غزة- قالت منظمة «صحفيات بلا قيود» إن استمرار موت الأطفال الفلسطينيين جوعاً، يمثل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، الذي يقف متفرجًا بينما تستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، في انتهاك علني صارخ للقانون الدولي الإنساني، ومخالفة وقحة لقرارات محكمة العدالة الدولية، التي ألزمت قوات الاحتلال بضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين دون عوائق.
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال بسبب الجوع وسوء التغذية إلى 57 طفلاً حسب توضيح مدير المستشفيات الميدانية مروان الهمص، السبت الماضي، 3 أيار/مايو الجاري.
ورصدت صحفيات بلا قيود، الأيام الماضية، عشرات الأدلة المرئية تكشف آثار الجوع القاسية بين المدنيين الذين يتساقطون على الأرض، ولا يجدون كسرة خبز لأيام متتالية، وينبشون القمامة بحثاً عن أي شيء يبقيهم على قيد الحياة، علاوة على تكدس الآلاف ومزاحمتهم أمام تكيات التي توزع الطعام ولا تسلم من القصف.
وكشفت منظمة الصحة العالمية عن الإبلاغ عن إصابة ما يقرب من عشرة آلاف طفل في غزة بسوء التغذية الحاد الشامل منذ مطلع 2025، من بينهم 1397 طفلاً، يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم، تم إدخالهم إلى العيادات الداخلية والخارجية في المراكز المخصصة للعلاج، وأشارت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، إلى إن عدد الذين يأتون إلى تلك المستشفيات لتلقي العلاج أقل من المتوقع، وذلك بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى المراكز.
ونوهت صحفيات بلا قيود، إلى أن آلاف المدنيين، في غزة معرضين لخطر الموت الوشيك بسبب الجوع، وحملت الاحتلال الإسرائيلي، المسؤولية الكاملة عن انهيار الوضع الغذائي والصحي لأكثر من ميلوني فلسطيني داخل القطاع.
وكانت منظمة صحفيات بلا قيود قد حذرت، في إبريل الفائت، من وصول الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى مرحلة الموت جوعاً، بعد ظهور مؤشرات انعدام الأمن الغذائي ووصوله إلى مراحله الأخيرة، بسبب استمرار جريمة التجويع التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة.
ورصدت صحفيات بلا قيود أنماطاً تفرضها قوات الاحتلال في استهداف مصادر الطعام، منها: منع دخول المساعدات والبضائع الضرورية، وقصف المطابخ المجتمعية "التكيات" التي توزع الطعام للنازحين، واستهداف المخابز ومطاحن الدقيق.
نفاد مخزون الغذاء
الخميس 8 أيار/مايو الجاري، أعلن "المطبخ العالمي" عن توقفه الكامل عن تقديم الوجبات الغذائية للسكان، نتيجة نفاد مخزونه الغذائي بعد أكثر من ستة أسابيع على الإغلاق الكامل للمعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية وفق توجيه رسمي بثه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مطلع مارس الماضي.
وكان برنامج الغذاء العالمي، أعلن عن نفاد مخزونه من الغذاء بالكامل، في 26 إبريل الماضي، وأكد أن الاحتلال يمنع دخول الشاحنات التي كانت تقدم وجبات غذائية إلى أكثر من 700,000 شخص.
ولفتت صحفيات بلا قيود، بأن مؤشرات دخول قطاع غزة في مرحلة المجاعة الفعلية، ظهرت مبكراً بفرض سلطات الاحتلال قيودا مشددة على المساعدات الإنسانية وصولاً إلى منع دخولها تماماً، إذ يعتمد مئات الآلاف من السكان، وخصوصًا النازحين، على المساعدات الغذائية التي كانت توزعها المنظمات الإغاثية، وأرغفة الخبز التي تصنعها المبادرات المجتمعية أو تلك التابعة للمطبخ العالمي.
وأشارت صحفيات بلا قيود، بأن سياسة التجويع المتعمدة أسفرت عن معاناة مئات الآلاف من الجوع الحاد، وفي الحالات التي تم رصدها، تبين أن بعض العائلات اضطرت لتقليل وجباتها والاعتماد على المعلبات والتكايا الخيرية، التي تستهدفها القوات الإسرائيلية، إلى درجة أن العائلات لا تتلقى سوى وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة. ويصنف قطاع غزة الآن بأكمله ضمن مستويات انعدام الأمن الغذائي التي تتراوح بين "الأزمة" و"الطوارئ" و"المجاعة".
