اليمن - قالت منظمة “صحفيات بلا قيود” إن ما تشهده العاصمة المؤقتة عدن من تصاعد حملات الاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب وانتهاك الحريات الأساسية، يُعد نمطاً ممنهجاً وخطيراً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويرقى إلى مستوى الجرائم المنظمة ضد المجتمع المدني.
وأوضحت المنظمة، استناداً إلى المعلومات التي تلقتها من خلال عمليات الرصد التي يجريها فريقها الميداني، أن مدينة عدن شهدت خلال الأسابيع الماضية سلسلة متواصلة من الانتهاكات التي ارتكبتها تشكيلات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، منها قوات الحزام الأمني وألوية العاصفة الرئاسية، في سياق حملة قمع ممنهجة تستهدف النشطاء، والقيادات النقابية، والمواطنين المشاركين في الاحتجاجات الشعبية المنددة بتردي الاوضاع المعيشية و الخدمات الأساسية.
ووفقاً لتقارير فريق الرصد الميداني التابع للمنظمة، فقد طالت الانتهاكات عدداً من المدنيين والنشطاء عبر حملات اختطاف نفذت بطريقة منظمة، استخدمت فيها مركبات مدنية وعسكرية، إلى جانب ارتكاب اعتداءات جسدية وعمليات تعذيب. و تظهر هذه الممارسات الطابع الممنهج والمنسق لهذه الحملة القمعية، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية المتعلقة بحظر الاعتقال التعسفي والتعذيب، ولأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
تفاصيل الإنتهاكات
وبينت المنظمة تفاصيل تلك الانتهاكات على النحو التالي:
· في 3 مايو 2025، صعّدت قوات الحزام الأمني من انتهاكاتها بحق النشطاء المدنيين في مدينة عدن، حيث نفذت حملة اختطافات منظمة استهدفت ثلاثة من أعضاء تنسيقية القوى المدنية والحقوقية، وهم: الدكتور حسن فضل الهيثمي، والناشطين وسيم العقربي، و جمال البيحاني. وقعت الحادثة حوالي الساعة 10:30 مساءً عقب خروجهم من اجتماع للتنسيقية في مديرية المنصورة، حيث تم اختطافهم من أمام وحدة سكنية بالقرب من مستشفى 22 مايو باستخدام طقم أمني ومركبة مدنية بيضاء من نوع هيونداي سنتافي، واقتيدوا إلى جهة مجهولة دون توجيه أي تهم أو إظهار أوامر قانونية، في اعتداء واضح على الحق في التنظيم المدني والعمل الحقوقي.
في الليلة ذاتها، تعرض المواطن علي عشال مسعود الجعدني، وهو عم الضابط المخفي قسراً علي عبدالله عشال الجعدني، لعملية اختطاف مماثلة في حي المنصورة من قبل مسلحين.
لاحقاً، تم الإفراج عن كل من علي عشال مسعود، والدكتور حسن فضل، وجمال البيحاني، بينما استمر احتجاز الناشط وسيم العقربي، وسط تقارير حقوقية تؤكد تعرضه للتعذيب الجسدي داخل أحد معتقلات الحزام الأمني. وفي بيان صادر عن تنسيقية القوى المدنية والحقوقية بتاريخ 9 مايو 2025، اطّلعت عليه المنظمة، تم توثيق ما وصف بأنه “تعذيب وحشي” يتعرض له العقربي، مع تحميل قوات الحزام الأمني المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته، والمطالبة بـالإفراج الفوري عنه ووقف الحملات القمعية التي تستهدف النشطاء والمدافعين عن الحقوق والحريات العامة في عدن.
· في 1 مايو 2025، نفذت قوات الحزام الأمني في عدن عمليتين منفصلتين من الاعتقال التعسفي استهدفتا ناشطين مدنيين، في انتهاك واضح لحرية التعبير والحق في الاحتجاج السلمي. ففي الحادثة الأولى، اعتُقل اليوتيوبر الشاب مصطفى الحسني على خلفية نشره مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي انتقد فيه تدهور الخدمات العامة والأوضاع المعيشية، محملاً السلطات المحلية المسؤولية. وقد أُفرج عنه في اليوم التالي دون توجيه أي تهم رسمية، في ممارسة تعسفية تعكس توجهاً ممنهجاً لإسكات الأصوات الناقدة وتكميم الحريات العامة.
