البيانات الصحفية

اليوم العالمي لحرية الصحافة: بيان صحفيات بلاقيود

اليوم العالمي لحرية الصحافة: بيان صحفيات بلاقيود

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نؤكد في "صحفيات بلا قيود" أن حرية الصحافة ليست ترفًا سياسيًا، بل حق إنساني أصيل، وأداة جوهرية لحماية العدالة وكشف الانتهاكات.

دون صحافة حرة، تُصادر الحقيقة، وتفلت السلطة من المساءلة، ويغيب صوت الناس ، وفي هذا اليوم، تُشيد "صحفيات بلا قيود" بكل الصحفيين والصحفيات الذين يواصلون أداء واجبهم المهني في الميدان، رغم المخاطر والقمع والتضييق. هؤلاء ليسوا مجرد ناقلي أخبار، بل رُسل للحقيقة، يدفعون من أمنهم وحريتهم وحياتهم ثمنًا لإبقاء المجتمعات يقظة، والسلطات تحت المساءلة، والحقوق في دائرة الضوء. إن شجاعتهم في مواجهة الرصاص والتشهير والرقابة تؤكد أن الصحافة ليست مهنة، بل التزام إنساني وأخلاقي بحماية الحقيقة والدفاع عن الكلمة الحرة.


 وفي ظل ما تشهده المنطقة العربية من تراجع خطير في مناخ الحريات، وازدياد ممارسات القمع والتضييق على العمل الصحفي، تدعو المنظمة إلى ضمان بيئة قانونية وأخلاقية تكفل حرية الكلمة، وحق الناس في المعرفة، وصون كرامة الصحفيين والصحفيات وفقا لتقارير دولية، يتراجع واقع حرية الصحافة عالميًا، لكن المنطقة العربية تظل من بين الأسوأ في المؤشرات. معظم دولها تقبع في مراتب متأخرة على مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن "مراسلون بلا حدود"، وتعاني من سيطرة حكومية أو أمنية أو تجارية على المؤسسات الإعلامية، مع تصاعد لافت في القمع الممنهج للصحفيين، من الترهيب والمنع، إلى السجن والتصفية الجسدية.


ويأتي العدوان الإسرائيلي المستمر على الصحفيين الفلسطينيين كأحد أبرز الأمثلة على استهداف ممنهج وموثق. منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، حيث قتل خلال ٢٤  عام في مدينة غزة نحو ثلث صحفيي العالم الذين قُتلوا أثناء ممارسة نشاطهم الإعلامي، بحسب المعلومات المتوفرة لدى منظمة مراسلون بلا حدود حتى الآن، جميعهم لقوا حتفهم على يد الجيش الإسرائيلي ، في جرائم استهدفت منازلهم ومقراتهم بشكل مباشر. ما يجري هو استهداف متعمد للعمل الصحفي، ومحاولة لطمس الشهادة على جرائم الحرب. ورغم التوثيق الواسع، لم يُحاسب أي مسؤول إسرائيلي على هذه الجرائم حتى اليوم.


أما في بقية الدول العربية، فالاعتقال التعسفي والتعذيب ومنع النشر وقطع الإنترنت، أدوات تُستخدم يوميًا لإسكات أي صوت حر. لا يزال العشرات من الصحفيات والصحفيين في السجون بسبب تغطيات مهنية أو تعبير عن الرأي. تُصدر الأحكام القضائية بحقهم بناء على تهم فضفاضة مثل "نشر أخبار كاذبة" أو "تهديد الأمن القومي". ، وتفردت اليمن خلال ٢٠٢٤ بحسب تقارير مراسلون بلا قيود فإن جماعة الحوثي في اليمن خلال عام 2024، كانت الوحيدة التي قامت باختطاف اثنين من الصحفيين كرهائن جدد من بين الصحفيين الـ 55 الذين يُعتبرون حالياً في عداد الرهائن بمختلف أنحاء العالم. 


وبحسب مؤشر الصحافة الصادر من منظمة مراسلون بلا قيود لعام ٢٠٢٤،  تُعد المنطقة العربية من بين الأسوأ عالميًا في حرية الصحافة، حيث تفرض معظم حكومات المنطقة رقابة خانقة وتضييقًا ممنهجًا على الصحفيين ووسائل الإعلام. خمس دول عربية وإقليمية – بينها السعودية (المرتبة 166)، مصر (170)، إيران (176)، وسوريا – تُصنّف ضمن أكبر عشرة سجون للصحفيين في العالم. أما في الجزائر (139) والأردن، فقد باتت التشريعات التقييدية تهدد وجود الصحافة المستقلة. في العراق (169) وتونس (118)، يدفع الصحفيون ثمن الاستقطاب السياسي، بينما يشهد اليمن (154) إفراجات مشروطة بالتحولات الإقليمية.