التهجير بالمساعدات
وحذرت صحفيات بلا قيود، من فرض آلية عسكرية من قبل جيش الاحتلال لتوزيع المساعدات. وقالت بأن المقترح المتداول لإنشاء مجمعات المساعدات بعيدًا عن الكثافة السكانية وقرب المواقع التي تتمركز فيها قوات الاحتلال، يُنذر باستخدام المساعدات كوسيلة لتهجير قسري، إذ يُتوقّع أن تُجبر العائلات الجوعى على الانتقال قسرًا إلى تلك المواقع، ما يتيح لإسرائيل تفريغ مناطق سكنية وإعادة رسم الخريطة الديموغرافية للقطاع، وأكدت بأن سجل الاحتلال في هذا السياق يبرر المخاوف.
وقالت صحفيات بلا قيود إن هذه الآلية مصممة لإدارة التجويع عبر المنظومة العسكرية والتحكم الكامل بالمساعدات الإنسانية، وتتخفي خلف أهداف عسكرية واضحة لتهجير السكان، وابتزازهم والعمل على جمع بياناتهم لاستخدامها في الملاحقات غير القانونية.
الثلاثاء، 6 آيار/مايو 2025أكد المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أنهم تلقوا ـ شفهياً ـ خطة جيش الاحتلال، وأردف بأن: الأمم المتحدة "لا تقبل هذا الاقتراح" لأنه لا يرقى إلى المبادئ الإنسانية الأساسية المتمثلة في النزاهة والحياد والاستقلالية في توصيل المساعدات. مشيراً بأن الخطة الإسرائيلية "تبدو محاولة متعمدة لاستخدام المساعدات كسلاح" وتكتيك لنقل السكان، الذين هم بحاجة ماسة «الغذاء والماء والرعاية الصحية»، وبدلا من ذلك «يتلقون القنابل».
ووصفت صحفيات بلا قيود، الآلية المقترحة، بأنها امتداد لسياسة الحصار الشامل لإطالة أمد المعاناة الإنسانية وتطبيع ممارسات القتل البطيء والتدمير الممنهج، كما تفتح الباب أمام ضم زاحف لأجزاء من غزة تحت غطاء إنساني.
وصمة عار
ونوهت صحفيات بلا قيود، إلى أن تفاقم المأساة الإنسانية في قطاع غزة نتيجة الظروف التي يفرضها جيش الاحتلال، تأتي في سياق استمرار سياسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تعتمد على شن هجمات واسعة لقتل أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين، وإبادة عائلات بأكملها، وتدمير المنازل والمرافق الخدمية ومراكز الإيواء لإجبار السكان على التهجير، والاستيلاء على الأرض.
وبلغ عدد القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 18 مارس الماضي: 2545 فلسطينيا أغلبهم من النساء والأطفال، بينما ارتفع عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، أكثر من 52,653 فلسطينياً وفلسطينية، بحسب بيان لوزارة الصحة، الأربعاء 7 مايو.
وبات جيش الاحتلال يسيطر على أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، المعروفة بأنها من أكثر المناطق في العالم التي تشهد ازدحاماً سكانياً بالنظر إلى مساحتها، ومنذ 18 مارس، أصدرت قوات الاحتلال عشرات أوامر الإخلاء من المربعات السكنية في قطاع غزة، وقام بنسفها قبل أن يتوغل فيها ويضمها إلى المحاور التي استحدثتها قوات الاحتلال تحت مسمى المناطق العازلة، ضمن سياسية واضحة لتفريغ غزة من السكان وتهجيرهم.
وأكدت صحفيات بلا قيود أن استمرار الصمت الدولي والتقاعس عن اتخاذ تدابير فورية لإنهاء الكارثة في غزة، سيبقى وصمة عار في الضمير الإنساني العالمي، ويعد تواطؤًا ضمنيًا مع جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب يوميًا بحق شعب، يُحاصر ويُجوّع ويُقتل تحت أنظار العالم.
وجددت منظمة صحفيات بلا قيود دعوتها، للمجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، لاتخاذ إجراءات عاجلة لفرض وقف إطلاق نار فوري، وإنهاء استخدام التجويع لقتل المدنيين، وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع، وإرسال بعثات طارئة لتقييم الوضع الغذائي والصحي في القطاع، وبدء تحقيقات دولية مستقلة في جرائم التجويع الجماعي وسياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال.