أما في الحادثة الثانية، فقد اختطف الناشط معتز الروسي من أمام أحد متاجر المفروشات في مديرية المنصورة، على يد مسلحين يستقلون مركبة من نوع “برادو”. وتشير المعلومات إلى أن هذه العملية جاءت عقب مشاركة الروسي في احتجاجات سلمية طالبت بتحسين الخدمات، خصوصاً الكهرباء. وذكّرت المنظمة بأن الناشط معتز الروسي كان قد تعرض لعملية اختطاف سابقة في ديسمبر 2024، بعد نشره تدوينات على صفحته في فيسبوك تنتقد فساد السلطات، ما يؤكد نمطاً متكرراً من الاستهداف الممنهج ضد النشطاء في عدن.
· في 28 أبريل 2025، شنت قوات العاصفة الرئاسية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي حملة مداهمات واعتقالات في مديرية كريتر، استهدفت خلالها عدداً من الشبان الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية التي عمت المدينة للتنديد بتدهور خدمة الكهرباء والأوضاع المعيشية المتردية في المدينة. كما تخللت الاحتجاجات عمليات قمع عنيفة، شملت إطلاق النار الحي في الهواء لتفريق المتظاهرين، إلى جانب الاعتداء البدني على عدد من الشبان باستخدام أعقاب البنادق.
وقد طالت هذه الحملة عدداً من المحتجين، وتم اختطافهم من قبل عناصر القوات المشاركة في الحملة، ليتم اقتيادهم إلى “معسكر عشرين” التابع لألوية العاصفة. من بين الأسماء التي تم توثيقها خلال الحملة، تم رصد أربعة من المعتقلين، وهم: سالم جاوه، محمد عوض، محمد فهد، عبد الكريم أنور، الذين تم الإفراج عنهم بعد عدة أيام من الاعتقال.
· في 22 أبريل 2025، أقدمت قوات الحزام الأمني التابعة لقطاع المنصورة على اختطاف الشاب عبدالرحمن زكي من حي بلوك 25، مستخدمة اطقم عسكرية إلى جانب مركبة مدنية وتم اقتياده إلى جهة مجهولة، وذلك على خلفية مشاركته في احتجاجات سلمية، ومطالبته بالكشف عن مصير المخفيين قسرياً وتحسين الخدمات العامة.
ازدواجية الأدوات لتضليل هوية المنفذين
وفي سياق عمليات الاختطاف التي ترتكبها التشكيلات الأمنية التابعة للمجلس الإنتقالي، رصدت المنظمة تكراراً مقلقاً لاستخدام المركبات المدنية، مثل سيارات ‘فوكسي’ و’برادو’، من قبل عناصر مسلحة ملثمة في تنفيذ تلك العمليات، في تكتيك متعمد لطمس هوية الجناة وتسهيل الإخفاء القسري. ويعكس هذا الأسلوب الممنهج ازدواجية مقصودة في أدوات القمع، حيث يتم توظيف المركبات غير الرسمية إلى جانب الأطقم العسكرية لتضليل الضحايا وخلق بيئة يسودها الإفلات من العقاب. هذا النمط القمعي لا يهدد فقط سلامة الأفراد، بل يسهم في تقويض سيادة القانون، ويكرس مناخاً عاماً من الرعب وانعدام المساءلة، ما يؤدي إلى تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وتدهور الوضع الأمني في المدينة.
احتجاجات نسوية وحملات تحريض
و في سياق تصاعد الاحتجاجات الشعبية المنددة بتردي الاوضاع الاقتصادية وتدهور الخدمات، شهدت ساحة العروض في مديرية خور مكسر بعدن ، عصر السبت 10 مايو 2025، وقفة نسوية نظمتها ناشطات مدنيات للمطالبة بتحسين الخدمات المعيشية ووقف التدهور الاقتصادي والخدمي، خصوصاً في مجالات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم. وقد قوبلت الوقفة بانتشار أمني مكثف من قبل قوات الحزام الأمني، رغم الطابع السلمي والمطلبي للفعالية، كما سبقها حملة تحريض منسقة شنها ناشطون موالون للمجلس الانتقالي، بهدف ترهيب المشاركات والتشكيك بأهداف الوقفة.
