اليمن - قالت منظمة “صحفيات بلاقيود” إنها تتابع بقلق بالغ إستمرار تصاعد الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق المختطفين والمخفيين قسراً،
مؤكدة أن نمط الإخفاء القسري والتعذيب والحبس الانفرادي والحرمان من الرعاية الطبية والزيارة، يشكل تهديداً خطيراً للحق في الحياة والسلامة الجسدية والنفسية ويرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
وسلطت المنظمة الضوء على التدهور الخطير في الحالة الصحية للناشط المدني ورئيس الائتلاف المدني للسلام، عاصم عبدالقوي العشاري، الذي اختطفته مليشيا الحوثي أواخر مايو 2024، مشيرة إلى تلقيها معلومات موثوقة تفيد بفقدانه البصر في إحدى عينيه داخل سجون المليشيا، رغم عدم معاناته من أي مشاكل صحية أو أمراض سابقة قبل اختطافه.
وأكدت المنظمة أن هذا التدهور الخطير في حالته الصحية يمثل مؤشراً جدياً حول تعرضه للتعذيب أو سوء المعاملة، في ظل ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، واستمرار حرمانه المتعمد من الرعاية الطبية اللازمة، بما يشكل انتهاكاً فاضحاً للضمانات القانونية والحقوقية المكفولة له بموجب القوانين الوطنية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وأوضحت المنظمة أنها اطلعت على نداء إنساني نشره شقيق المختطف، أكد فيه تلقيهم معلومات حول إصابته بعمى جزئي في إحدى عينيه، مشيراً إلى أنهم منعوا من زيارته منذ اختطافه قبل نحو 400 يوم، ما تسبب في معاناة نفسية شديدة لأسرته وقلق دائم على مصيره، مطالباً بالإفراج الفوري عنه، أو تمكينه من تلقي الرعاية الطبية العاجلة، وضمان حقوقه الأساسية في المعاملة الإنسانية.
وكانت تقارير صحفية قد أفادت أن العشاري، المحتجز منذ أكثر من عام في سجن الأمن والمخابرات بصنعاء، أصيب بفقدان جزئي للبصر رغم عدم وجود سجل سابق لأي مشكلات بصرية أو صحية، ما يثير مخاوف جدية من أن الإصابة ناتجة عن التعذيب أو الإهمال الطبي الناتج عن الحبس الانفرادي المطول. كما حذرت التقارير من أن استمرار منعه من العلاج أو من زيارة أطباء مختصين يعرضه لخطر فقدان البصر بشكل كامل.
واشارت المنظمة الى ان مليشيا الحوثي كانت قد اختطفت العشاري بتاريخ 31 مايو 2024 ، اثناء مروره بمدينة ذمار، خلال سفره مع زوجته وأطفاله من صنعاء إلى عدن، ولا يزال منذ ذلك الحين رهن الإخفاء القسري في أحد سجون جهاز الأمن والمخابرات التابع للمليشيا بصنعاء، دون أي تهمة رسمية أو إجراءات قضائية، مع حرمانه الكامل من زيارة أسرته أو تلقي الرعاية الصحية اللازمة، ما يشكل انتهاكاً جسيماً للضمانات المكفولة للمحتجزين بموجب القانون الدولي.
ولفتت المنظمة إلى أن عائلة العشاري تعاني من تداعيات نفسية وصحية بالغة، حيث أُصيب والده بجلطة دماغية حادة نقل على إثرها إلى العناية المركزة بمستشفى “اليمني الحديث” في يونيو الماضي، نتيجة الضغوط النفسية الناتجة عن اختفاء نجله وجهله بمصيره، وهو ما يعكس حجم المعاناة المركبة التي تعيشها أسر المختطفين، وهي معاناة تتكرر في عائلات كثيرة تعاني من ضغوط مماثلة.
وأكدت المنظمة أن حالة العشاري، تأتي ضمن سياق أوسع لانتهاكات ممنهجة تنتهجها مليشيا الحوثي في تعاملها مع المختطفين، حيث تشير تقارير و شهادات ناجين إلى أن العديد من المحتجزين يتعرضون للتعذيب الممنهج، الحبس الانفرادي، والحرمان من العلاج والتواصل مع أسرهم، في ظروف تقترب من الإعدام البطيء، ما أدى إلى وفاة المئات منهم داخل السجون أو بعد الإفراج عنهم بفترة وجيزة.
