الأخبار

الأردن: أحكام محكمة أمن الدولة بحق متضامنين مع غزة تثير المخاوف

الأردن: أحكام محكمة أمن الدولة بحق متضامنين مع غزة تثير المخاوف

قالت منظمة صحفيات بلا قيود إنها تشعر بقلق بالغ إزاء الأنباء الواردة عن إصدار محكمة أمن الدولة في المملكة الأردنية الهاشمية أحكامًا قضائية بالسجن لمدة ثماني سنوات بحق أربعة أشخاص.

وأوضحت المنظمة بأن السلطات الأردنية تواصل استهداف النشطاء والصحفيين والمدنيين، على خلفية تضامنهم مع الفلسطينيين في قطاع غزة، وأشارت صحفيات بلا قيود، إلى أن عشرات الأردنيين ما يزالون رهن الاحتجاز دون تمكينهم من حقهم في الحصول على محاكمة عادلة، في حين تستمر الأجهزة الأمنية باعتقال عدد من النشطاء بسبب آرائهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، فيما يُحاكم آخرون استنادًا إلى قانون مكافحة الإرهاب رقم (55) لسنة 2006.
وبحسب التقارير الإعلامية، فقد أصدرت محكمة أمن الدولة، الاثنين 22 ديسمبر الجاري، أحكامًا بالسجن بحق كل من: وائل عرفة
«46 عامًا» ـ وهو أسير محرر أُفرج عنه عام 2011 ضمن صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ـ وشقيقه رمزي عرافة «28 عامًا»، إضافة إلى ليث جمال «23 عامًا»، وعمّار الموسى«26 عامًا».
ووفقًا لقرار المحكمة، فإن لائحة الاتهام موجهة بمقتضى نية الأردنيين الأربعة وتخطيطهم لتنفيذ عمل عدائي ضد الاحتلال الإسرائيلي، تزامنًا مع حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
وذكرت لائحة الاتهام أن التحقيقات أفضت إلى ضبط سلاح مخبأ في منزل أحد المتهمين، أثبتت الفحوصات أن السلاح صالح للاستخدام ويشكّل خطرًا جسيمًا على الأرواح والممتلكات، وبناء على ذلك اعتبر المحكمة أن هذه الأفعال من شأنها تعريض الأردن لهجمات معادية وتعريض مواطنيه لاحتمال التعرض لأعمال انتقامية، فضلًا عن الإضرار بعلاقات الأردن الخارجية مع دولة أخرى، في إشارة إلى تعكير العلاقات مع "إسرائيل".
ونبهت صحفيات بلا قيود، بأن الأحكام الصادرة على المتهمين، على هذا النحو، يثير مخاوف حقوقية وقانونية جدية، كونه يعتمد على النية دون وقوع فعل مادي، بما يوسع مفهوم التجريم ويهدد الحريات الأساسية.
وحذرت المنظمة، من تحويل مبرر
«تعكير العلاقات مع دول أجنبية» إلى أداة سياسية لمعاقبة أي نشاط تضامني أو رأي سياسي، في تعارض صريح مع مبادئ حرية التعبير وحرية الفكر المكفولة دستوريًا ودوليًا، وشددت على أن مثل هذه القضايا تستلزم حدوداً واضحة ومعايير لا تقبل الالتباس.

محكمة أمن الدولة
وكان وزير الاتصال الحكومي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، قد أعلن في أبريل الماضي عن إحباط دائرة المخابرات العامة مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى داخل الأردن. وفي بيان صادر عن دائرة المخابرات العامة، بتاريخ 25 أبريل الماضي، أشارت المخابرات إلى إلقاء القبض على 16 شخصًا قالت إنهم ضالعون في تلك المخططات، التي جرى تتبعها استخباريًا منذ عام 2021، قبل إحالة القضايا جميعها إلى محكمة أمن الدولة.
وخلال الأشهر الماضية، رصدت منظمة صحفيات بلا قيود عددًا من الأحكام القضائية الصادرة بحق أردنيين على خلفية نشاطهم التضامني مع القضية الفلسطينية، واحتجاجهم على أعمال الإبادة الجماعية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
ومن الحالات التوضيحية لتلك القضايا ما يلي:
*
في أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة أمن الدولة أحكامًا متباينة شملت البراءة في بعض الملفات، وأحكامًا بالسجن وصلت إلى 15 عامًا في ملفات أخرى، فيما عُرف إعلاميًا بقضية المحكومين الـ16. ووفق وكالة الأنباء الأردنية، فقد وُجّهت للمعتقلين أربع قضايا هي: تصنيع الصواريخ، والتجنيد، والتدريب، والطائرات المسيّرة (الدرونز).
1ـ قضية تصنيع الطائرات المسيّرة

قضت المحكمة بعدم مسؤولية أربعة متهمين، وأمرت بالإفراج عنهم لعدم ثبوت القصد الخاص المطلوب لقيام الجريمة وفق قانون منع الإرهاب، معتبرة أن ما جرى لم يتجاوز
«مجرد أفكار وتجارب فنية لم تكتمل»، دون توافر نية استهداف الأمن الوطني. وشمل قرار الإفراج: علي أحمد قاسم، وعبد العزيز هارون، وعبد الله الهدار، وأحمد خليفة.
وكانت الإعلامية دعاء جبر، والدة المعتقل عبد العزيز هارون، قد تحدثت في مارس الماضي، عن ظروف اعتقال ابنها، مشيرة إلى أنه جرى اعتقاله بطريقة مهينة من مكان عمله، حيث كُبلت يداه وعُصبت عيناه، واقتيد إلى منزله لتفتيشه بالكامل.

