الأخبار

إبادة العائلات في غزة.. جرائم ممنهجة بلا عقاب

إبادة العائلات في غزة.. جرائم ممنهجة بلا عقاب

قالت منظمة صحفيات بلا قيود، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل تنفيذ غارات جوية متعمدة لإبادة المدنيين الفلسطينيين ومحو عائلات بأكملها في قطاع غزة، رغم إنكار رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو للجرائم الواضحة.

وأكدت "صحفيات بلا قيود" أن المجازر الفظيعة لم تعد حوادث معزولة، بل تحولت إلى سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال دون مواربة، وسط محاولات فاشلة، من قبل نتنياهو، لتضليل الرأي العام العالمي.

منذ استئناف حرب الإبادة في 18 مارس/آذار 2025، بلغت حصيلة القتلى الفلسطينيين 2,151 حتى أمس الأحد، بينما وصلت حصيلة القتلى منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 52,243، أكثر من 65% منهم ينتمون للفئات الأكثر ضعفًا (الأطفال والنساء وكبار السن) بحسب بيانات مكتب الصحة الفلسطينية.

وفي خطابه بتاريخ 27 إبريل 2025، كرر نتنياهو مزاعمه، وقال: «زرت قواتنا في رفح وأخبروني أنهم قتلوا 12 ألف مقاتل ولم يقتلوا أي مدني» مدعيًا أن الإعلام يضلل الحقيقة، وأوضحت صحفيات بلا قيود أن هذا الإنكار ليس سوى تكرار لخطاب سبق أن ألقاه نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي في 24 يوليو 2024،  حيث زعم أن استهداف المدنيين في غزة هو الأدنى في التاريخ، وأشار بأنه سأل القائد في رفح:« كم مدنياً قتلتم؟ فأجاب: فعلياً لم نقتل أي مدني، باستثناء حادثة واحدة». رغم الأدلة الموثقة التي تثبت عكس ذلك.

تصعيد ممنهج 
وأدانت صحفيات بلا قيود، الهجمات المكثفة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين، ضمن استهداف واضع للعائلات الفلسطينية في قطاع غزة، وحسب بيانات الإعلام الحكومي في غزة، أبادت قوات الاحتلال أكثر من 7250 عائلة، من بينها 2180 أسرة أُبيدت بالكامل، و5070 أسرة لم يتبق منها سوى فرد واحد على قيد الحياة.

وأوضحت صحفيات بلا قيود، بأن قوات الاحتلال تتبني أنماطاً خطيرة من الانتهاكات، أبرزها قصف خيام النازحين والمنازل المدمرة باستخدام صواريخ ثقيلة وطائرات مسيرة انتحارية، لملاحقة المدنيين وتجمعاتهم العائلية، ما يدل على أن هذه الهجمات متعمدة وليست أخطاء عرضية، مع العلم بأن جيش الاحتلال يستخدم ذخائر متطورة وغير متناسبة مع طبيعة الأماكن التي يزعم أنها أهدافاً، مما يُعد خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني.

ورصدت صحفيات بلا قيود، عدد من الهجمات التي استهدفت العائلات خلال النصف الثاني من إبريل الجاري، ومن أبرز تلك الجرائم:
والأحد، 27 إبريل، استقبلت مستشفيات غزة 51 قتيلاً، معظمهم سقطوا في مجازر جماعية جراء غارات جوية استهدفت أماكن مدنية مثل كافيتريا في شارع صلاح الدين بمخيم النصيرات.  وقصف الطيران الحربي التابع لقوات الاحتلال الاسرائيلي منزلاً مأهولا بالسكان لعائلة كوارع في جنوبي مدينة خانيونس. وأسفر القصف عن مقتل عائلة كوارع بينهم زينب المجايدة وأطفالها الستة.
فجر يوم الجمعة 25 إبريل 2025، استهدفت طائرة مسيرة خيمة نازحين بمنطقة مواصي خانيونس، مما أسفر عن إبادة عائلة "أبو طعيمة" بالكامل، بما في ذلك الأم الحامل وأطفالها الثلاثة.

عائلات الصحفيين
وفي سلوك إجرامي ممنهج، تطال أعمال الإبادة الجماعية، الصحفيين الفلسطينيين وعائلاتهم في قطاع غزة. وعلى مدى 19 شهراً من حرب الإبادة، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 212 صحفياً وصحفية في غزة، وهو أكبر من عدد الصحفيين الذين قتلوا في حروب كبرى مجتمعة بينها الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام.
في 25 إبريل الجاري، قصفت قوات الاحتلال خيمة النزوح التي تؤوي الصحفي سعيد أبو حسنين وزوجته وابنته، وقد أسفر القصف عن مقتل الصحفي وأسرته.
وعمل أبو حسنين لمدة 20 عامًا في إذاعة صوت الأقصى، وتميز بإخلاصه في نقل الرواية الفلسطينية رغم الحصار، حيث يتحمل الصحفيون الفلسطينيون وحدهم مهمة كشف جرائم الحرب المروعة، بعد منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة.

