الأخبار

غزة: "إسرائيل" تستخدم المياه سلاحاً لإبادة السكان

غزة: "إسرائيل" تستخدم المياه سلاحاً لإبادة السكان

أدانت منظمة "صحفيات بلا قيود" المجزرة التي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 27 مدنياً، غالبيتهم أطفال، كانوا ينتظرون الحصول على مياه صالحة للشرب. 

 وأكدت المنظمة أن جريمة استهداف المدنيين العطشى في قطاع غزة تمثل استكمالاً لسياسة التعطيش الممنهجة التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على السكان منذ أكثر من 21 شهراً. 
وأوضحت أن الاحتلال يستخدم المياه سلاحاً لإفناء المدنيين عبر العطش وانتشار الأمراض، نتيجة حرمانهم من المياه الآمنة واضطرارهم لاستخدام مياه ملوثة غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
ومنذ أكتوبر 2023، تستهدف سلطات الاحتلال، مصادر المياه الرئيسية في غزة، وتكشف الممارسات الإسرائيلية عن مخطط مدروس لاستخدام الماء كسلاح وذلك من خلال تعطيل الآبار الجوفية ومحطات التحلية، ونسف الخزانات التجميعية، وتدمير شبكة توزيع المياه، وتخريب شبكة الصرف الصحي، وتخريب خطوط نقل المياه، علاوة على منع وصول امدادات الطاقة لمحطة التحلية المركزية بإجراءات علنية، وعدم السماح بإدخال أي مساعدات متعلقة بإصلاح المياه أو التنسيق مع الفرق الفنية لإصلاح خطوط النقل.
وفي 13 يوليو الجاري، قصفت قوات الاحتلال طابوراً من المدنيين ينتظرون الحصول على مياه من نقطة توزيع تابعة لمؤسسة خيرية، ما أسفر عن مقتل 10 مدنيين بينهم 7 أطفال. 
وارتفع عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023، إلى 58497
«ثمانية وخمسون ألف وأربعمائة وسبعة وتسعون فلسطيني» ممن وصلت جثامينهم المستشفيات، بينما لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات وتعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، التي كشفت أيضاً عن ارتفاع عدد المدنيين الذين قتلتهم إسرائيل في طوابير انتظار المساعدات الإنسانية، منذ 27 مايو الماضي وحتى 15 يوليو الجاري، إلى 844 من المجوعين.

ضحايا الماء
وأكدت منظمة "صحفيات بلا قيود" أن حرمان الفلسطينيين من المياه عبر تدمير البنية التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي، واستهدافهم في طوابير انتظار المساعدات، يمثل جزءاً من سياسة ممنهجة لإهلاك المدنيين وتفريغ غزة من سكانها، وهو ما يُعد أحد عناصر الإبادة الجماعية. 
وبحسب بيانات أممية، انخفضت حصة الفرد من المياه في قطاع غزة من 86 لتراً يومياً، قبل أكتوبر 2023، إلى ما بين 3 ـ 12 لتر، وانخفضت تالياً إلى درجة يستطيع فرد واحد من كل 10 أفراد الحصول على مياه شرب.
وأشارت صحفيات بلا قيود، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وسعياً لتحقيق أهداف الإبادة الجماعية؛ دمرت ما يزيد 85% من مرافق خدمات المياه والصرف الصحي بشكل كلي أو جزئي، وفقاً لتقييم أصدرته منظمة أوكسفام، ما أدى إلى حرمان السكان من المياه النظيفة. 
وفي ظل هجمات مروعة وتشريد دائم لأكثر من 90% من السكان وحشرهم في مناطق ضيقة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، يضطر النازحون لاستهلاك مياه ملوثة، الأمر الذي أدى الى انتشار العديد من الأمراض. ومنذ أكتوبر 2023 تم تسجيل مئات الآلاف من حالات الإصابة بالإسهال المائي الحاد، وعشرات الآلاف من حالات اليرقان الذي يعد من أعراض التهاب الكبد الوبائي أ، علاوة على الأمراض الجلدية وانتشار حالة الالتهاب التنفسي بين أكثر من مليون حالة بسبب عدم الاغتسال، كما اثبتت الفحوصات أن مياه الصرف الصحي التي تمر بين خيام النازحين تحمل فيروس شلل الأطفال.
وقالت صحفيات بلا قيود بأن استراتيجية سلطات الاحتلال لاستخدام الماء كسلاح، تتعمد القضاء على مصادر المياه الرئيسية التي يعتمد عليها المدنيين إضافة إلى استخدام شبكة الصرف الصحي لحصد أكبر عدد ممكن من المدنيين بفنائهم على المدى القريب أو تشكيل تأثيرات صحية تؤثر على حياتهم مستقبلاً.
والمصادر الرئيسية التي تستهدفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي  هي الآتي:

1ـ الخزان الجوفي
تعتمد قطاع غزة على ثلاثة مصادر للمياه، هي الخزان الجوفي ومحطات التحلية العامة أو الخاصة، وشركة مياه ميكروت الإسرائيلية بموجب اتفاقية أوسلو، حسب حديث مدير عام مصادر المياه في سلطة المياه بقطاع غزة في مايو الماضي.
يأتي الخزان الجوفي على رأس قائمة المصادر المائية لإمداد المدنيين بالمياه بنسبة 85%، حيث كانت تنتج الآبار البالغ عددها 300 بئراً، قرابة 262 ألف متر مكعب في اليوم قبل الحرب، رغم أن التحاليل أظهرت أن 97% من المياه الجوفية في القطاع غير صالحة للاستهلاك، وذلك نتيجة ارتفاع معدلات التلوث والملوحة فيها، حيث أقامت سلطات الاحتلال السدود والمصائد المائية على طول الحدود لمنع تغذية خزانات المياه الجوفية، قبل الحرب.
ومع ذلك، لم تترك "إسرائيل" لأبناء غزة هذا المصدر المائي الغير صالح للاستهلاك، فمنذ أكتوبر 2023،  دمرت قوات الاحتلال أكثر من 80% من آبار المياه العامة، حيث استهدفت246 بئراً لإنتاج المياه، وأخرجتها عن الخدمة الكلية أو الجزئية، بالإضافة إلى تدمير 40 خزانًا تجميعاً للمياه.

