
تشهد إيران حاليًا حملة قمع واسعة النطاق ضد المواطنين والنشطاء والمدونين، حيث كثفت السلطات جهودها منذ 13 يونيو/حزيران للقضاء على أي شكل من أشكال الانتقاد داخل البلاد.
يتزامن هذا التصعيد مع فترة حساسة تشهد فيها إيران تحديات داخلية وخارجية متزايدة، وبدلاً من مواجهتها تفضل ملاحقة النشطاء والمنتقدين.
لقد تسببت الهجمات الإسرائيلية على إيران خلال 12 يومًا الماضية في سقوط 5665 شخصًا، منهم 1190 قتيلًا و4475 جريحًا. وقد ألحقت هذه الهجمات، التي طالت 28 محافظة، أضرارًا بالغة بالبنية التحتية الحيوية العسكرية والمدنية والطبية والإغاثية، وشكلت تهديدًا خطيرًا لأمن المدنيين في جميع أنحاء البلاد. وخلال هذه الفترة، اعتقلت أجهزة الأمن المئات من الأشخاص، معظمهم بسبب ممارستهم لحقهم في حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع والانتقال، في انتهاك واضح للقوانين والمعايير الدولية.
حملة اعتقالات واسعة النطاق
في حين أكدت وسائل إعلام رسمية اعتقال أكثر من 700 شخص بتهمة "التجسس" لصالح إسرائيل خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا اعتبارًا من 13 يونيو/حزيران، تشير شهادات النشطاء والمحامين إلى أن عدد المعتقلين يتجاوز 1500 شخص، ولا يزال مصيرهم مجهولًا. يقول محامون وناشطون حقوقيون تحدثت إليهم "صحفيات بلا قيود" إن غالبية المعتقلين هم مواطنون عاديون ومن الأقليات الدينية والعرقية، أو مقيمون أفغان، ونشطاء سياسيون ومدنيون.
تمت معظم هذه الاعتقالات بناءً على "تفتيش هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في حواجز تفتيش انتشرت خلال الحرب في معظم أنحاء البلاد". احتوت هذه الأجهزة على صور لأماكن القصف الإسرائيلي أو كتابات تنتقد السلطات السياسية والحربية في البلاد، أو صور لما تنشره وسائل إعلام دولية. بالإضافة إلى ذلك، جرى اعتقال عشرات آخرين من منازلهم، معظمهم من النشطاء السياسيين والحقوقيين.
انتهاكات إجرائية جسيمة
كما كشف محامٍ في طهران مطلع على التفاصيل لـ"صحفيات بلا قيود" أن بعض المعتقلين "جرى اختطافهم من مناطق تعرضت للقصف الإسرائيلي وكانوا يقومون بالتصوير بدافع الفضول ولم يكن لهم أي انتماءات سياسية أو سوابق أمنية". وقد أكدت عائلات المعتقلين والمحامي أنهم لا يستطيعون الوصول إلى أبنائهم منذ اعتقالهم ونقلهم إلى طهران.
تشير "صحفيات بلا قيود" إلى أن السلطات الإيرانية تقوم بحبس الأشخاص بمعزل عن العالم الخارجي وترفض السماح لهم بالاتصال بعائلاتهم ومحاميهم. هذا الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لا ينتهك القوانين المحلية والدولية فحسب، بل يفتح الباب على مصراعيه أمام ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لانتزاع اعترافات قسرية. هذه الممارسة ممنهجة في إيران، حيث يُجبر العديد من المعتقلين على الإدلاء بأقوالهم دون وجود محامٍ، وغالبًا ما تُستخدم هذه الأقوال كدليل رئيسي ضدهم في المحاكم التي غالبًا ما تعتمد على "اعترافات" يتم انتزاعها تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي كدليل كاف لإصدار العقوبة القاسية.