تصاعد مقلق في الانتهاكات
أشارت المنظمة إلى أنها رصدت ووثقت منذ ديسمبر 2024 وحتى مايو 2025، تصاعداً مقلقاً في وتيرة الانتهاكات التي ترتكبها القوات التابعة للمجلس الانتقالي بحق المدنيين والنشطاء في مدينة عدن، شملت الاعتقالات التعسفية، والاختطافات، والتعذيب، واستخدام مركبات مدنية في عمليات الإخفاء القسري، إلى جانب اعتداءات بحق نازحين، ومشاركين في احتجاجات سلمية. وأكدت المنظمة، من خلال بيانات سابقة، أن هذه الانتهاكات تأتي ضمن سياسة قمع ممنهجة تهدف إلى إسكات الأصوات المستقلة وتقييد الحريات المدنية، محذرة من أن استمرار هذا النهج ينذر بانهيار شامل لمنظومة الحقوق والحريات، ويهدد بجرّ المدينة نحو مزيد من الفوضى والانفلات والانتهاكات المنهجية.
سياسة قمعية ممنهجة
وأكدت منظمة “صحفيات بلا قيود” أن ما يجري في مدينة عدن من انتهاكات ممنهجة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، وقمع حرية التعبير والتجمع السلمي، يمثل خرقاً جسيماً لمبادئ حقوق الإنسان، ويرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، بالنظر إلى طبيعته المنهجية وتكراره واتساع نطاقه. وشددت المنظمة على أن هذه الانتهاكات لا يمكن التعامل معها كأفعال فردية معزولة، بل تعكس سياسة قمعية ممنهجة تتحمل فيها القيادات الأمنية والعسكرية المسؤولية المباشرة، بما في ذلك المسؤولية الفردية التي قد تترتب عنها مساءلة جنائية دولية، في حال استمر الإفلات من العقاب وغياب آليات التحقيق والمحاسبة.
موقف المنظمة
دانت منظمة “صحفيات بلا قيود” بأشد العبارات حملات القمع والاختطاف والتعذيب والإخفاء القسري، التي تنفذها التشكيلات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة عدن، مؤكدة أن هذه الانتهاكات الممنهجة تمثل جرائم جسيمة بحق المدنيين والنشطاء، وترقى إلى مستوى الجرائم المنظمة ضد المجتمع المدني، بما تشكله من تهديد مباشر للحق في السلامة الجسدية، وحرية الرأي والتعبير، والتنظيم السلمي، وهي حقوق أساسية يكفلها القانون الوطني والمعايير الدولية ذات الصلة.
وطالبت المنظمة بوقف فوري لكافة أشكال القمع والانتهاكات بحق المدنيين والناشطين في مدينة عدن، والإفراج العاجل وغير المشروط عن جميع المختطفين والمخفيين قسرا، وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بما في ذلك القيادات الأمنية والعسكرية المتورطة، والعمل على حماية المجال المدني وحق المواطنين في التعبير والتجمع السلمي.
و دعت المنظمة المجتمع الدولي، وبخاصة الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية، إلى ممارسة الضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي لوقف الانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين والنشطاء. كما طالبت بتفعيل الآليات الأممية المعنية للتحقيق في جرائم الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري، وكافة الجرائم والإنتهاكات، وضمان إنصاف الضحايا، ومحاسبة الجناة وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي ختام بيانها، حيّت منظمة “صحفيات بلا قيود” كافة المبادرات المدنية والوقفات الاحتجاجية السلمية التي ينظمها المواطنون والنشطاء، وفي مقدمتها التحركات النسوية، التي عبرت بشجاعة عن المطالب المشروعة للمجتمع في تحسين الأوضاع المعيشية ووضع حد للانتهاكات. واعتبرت المنظمة أن هذا الحراك السلمي يشكل تعبيراً أصيلاً عن الإرادة المجتمعية في مواجهة القمع واستعادة الفضاء المدني، مؤكدة أن حماية هذا الحراك وضمان حرية التعبير والتجمع السلمي يشكلان ركيزة أساسية لأي مسار نحو العدالة والاستقرار.