2ـ محطات التحلية
وتعد محطات التحلية في قطاع غزة ـ سواء كانت محطات عامة أو خاصةـ مصدراً رئيسياً من مصادر المياه، وقد زاد الإقبال على المياه المحلاة، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية قبل أكثر من 21 شهراً.
منذ أكتوبر 2023 استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب من 85 محطة لتحلية المياه.
وفي 9 مارس، قرر وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين، وقف تزويد غزة بالكهرباء، حيث كانت تزود القطاع بقدرة محدودة من التيار لتشغيل محطة تحلية المياه المركزية في دير البلح وسط قطاع غزة، ما أدى إلى انخفاض قدرة محطة التحلية على انتاج المياه بنسبة تزيد عن 80%، حيث انخفضت نسبة المياه المحلاة من 18000 متر مكعب في اليوم إلى 3000 متر مكعب، ما يعني حرمان أكثر من 600 ألف نسمة في وسط وجنوب غزة من مياه الشرب. 

مياه ميكوروت
كانت شركة مياه ميكوروت الإسرائيلية تزود قطاع غزة بمياه الشرب بموجب اتفاقية أوسلو، وقد بلغت انتاجيتها سنة 2023 قرابة 21 مليون متر مكعب، عبر ثلاثة خطوط في شمال ووسط وجنوب غزة، وذلك لتلبية احتياجات 70% من السكان.
استهدفت قوات الاحتلال خطوط النقل منذ بداية الحرب، وبتاريخ 4 إبريل 2025، استهدفت خط الناقل شرق مدينة غزة، والذي يمد السكان بنحو 70% من المياه الصالحة للشرب، بعد أن أصدرت أمر للسكان بالإخلاء الفوري واجتاحت الدبابات الإسرائيلية المكان.
وكانت قوات الاحتلال قد عطلت خط المياه في المنطقة الوسطى مطلع 2024، الذي يمد قرابة 300 ألف فلسطيني بالمياه الصالحة الشرب، ومنذ ذلك الحين ترفض السماح لطواقم الفنية بإصلاح الخط.

4ـ استغلال الصرف الصحي
أسفرت الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال على البنية التحتية للصرف الصحي عن تعطيل كامل لمحطات معالجة المياه العادمة الست، وتدمير أكثر من 1600 كيلومتر من شبكات المياه والصرف الصحي، وتعطيل 70 مضخة كانت تعالج 130 ألف متر مكعب يوميًا من المياه العادمة. ونتيجة  هذه الاعتداءات تتسرب مياه الصرف الصحي غير المعالجة في أنحاء غزة، وتحديداً مناطق النزوح ومراكز الإيواء، مما خلق بيئة خصبة لانتشار الأوبئة بين أكثر من مليوني نسمة، في ظل الانهيار الكامل للمنظومة الصحية المستهدفة منذ بداية الحرب.
وأكدت "صحفيات بلا قيود" أن هذه الممارسات تشكل جريمة حرب باستخدام "التعطيش" كسلاح للإبادة الجماعية، وانتهاكًا صارخًا لاتفاقية جنيف الرابعة وتحديًا سافرًا لقرارات محكمة العدل الدولية الصادرة عام 2024.
ويحظر القانون الدولي استهداف المنشآت المدنية وخاصة مرافق المياه والصرف الصحي، كما يضمن حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية. وتهدف هذه السياسة إلى إجبار السكان على النزوح عبر تجويعهم للمياه النظيفة وتعريضهم للأمراض، مما يشكل جريمة إبادة جماعية بموجب القانون الدولي.

صحفيات بلا قيود تطالب بالآتي:

* ممارسة الضغط الفعال والمؤثر على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لإجبارها على وقف أعمال الإبادة الجماعية في قطاع غزة فورًا، بما في ذلك التوقف عن استهداف البنية التحتية لقطاع المياه والصرف الصحي.

* السماح الفوري وغير المشروط بإدخال المساعدات الإنسانية بكافة أشكالها، بما يشمل المواد والمعدات اللازمة لإصلاح منظومة المياه، وأنظمة تنقية المياه، ومواد الصيانة والتشغيل.

* تمكين الفرق الفنية من الوصول السريع لإصلاح ما يمكن إصلاحه من شبكات المياه والصرف الصحي وخطوط نقل المياه، للحد من تفشي الأمراض والأوبئة الناجمة عن الدمار الواسع في هذه البنية.

* الالتزام بتوجيهات محكمة العدل الدولية، والمساعدة في تقديم المسؤولين الإسرائيليين المطلوبين إلى المحكمة، مع توسيع نطاق التحقيقات الدولية لتوثيق جميع أعمال الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، بما يضمن تقديم المسؤولين والمتورطين إلى العدالة وعدم إفلاتهم من العقاب، باعتبار أن المحاسبة على الفظائع الجارية في غزة خطوة أساسية لإنصاف الضحايا، ومنع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً تحت أي غطاء.

Image