أدانت منظمة صحفيات بلا قيود استمرار جريمة التجويع التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة. وقالت بأن استمرار منع دخول البضائع والمساعدات الإنسانية الأساسية للحياة، ينذر بانعدام الأمن الغذائي ووصوله إلى المرحلة الخامسة، وهي مرحلة الموت بسبب الجوع وسوء التغذية وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي.
ومع تجدد استئناف أعمال الإبادة الجماعية، والهجمات العشوائية التي أودت إلى مقتل 50 ألفًا و933 مواطنًا فلسطينياً في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، بينهم 1563 منذ استئناف الحرب في 18 آذار/مارس الماضي، ترتكب قوات الاحتلال الإسرائيلي أعمال الإبادة التي تصاحبها أوامر الإخلاء لتهجير السكان، والحرمان من الخدمات الأساسية مثل المياه والمستلزمات الصحية والكهرباء، علاوة على استخدام التجويع كسلاح ضمن سياسة شاملة تستهدف مصادر الطعام وتوزيعه من خلال منع المساعدات، وقصف المطابخ المجتمعية، والمخابز ومطاحن الدقيق.
وأوضحت صحفيات بلا قيود، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي، تستخدم التجويع ضمن سياسة منهجية متعمدة لإخضاع الفلسطينيين عمداً لظروف معيشية يراد بها تدمير السكان، كلياً أو جزئياً، وهو من أعمال الإبادة الجماعية حسب ما تشير إليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وتعد الفترة الحالية لمنع دخول المساعدات تماماً إلى المدنيين في غزة، هي الأطول منذ بداية الحرب التي تشنها إسرائيل منذ أكتوبر 2023، فقبل الإعلان الإسرائيلي لانتهاء اتفاق إطلاق النار، أصدر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بياناً، في 2 أذار/مارس الماضي، أكد فيه إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى قطاع غزة.
قصف تكيات الطعام
في 5أذار/ مارس، حذر برنامج الأغذية العالمي، من نفاذ المؤن الغذائية، مؤكداً أنه لا يمكك سوى ما يكفي لإبقاء المطابخ مفتوحة لأقل من أسبوعين، مالم تسمح قوات الاحتلال بدخول المساعدات. بينما أفادت "مجموعة الأمن الغذائي" أن مخزون الغذاء سينفذ قريباً، عن ما لا يقل من 80 مطبخا في غزة ـ معروفة باسم "التكيات" وهي مطابخ شعبية توزع وجبات غذاء للنازحين في مراكز الإيواء.
ونوهت صحفيات بلا قيود، بأن قوات الاحتلال لم تكتف بمنع وصول المساعدات إلى التكيات التي توزع الطعام، وصل الأمر إلى قصف هذه المطابخ المجتمعية وقتل الجائعين الذين كانوا ينتظرون الطعام؛ ما يكشف عن إصرار إسرائيلي لفرض سياسة التجويع بشكل منهجي.
وبحسب التقارير الفلسطينية، فقد قصفت قوات الاحتلال قرابة 26 تكية لتوزيع الطعام، كما استهدفت 37 مركز مساعدات، خلال الحرب، إن هذا الاستهداف يأتي ضمن الظروف المعيشية التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي لتجويع الفلسطينيين والمساهمة في تحقيق الإبادة الجماعية في نهاية المطاف.
ومن بين الجرائم التي رصدتها صحفيات بلا قيود، مقتل تسعة مدنيين كانوا في انتظار الطعام أمام تكية خيرية في مخيم النصيرات وسط غزة، بعد قصف شنته الطائرات الحربية التابعة لقوات الاحتلال، يوم الأربعاء 26آذار/ مارس الماضي.
وفي 4 نيسان/إبريل الجاري، كتب الشاب الغزاوي، محمود الكريمي متحسراً: «عاجبك منظري وانا واقف ع طابور التكية وراسي بالارض خجلان ومذلول مشان اخد اكل ما بتقبل فيه الحيوانات حتي؟ - غزة 2025» بعد يومين فقط، قصفت قوات الاحتلال الطابور الذي كان يقف فيه محمود للحصول على الطعام، التكية، وقتل محمود على الفور.
أقوال وأفعال
وأشارت صحفيات بلا قيود، بأن القرار الذي أعلنه نتنياهو، هو امتداد لسياسة سابقة اعتمدتها الحكومة وقوات الاحتلال بفرض إجراءات مشددة تقيد دخول المساعدات وتحرم المدنيين منها بغرض إهلاكهم، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية التي أمرت إسرائيل في 26 يناير 2024، وكذلك 16 فبراير، و28 مارس من العام نفسه، باتخاذ تدابير فورية تضمن توفير الخدمات الأساسية ووصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة.
كما رصدت صحفيات بلا قيود تصريحات وإجراءات رسمية تكشف النية المبيتة لاستخدام التجويع كسلاح لتحقيق الإبادة الجماعية، عقب استئناف الحرب في مارس الماضي.
