـ خرقًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري الجماعي أو الفردي.
ـ جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي عند تنفيذ التهجير في سياق نزاع مسلح.
في ضوء هذه الانتهاكات الممنهجة، تطالب منظمة "صحفيات بلا قيود" بـ:
ـ وقف فوري وشامل لجميع العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وإنهاء سياسة الإبادة الجماعية بحق المدنيين.
ـ إدانة دولية صريحة من الأمم المتحدة والدول الأعضاء لسياسة الاحتلال القائمة على التهجير القسري والتغيير الديموغرافي.
ـ رفع الحصار عن غزة وفتح ممرات إنسانية دائمة وآمنة لضمان تدفق الغذاء والدواء والمساعدات الأساسية للسكان.
ـ تفعيل الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتؤكد "صحفيات بلا قيود" أن استمرار الصمت الدولي تجاه ما يحدث في غزة يمثل تواطؤًا غير مباشر مع الجناة، ويقوض أسس العدالة الدولية، ويهدد السلم والأمن العالميين.