وفقًا لوكالة أنباء حقوق الإنسان "هرانا"، اعتقلت قوات الأمن ما لا يقل عن 1596 شخصًا بين 13 و26 يونيو/حزيران. من هؤلاء، اعتُقل 301 بتهم سياسية وبسبب نشاطهم على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما اعتُقل 1295 آخرون بتهم مثل "الإخلال بالأمن القومي". تشمل الاتهامات أيضاً "نشر مواد استفزازية ومهينة للسلطات، تشويه سمعة النظام السياسي في إيران، والدعاية على الإنترنت لصالح إسرائيل، وتكدير الأمن العام، وإثارة الرأي العام، وإهانة الشهداء، والتعاون مع الموساد، وتهريب الأسلحة وتوجيه طائرات مُسيّرة صغيرة".
على الرغم من أن معظم التهم لا تزال غير معلنة بشكل رسمي، إلا أن تحليل الملفات المتوفرة يُظهر أن نحو 5 في المائة من الاعتقالات تمت بتهمة "دعم إسرائيل" من خلال نشر المحتوى، ونحو 3 في المائة بسبب "تضليل الرأي العام".
قالت منظمة "صحفيات بلا قيود" إن "الممارسات الأخيرة للسلطات القضائية الإيرانية، التي تتزامن مع ارتفاع خطير لأعداد الاعتقالات، تثير قلقًا بالغًا بشأن ضمان الحق في محاكمة عادلة للمتهمين". وتتضافر عدة عوامل لتزيد من هذه المخاوف، بدءًا من سرعة إصدار الأوامر المؤقتة والتهديدات العلنية التي يطلقها مسؤولون قضائيون، وصولًا إلى فرض قيود مشددة على وصول المتهمين إلى التمثيل القانوني. إضافةً إلى ذلك، أدى انقطاع الإنترنت لفترات طويلة إلى صعوبة وصول المحامين والصحفيين إلى القضايا، وحد من إمكانية توثيق الانتهاكات المحتملة.
إضافة لحملة الاعتقالات شنت السلطات الأمنية في إيران حملة ترهيب لعائلات المعارضين السياسيين الموجودين في الخارج، حيث استدعت وحدة استخبارات الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات أقارب ناشطين سياسيين أكراد يقيمون في الخارج واستجوبتهم. وضغطت هذه الأجهزة على العائلات وهددتها لإجبار أقاربهم في الخارج على وقف نشاطهم. على سبيل المثال، خلال إحدى جلسات الاستجواب، قيل لعائلة ناشط حقوقي مقيم في أوروبا: "إذا ظهرت أدنى علامة على نشاط ضد الجمهورية الإسلامية، فلن نرحمكم. أي شيء قد يحدث لكم".
وفي خطوة أخرى لتوسيع عمليات فرض سيطرة أوسع على الحريات العامة ومواجهة الانتقاد، أقرّ البرلمان الإيراني في 23 يونيو/حزيران مشروع قانون طارئ لتشديد العقوبات على المواطنين المعتقلين بتهم التجسس. وصرح المتحدث باسم السلطة القضائية، علي أصغر جهانجير،: "لو أردنا محاكمة العديد ممن اعتقلناهم خلال الحرب مع إسرائيل بموجب قانون التجسس الحالي، لواجهنا قيودًا وحدودًا. إلا أن البرلمان منحنا الآن حرية قانونية أوسع".
تؤكد منظمة "صحفيات بلا قيود" أنه في الوقت الذي تواجه فيه إيران أخطر تحدٍ لها بعد العدوان الإسرائيلي الذي استهدف أراضيها، يتحرك النظام السياسي للقضاء على أي أثر للانتقاد أو المعارضة لنظام الحكم في البلاد.