في 16 أبريل، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصورة الفلسطينية فاطمة حسونة وعشرة من أفراد عائلتها بقصف منزلهم في غزة. كانت فاطمة من أبرز الصحفيات اللواتي وثّقن جرائم الحرب ضد المدنيين منذ بداية العدوان على القطاع، واشتهرت بتغطيتها المعاناة الإنسانية في شمال غزة رغم الحصار والتجويع.  

وكانت حسونة قد كتبت على مواقع التواصل قبل مقتلها: «إذا متُّ، أريد موتًا صاخبًا. لا أريد أن أكون مجرد خبر عاجل، أو مجرد رقم في مجموعة، أريد موتًا يسمعه العالم، وأثرًا يبقى عبر الزمن، وصورة خالدة لا يمحى أثرها بمرور الزمان أو المكان».

كانت حسونة تعمل على توثيق يوميات القصف والتجويع ومعاناة النزوح المستمر، وسبق أن فقدت 11 فردًا من عائلتها في يناير 2024، لكنها واصلت توثيق الأحداث حتى آخر لحظة وتستعد للزفاف في الصيف، وقد تتبعت مخرجة إيرانية جانباً من حياتها، في فيلم وثائقي «ضع روحك على كف وامش" (Put Your Soul in Your Palm and Walk)» تلقت خبر قبول الفيلم في مهرجان كان السينمائي قبل مقتلها بيوم.

كارثة إنسانية متفاقمة
يتزامن التصعيد العسكري مع تدهور حاد في الوضع الإنساني في غزة. فقد أعلنت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، أن مخزونات الغذاء في غزة قد استنفدت بالكامل بعد منع دخول المساعدات منذ سبعة أسابيع، محذرة من مجاعة وشيكة تهدد حياة آلاف الفلسطينيين. وقد أُجبرت جميع المخابز المدعومة من برنامج الأغذية العالمي على الإغلاق مع نهاية مارس/آذار بسبب نفاد دقيق القمح ووقود الطهي، فيما أصبحت المستشفيات تفتقر إلى الأدوية والإمدادات الحيوية.

وفي هذا السياق، أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن غزة تعيش "لحظة قاتمة"، داعياً إلى رفع الحصار فوراً لأن حياة المدنيين تعتمد على تدفق المساعدات.

رئيس وزراء حكومة الاحتلال قد أعلن مطلع مارس، عن وقف إدخال البضائع والمساعدات إلى غزة كما هدد بعواقب وإجراءات تصعيدية من بينها العودة إلى الهجمات المباشرة، واستئناف الحرب بصورة أكثر فتكاً، في تهديد خطير لاستئناف الإبادة الجماعية والتمهيد لها بمنع دخول المساعدات بشكل كامل، في اجراء علني لتجويع أكثر من 2 مليون فلسطيني من سكان قطاع غزة.

وكانت صحفيات بلا قيود قد أدانت استمرار جريمة التجويع التي تفرضها قوات الاحتلال على المدنيين الفلسطينيين. وقالت بأن استمرار منع دخول البضائع والمساعدات الإنسانية الأساسية للحياة، ينذر بانعدام الأمن الغذائي ووصوله إلى المرحلة الخامسة، وهي مرحلة الموت بسبب الجوع وسوء التغذية وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي.

مغادرة مربع الصمت
وحذرت "صحفيات بلا قيود" من أن الصمت الدولي إزاء الجرائم الإسرائيلية يمثل تواطؤًا يُشرعن الانتهاكات، وينتهك التزامات الدول بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.
وقد نص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع، على وجوب التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والالتزام بمبدأ التناسب، وهو ما تجاهلته قوات الاحتلال الاسرائيلي تمامًا.


وتعد جرائم الاستهداف المتعمد لمراكز الإيواء والمنازل المدنية من أعمال الإبادة الجماعية، كما أن استهداف مقومات الحياة الأساسية، مثل الغذاء والمياه، يعزز الأدلة على وجود نوايا إبادة وفقًا للتعريف القانوني الدولي، كما تبين تصريحات قادة سلطات الاحتلال القصد في الجريمة.


طالبت "صحفيات بلا قيود" المجتمع الدولي، بمغادرة مربع الصمت وحالة التواطؤ السائدة، وسرعة اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الإبادة الجماعية، من خلال فرض عقوبات فورية على إسرائيل، تشمل حظر تصدير الأسلحة، وتجميد أصول القادة الإسرائيليين المتورطين، وتعليق الاتفاقيات الاقتصادية.


وشددت على ضرورة إحالة المسؤولين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإنفاذ أوامر القبض الصادرة ضدهم، في خطوة حاسمة نحو إنهاء الإفلات من العقاب.
ودعت المنظمة كذلك إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة في الجرائم المرتكبة في غزة، مع ضمان جبر ضرر الضحايا، ومحاسبة مرتكبي المجازر، ذلك أن الضحايا الفلسطينيين ليسوا مجرد "أضرار جانبية"، بل بشر يتم استهدافهم عمداً بغرض تطهير أرضهم من السكان.

 

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image