 

 

2ـ قضية تصنيع الصواريخ
قررت المحكمة تطبيق العقوبة الأشد، حيث حكمت على عبد الله هشام ومعاذ غانم بالأشغال المؤقتة لمدة 15 عامًا، فيما حكمت على محسن غانم بالأشغال المؤقتة لمدة سبع سنوات ونصف.

3ـ قضية التجنيد
دانت المحكمة المتهمين مروان الحوامدة وأنس أبو عواد بالأشغال المؤقتة لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر، بتهمة التعاون مع أطراف خارجية بهدف تجنيد شبان داخل المملكة.

قضية التدريب
حكمت المحكمة على خضر عبد العزيز، وأيمن عجاوي، ومحمد صالح، وفاروق السلمان بالسجن لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر، بتهمة القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع للخطر.
وعبر المحامي عبد القادر الخطيب، وهو وكيل عدد من المتهمين، عن أسفه لشدة الأحكام التي طالت بعض القضايا، وتحديداً الأحكام الصادرة بما يُسمى بقضية الصواريخ، وأوضح الخطيب أنه أبلغ المحكمة أن "العمل موجه ضد الاحتلال وليس ضد الأردن"، وأن النية لم تكن المساس بالأمن الوطني، بل "دعم القضية الفلسطينية في ظل المشهد المأساوي في قطاع غزة وحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هناك" طبقاً لما نشرته شبكة الجزيرة.
وأكدت صحفيات بلا قيود أن تباين الأحكام بين البراءة والتشديد يعكس تعقيدات العلاقة بين متطلبات الأمن الوطني والحق في التعبير والموقف السياسي، ويعيد طرح التساؤلات حول تعريف العمل الإرهابي وحدود العمل التضامني مع فلسطين.

تجريم التضامن
وفي سياق متصل، وثقت المنظمة إصدار أحكام بالسجن والغرامات بحق نشطاء بسبب تضامنهم مع غزة، من بينها الحكم بسجن الناشطة عبير الجمال ستة أشهر وتغريمها ثلاثة آلاف دينار، والحكم على الناشط السياسي كميل الزعبي، وعلى عامر راجحة، إضافة إلى حبس الناشط والمعلم أيمن العكور، بالإضافة إلى عدد من السياسيين والصحفيين الناشطين والمتظاهرين.
وأشارت صحفيات بلا قيود إلى أن السلطات الأردنية اعتقلت منذ بداية العام عشرات النشطاء والمؤثرين والسياسيين، وحتى المواطنين الذين يمارسون حقهم المشروع في التعبير السلمي تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وغالباً ما توجه أجهزة السلطات، للمعتقلين تهم مثل "إثارة الفتنة" لمجرد نشر منشورات تضامنية على مواقع التواصل أو الدعوة إلى إضراب سلمي احتجاجاً على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. حيث وصل عدد الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، 70,942 شهيدًا،
«سبعون ألف وتسعمائة واثنين وأربعين شهيداً» منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 23 ديسمبر 2025، بحسب التقارير الإحصائية الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.
وأوضحت صحفيات بلا قيود، أن السلطات الأردنية منعت في الفترة الماضية وقفات ومسيرات سلمية، ووجهت للمعتقلين تهماً بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، الذي يتضمن مواد فضفاضة تُستخدم لتجريم التعبير السلمي وقمع الذين يملكون أراء تسبب الإزعاج للسلطات.
وأكدت المنظمة أن هذه الإجراءات تنتهك المادة (15) من الدستور الأردني، والمادتين (9) و(19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى المادة (14) من العهد ذاته، مؤكدة أن استمرار هذه الانتهاكات يقوض الحريات الأساسية ويضعف الثقة بين المواطنين والسلطات، ويؤثر سلبًا على الموقف الأردني الرسمي من حرب الإبادة التي نفذتها إسرئيل في قطاع غزة.

وفي ضوء ما سبق، تطالب منظمة صحفيات بلا قيود السلطات الأردنية بما يلي:

·       الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين والمعتقلين على خلفية آرائهم السياسية أو نشاطهم التضامني السلمي مع الشعب الفلسطيني، ما لم تُوجَّه إليهم تهم جنائية حقيقية تستند إلى أفعال مادية واضحة، وضمن ضمانات المحاكمة العادلة.

·       إعادة النظر في الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة بحق المتهمين في القضايا المرتبطة بالتضامن مع غزة، ولا سيما الأحكام التي استندت إلى "النية" أو التقدير السياسي، وضمان حق الطعن والاستئناف أمام أجهزة السلطة القضائية.

·       وقف استخدام محكمة أمن الدولة في محاكمة المدنيين في قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير والنشاط السياسي السلمي.

·        تعليق العمل بالمواد الفضفاضة في قانون الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب، والتي تُستخدم لتجريم التعبير السلمي، ومواءمة التشريعات الوطنية مع الدستور الأردني والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن.

·       ضمان الحق في التظاهر والتجمع السلمي، ووقف سياسة المنع والملاحقة الأمنية للوقفات والمسيرات المناهضة لجرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، باعتبارها شكلاً مشروعًا من أشكال التعبير السياسي والإنساني.

·       التأكيد على مشروعية التضامن مع الشعب الفلسطيني واعتباره موقفًا إنسانيًا وأخلاقيًا لا يجوز تجريمه أو وصمه بالإرهاب، خاصة في ظل ما يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية موثقة.


وشددت منظمة صحفيات بلا قيود على أن احترام الحقوق والحريات العامة، وصون حق التعبير والتضامن الإنساني، يشكل ركيزة أساسية للاستقرار الداخلي، ويعزز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، ويُحصّن الموقف الأردني الرسمي تجاه الجرائم المستمرة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image