مصير مجهول لسجناء سجن إيفين
لا يقتصر انقطاع آثار المعتقلين على من تم اعتقالهم بعد 13 يونيو/حزيران وحدهم، بل يشمل أيضًا السجناء الذين نُقلوا من سجن "إيفين" في طهران - وكثير منهم سجناء سياسيون - عقب تعرضه لغارات إسرائيلية أدت إلى مقتل 71 شخصًا. لا يزال مصير معظم من كانوا في السجن مجهولًا.
في 23 يونيو/حزيران، شنت المقاتلات الإسرائيلية هجومًا على سجن إيفين وألحقت أضرارًا جسيمة بمناطق حيوية، بما في ذلك جناح النساء، والجناح الثامن، والمستوصف، ومكتب النيابة العامة. علّق محامٍ ثانٍ في طهران على الضربة قائلًا: "أبواب محكمة إيفين مغلقة، ولا أحد يقدم أي إجابات. وقد خلق هذا مشاكل كبيرة. يجب أن تدركوا أن هذا المبنى داخل إيفين هو المكان الذي يقصده المحامون وعائلات السجناء لمتابعة قضاياهم. في ظل الوضع الراهن، سُلبت حتى أدنى حد من قدرة المحامين على الدفاع عن المعتقلين".
إن التزام إيران بحماية السجناء ليس مجرد التزام أخلاقي، بل هو واجب قانوني محلي ودولي صريح وملزم. بصفتها دولة طرفًا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) والذي صادقت عليه في عام 1975، فإن إيران مُلزمة بتطبيق جميع بنوده، بما في ذلك المادة العاشرة "الحق في المعاملة الإنسانية عند الحرمان من الحرية"، والمادة السابعة "الحظر المطلق للتعذيب". وتظل هذه البنود سارية في جميع الظروف دون أي استثناء، سواء في أوقات السلم، أو خلال حالات الطوارئ المعلنة، أو حتى في زمن الحرب.
بناءً على الانتهاكات الخطيرة الموثقة، تطالب صحفيات بلاقيود بالآتي:
من السلطات الإيرانية:
· يجب على السلطات الإيرانية الكشف الفوري عن أسماء ومواقع جميع الأشخاص الذين تم اعتقالهم منذ 13 يونيو/حزيران، والسماح لعائلاتهم ومحاميهم بالوصول إليهم دون تأخير.
· بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المعتقلين لمجرد ممارستهم حقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي.
· يجب على السلطات الإيرانية الالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك الحق في التمثيل القانوني والوصول إلى محامٍ من اختيارهم، ووقف استخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كدليل، وإلغاء نظام المحاكم الثورية سيء السمعة. بما في ذلك أولئك الذين تتهمهم السلطات بالتخابر مع إسرائيل والولايات المتحدة.
· يجب على السلطات الإيرانية اتخاذ إجراءات فورية لوقف جميع أشكال التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز والسجون، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
· ندعو إلى تحقيق مستقل وشفاف في الهجوم على سجن إيفين وما ترتب عليه من وفيات وإصابات، والكشف عن مصير جميع السجناء الذين نُقلوا من السجن.
· على إيران الالتزام الكامل بالتزاماتها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وغيره من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها.
من المجتمع الدولي والمنظمات الأممية:
· ندعو المجتمع الدولي، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدولية، إلى ممارسة أقصى الضغط على السلطات الإيرانية لوقف حملة القمع الحالية والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان الأساسية. بما في ذلك تضمين تحسين وضع حقوق الإنسان في المفاوضات المرتقبة بين إيران من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى بشأن البرنامج النووي.
· نطالب الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية بإرسال مراقبين مستقلين لتقييم الوضع الحقوقي في إيران، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم للضحايا وعائلاتهم. والضغط على السلطات الإيرانية للاستجابة.
· ندعو إلى تقديم الدعم والحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين في إيران الذين يواجهون مخاطر جسيمة بسبب عملهم.
· على المنظمات الأممية إصدار بيانات إدانة قوية للانتهاكات الموثقة في إيران، والمطالبة بإجراءات حاسمة لوقفها.