وفي هذا السياق، أبرزت المنظمة حالة الموظف الأممي أحمد باعلوي، الذي اختطف مع ثمانية من زملائه في 23 يناير 2025، وظل مخفياً قسرياً حتى الإعلان عن وفاته في 11 فبراير 2025، في ظروف غامضة. وأفادت المعلومات بأن باعلوي احتجز في بيئة تفتقر لأدنى المعايير الإنسانية، ودفن جثمانه بصورة مستعجلة تحت ضغط المليشيا، التي رفضت عرضه على طبيب شرعي او التحقيق في ملابسات وفاته، مما يثير شكوكاً قوية بشأن وفاته تحت التعذيب.
وأكدت المنظمة أن حالة باعلوي تجسد نمطا متكرراً من الانتهاكات التي تطال مختطفين ومخفيين قسراً، قضى بعضهم داخل السجون، وخرج آخرون بأجساد معاقة او منهكة وأمراض مزمنة، نتيجة الاحتجاز القاسي وسوء المعاملة والإهمال الطبي المتعمد، دون أي مساءلة للمسؤولين عن تلك الجرائم.
وحذرت المنظمة من أن التدهور المتسارع في الحالة الصحية للمختطف عاصم العشاري يأتي بالتزامن مع تصعيد خطير من قبل مليشيا الحوثي، تتمثل في تنفيذها حملات اختطاف واسعة النطاق طالت اكاديميين واطباء ومعلمين ومحامين وصحفيين ونشطاء في عدد من المحافظات اليمنية، وعلى رأسها محافظة إب، ما يثير مخاوف جدية بشأن ظروف الاحتجاز والمعاملة داخل مراكز الاحتجاز السرية، ومصير المختطفين الذين يحرمون من أبسط حقوقهم الأساسية.
أكدت منظمة “صحفيات بلاقيود” أن الانتهاكات المرتكبة بحق عاصم العشاري، من الإخفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي المتعمد والحرمان من التواصل الأسري والرعاية الصحية، فضلاً عن المعاناة النفسية لأسرته، تعبر عن سياسة ممنهجة تعتمدها مليشيا الحوثي ضمن نمط واسع من القمع والإفلات من العقاب والمعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها المختطفون في سجون مليشيا الحوثي، و تعد جرائم ضد الإنسانية وفقاً للمادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما تمثل خرقاً صارخاً للمواد (7 و9 و10) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وانتهاكًا للمادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب.
وعبرت المنظمة عن إدانتها الشديدة لما تعرض له العشاري، معتبرة أن ما لحق به، يمثل جريمة مكتملة الأركان تستوجب فتح تحقيق دولي عاجل ومحاسبة الجناة. كما أدانت استمرار منعه من التواصل مع أسرته أو الحصول على الرعاية الصحية، واعتبرت ذلك انتهاكاً سافراً لكرامته الإنسانية وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، محملة مليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن سلامته وسلامة أفراد أسرته.
ودعت المنظمة إلى تحرك فوري وعاجل للكشف عن مصير المختطف عاصم العشاري، وضمان تمكينه من حقوقه غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها العلاج والرعاية الطبية والزيارة والتواصل مع أسرته ومحاميه دون قيود.
كما طالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً لدى مليشيا الحوثي وفي مقدمتهم عاصم العشاري، مؤكدة أن استمرار احتجاز المدنيين والناشطين والعاملين في المجال الإنساني يمثل جريمة ممنهجة تتطلب تدخلاً دولياً حازماً.
وشددت المنظمة على ضرورة فتح تحقيق دولي مستقل بشأن الانتهاكات المرتكبة في سجون ومعتقلات الحوثيين، بما يضمن وقف سياسة الإفلات من العقاب وضمان الإنصاف والمساءلة.
وفي ختام بيانها، طالبت “صحفيات بلاقيود” المفوضية السامية لحقوق الإنسان والفريق الأممي المعني بحالات الإخفاء القسري والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، بالتحرك العاجل والضغط على مليشيا الحوثي للكشف عن مصير المختطفين ووقف كافة الانتهاكات.
وأكدت أن استمرار الصمت الدولي والتقاعس الأممي يمثلان سبباً رئيسياً في تمادي مليشيا الحوثي بارتكاب المزيد من الجرائم، وأن الموقف الدولي الحازم وحده كفيل بكبح الانتهاكات وإنصاف الضحايا وضمان العدالة.