في 4 مارس، برر وزير الخارجية في حكومة نتنياهو، جدعون ساعر وقف المساعدات الإنسانية للسكان الفلسطينيين، بأنها أصبحت المصدر الرئيسي لإيرادات حماس، وأكد «هذا لا يمكن أن يستمر، ولن يستمر». وقال في تصريح صحفي: «هناك كميات هائلة من المساعدات الإنسانية في غزة» وأضاف «إسرائيل لن تستمر في السماح بدخول الطعام للقطاع، التحذيرات المتكررة من خطر المجاعة كذبة لن نصدقها». إن هذا التعميم غير مقبول ولا يبرر جريمة العقاب الجماعي بتجويع أكثر من مليوني إنسان.
ولإضفاء الشرعية على قرار منع المساعدات، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، في27 آذار/ مارس، قرارا يرفض التماس استئناف ادخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتنوه صحفيات بلا قيود بأن هذا القرار يثبت أن الأجهزة القضائية في هيكل حكومة نتنياهو مجرد أداة لتمرير الجرائم والانتهاكات على الفلسطينيين.
واستمراراً لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تحرض على القتل تجويعاً، قال وزير المالية في حكومة بنيامين نتيناهو، المتطرف بتسلئيل سموتريتس، الاثنين 7 إبريل: «لن تدخل حبة قمح واحدة إلى القطاع».
إغلاق المخابز
أكدت منظمات أممية بأن آلاف الفلسطينيين في غزة، ماتوا ومن المرجح أن يستمروا في الموت، نتيجة سوء التغذية والجفاف والأمراض الناجمة عن منع قوات الاحتلال وصول الغذاء والمياه وغيرها من الإمدادات الضرورية التي تساعد سكان غزة للبقاء على قيد الحياة.
في 27 آذار/مارس الماضي، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن الآلاف من سكان غزة يواجهون مجددا خطر الجوع الحاد وسوء التغذية مع تناقص مخزونات الغذاء في القطاع مع إغلاق الحدود أمام المساعدات، وتوسع النشاط العسكري لقوات الاحتلال في غزة بشدة ما يعرض حياة العاملين في مجال الإغاثة للخطر.
تشير الاحصائيات إلى أن ما يزيد عن90% من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات لا يستوفون احتياجاتهم الغذائية بسبب نقص الحد الأدنى من التنوع الغذائي، ومن المتوقع أن يبلغ عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى علاج سوء التغذية قرابة 60000 طفل بينما يستمر قوات الاحتلال بإغلاق المعابر ويمنع ادخال أكثر من 180,000 جرعة من لقاحات الأطفال الروتينية الأساسية، والتي تكفي لتطعيم وحماية 60,000 طفل دون سن الثانية.
في الوقت الذي أعلن فيه برنامج الأغذية العالمي، إغلاق جميع المخابر التي يدعمها في قطاع غزة وعددها 25، مطلع إبريل، قالت الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تنسق تسليم المساعدات، أن في غزة "ما يكفي من الغذاء لفترة طويلة"، ووصف المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، هذه المزاعم بالأمر السخيف، وقال: "لقد وصلنا إلى نهاية إمداداتنا"، وأضاف: "كما تعلمون، برنامج الأغذية العالمي لا يُغلق مخابزه عبثاً. إذا لم يتوفر الدقيق، وإذا لم يتوفر غاز الطهي، فلن تتمكن المخابز من فتح أبوابها".
من جهته قال رئيس جمعية أصحاب المخابز في غزة، عبد الناصر العجرمي، إن برنامج الغذاء العالمي أبلغ الجهات المعنية بنفاد مخزون الدقيق من مستودعاته، ما يضع مئات الآلاف من الفلسطينيين على شفا المجاعة، ذلك أن سكان غزة يعتمدون بشكل أساسي على المخابز المدعومة من برنامج الغذائي العالمي.
وقال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) إن الإنسانية تمر "بأحلك ساعاتها"، مؤكداً "وهذه أطول فترة تبقى فيها غزة بدون أي إمدادات منذ بدء الحرب".
دعوة لإيقاف التجويع
ودعت صحفيات بلا قيود المجتمع الدولي باتخاذ مواقف جادة وضاغطة على حكومة نتنياهو، وإجباره على وقف أعمال الإبادة الجماعية، وإنهاء استخدام التجويع لقتل المدنيين، وارغامه على السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والبضائع الضرورية للحياة للسكان في قطاع غزة وبشكل عاجل.
وقالت صحفيات بلا قيود، بأن استمرار منع إدخال المساعدات إلى المدنيين في غزة، هو استمرار في انتهاك القانون الدولي وازدرائه، وتحدي أوامر محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا، حيث وجهت المحكمة أوامر ملزمة لإسرائيل بإيقاف أعمال الإبادة الجماعية، وضمان وصول الخدمات والمساعدات الإنسانية الضرورية للفلسطينيين.
وجددت منظمة صحفيات بلا قيود، مطالبتها بفرض عقوبات مؤثرة على إسرائيل وتعليق الاتفاقيات والمزايا التي تشجعها على ارتكاب الجرائم، وذلك بغرض الضغط المؤثر لإنهاء الانتهاكات الفظيعة، والعمل على تقديم المتورطين والمسؤولين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