وعلى رأس الانتهاكات، تأتي إسرائيل التي قتلت خلال 15 شهرًا نحو 200 صحفي، بينهم 43 أثناء أداء مهامهم، في استهداف واضح للعمل الإعلامي، خاصة في الأراضي الفلسطينية. هذا المشهد الإقليمي المظلم يعكس واقعًا يتم فيه تقويض الحق في المعرفة، وتجريم العمل الصحفي، وتحويل الإعلام إلى أداة دعائية، في وقت تضيق فيه المساحات المسموح بها لتناول قضايا الفساد، والعدالة، وحقوق الإنسان.


تشير منظمة "صحفيات بلا قيود" إلى أن التشريعات السائدة في العديد من الدول العربية لا توفر أي حماية حقيقية للصحفي، بل تحوّله إلى متهم دائم في نظر القانون. ففي مصر، يُستخدم قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 كأداة للرقابة والتضييق، بينما يواجه الصحفيون صعوبات جمة في الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية رغم النص القانوني على ذلك (WIPO). وفي الأردن، يُعد قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات رقم 48 لسنة 2007 أحد أوائل القوانين في المنطقة، لكنه يضع استثناءات واسعة وعبارات فضفاضة تحد من فاعليته، ما يُفقد الصحفيين القدرة على العمل بحرية (PJS). أما في تونس، فرغم صدور قانون النفاذ إلى المعلومة رقم 22 لسنة 2016، والذي يُعد خطوة إيجابية، فإن التطبيق ما زال يواجه عراقيل إدارية ومقاومة مؤسسية للشفافية. هذه النماذج تؤكد أن أغلب التشريعات في العالم العربي إما قاصرة أو مُعطلة، وأن الوصول إلى المعلومات العامة ما زال مقيدًا، بل ويُعرّض الصحفي أحيانًا للملاحقة بدلاً من الحماية.


تواجه الصحفيات في العالم العربي تحديات متزايدة تشمل التحرش الجنسي، التشهير الأخلاقي، والتمييز المهني، في ظل غياب سياسات حماية فعالة. في مصر، وثّقت تقارير حالات استغلال وتحرش داخل المؤسسات الإعلامية دون آليات إنصاف واضحة (Nazra). أما في الأردن، فأظهرت دراسة وجود تحرش وتمييز جندري واسع النطاق في بيئة العمل الصحفي (IMS). كما رُصدت انتهاكات مماثلة في تونس واليمن، وسط صمت قانوني ومؤسسي (Euro-Med Monitor). ووفقًا لليونسكو، فإن 73% من الصحفيات عالميًا تعرضن لعنف رقمي خلال عملهن، ما يضاعف القيود على مشاركتهن في الحياة العامة (UNESCO).


في هذا السياق، نؤكد في "صحفيات بلا قيود" أن حرية الصحافة ليست مجرد مطلب نقابي أو مهني، بل قضية حقوقية ومجتمعية ترتبط بالحق في المعلومة، وحرية التعبير، والحياة الديمقراطية السليمة. وندعو إلى:
1.    الإفراج الفوري عن كافة الصحفيات والصحفيين المعتقلين بسبب عملهم المهني أو آرائهم.
2.    فتح تحقيقات دولية مستقلة في جرائم قتل الصحفيين، وعلى رأسها الجرائم الإسرائيلية بحق الإعلاميين الفلسطينيين.
3.    إلغاء أو تعديل كافة القوانين التي تقيّد حرية الصحافة، خاصة قوانين النشر والجرائم الإلكترونية والتشهير السياسي.
4.    ضمان حرية الوصول إلى المعلومات العامة، وتفعيل مبدأ الشفافية في مؤسسات الدولة.
5.    إنشاء آليات حماية فعالة للصحفيات والصحفيين، خاصة في مناطق النزاع، وضمان استقلال المؤسسات الإعلامية عن السلطة.
6.    إدماج مبادئ المساواة وعدم التمييز داخل المؤسسات الإعلامية، وتوفير بيئة آمنة للنساء العاملات في الصحافة.
إن حماية حرية الصحافة مسؤولية جماعية: من الحكومات، من المجتمع المدني، ومن الجمهور نفسه. الكلمة الحرة ليست خطرًا، بل هي ما يمنع الانهيار الكامل في زمن التزييف والتضليل.


"صحفيات بلا قيود"
3 مايو 2025

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image