منظمة صحفيات بلاقيود: السلطات التونسية تنفذ انتهاكات واسعة ضد اللاجئين والمهاجرين
قالت منظمة صحفيات بلا قيود إن السلطات التونسية تنفذ انتهاكات واسعة ومنهجية ضد اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، خصوصًا من ذوي البشرة السوداء، في إطار سياسات قمعية وعنصرية تهدد حياتهم وكرامتهم وتكرّس حالة الإفلات من العقاب.
وأوضحت المنظمة أنّ ما يجري في تونس يعكس تحولًا خطيرًا منذ تولي الرئيس قيس سعيّد الحكم، إذ اتجهت السلطات نحو نهج أمني يقوم على العنف المفرط والتمييز العنصري والطرد الجماعي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) واتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965).
وأضافت أن السلطات التونسية أقدمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تفكيك منظومة الحماية القانونية للاجئين وطالبي اللجوء، واحتجاز المهاجرين تعسفًا، وارتكاب انتهاكات جسيمة تشمل التعذيب والعنف الجنسي والطرد القسري نحو الحدود الجزائرية والليبية، في مخالفة صريحة لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في المادة (33) من اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ولما تنص عليه المادة (7) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تحظر المعاملة القاسية أو المهينة.
وأشارت المنظمة إلى ما أكده تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، والذي وثّق بالتفصيل هذه الانتهاكات، وأظهر كيف جرى تقييد عمل المنظمات الحقوقية، واستهداف المدافعين عن المهاجرين واللاجئين، وإغلاق مساحات المجتمع المدني في ظل تصاعد الخطاب العنصري من قبل مسؤولين رسميين، في انتهاك لمبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه في المادة (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما نقلت المنظمة شهادات مؤلمة لنساء لاجئات ومهاجرات أفريقيات تعرضن لأبشع صنوف الانتهاكات، من تفتيش جسدي مهين إلى عنف جنسي واغتصاب على أيدي عناصر من قوات الأمن. وقالت إن هذه الوقائع تشكل انتهاكًا صارخًا للمادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب (1984)، وللمادتين (2 و3) من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة (1993)، وتستدعي تحقيقًا دوليًا عاجلًا لضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
وحذّرت المنظمة من أن استمرار الاتحاد الأوروبي في التعاون مع السلطات التونسية في ملف الهجرة، رغم التوثيق الواسع لهذه الانتهاكات، يجعله في موضع تواطؤ مباشر، خصوصًا أن التمويلات الأوروبية تُستخدم لدعم الأجهزة الأمنية المتهمة نفسها بارتكاب هذه الجرائم، من دون أي آليات رقابة مستقلة، وهو ما يخالف المادة (21) من معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تلزم الدول الأعضاء باحترام حقوق الإنسان في جميع سياساتها.
وأضافت أن هذه السياسات حوّلت تونس إلى ما يشبه “معتقلًا مفتوحًا” للفارين من الحروب والفقر والاضطهاد، حيث يُحتجز الآلاف في مراكز مغلقة تفتقر لأبسط معايير الكرامة الإنسانية، فيما يُمنع آخرون من الدخول أو يُرحّلون قسرًا إلى مناطق خطرة على الحدود. وفي المقابل، يتعرض المدافعون عن حقوق اللاجئين والصحفيون والنشطاء الذين يقدمون المساعدة الإنسانية لحملات ملاحقة وتشهير، في انتهاك لحرية العمل الحقوقي والإعلامي التي تكفلها المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة (12) من إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان (1998).
وأشارت المنظمة إلى أنّ إلغاء دور مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس عام 2024 أفضى إلى فراغ قانوني وإنساني خطير، حيث بات عشرات الآلاف من طالبي اللجوء والمهاجرين بلا أي مسار قانوني للحصول على الحماية، ما يضاعف معاناتهم الإنسانية ويعرّضهم للاستغلال والعنف والابتزاز.
وقالت “صحفيات بلا قيود” إنّ هذه الانتهاكات لا تمسّ فقط كرامة الضحايا، بل تقوّض مكانة تونس الدولية كدولة عضو في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، مطالبة السلطات باحترام التزاماتها بموجب الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (1981) الذي يضمن الحق في الكرامة والحرية والأمان الشخصي لكل إنسان على أراضيها.
ودعت المنظمة إلى اتخاذ الإجراءات التالية:
1. الوقف الفوري لجميع الانتهاكات ضد اللاجئين والمهاجرين والنساء، وضمان سلامتهم الجسدية والنفسية وفقًا لمعايير القانون الدولي.
2. الإفراج عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين تعسفًا بسبب نشاطهم الإنساني أو الإعلامي.
3. تعليق التعاون الأوروبي مع السلطات التونسية في ملف الهجرة إلى حين توفر ضمانات حقيقية لاحترام حقوق الإنسان، ومساءلة الجهات المسؤولة عن الانتهاكات.
4. استئناف فوري لدور مفوضية اللاجئين في تونس لضمان تسجيل جميع طالبي اللجوء وتوفير الحماية القانونية لهم.
5. فتح تحقيق دولي مستقل برعاية مجلس حقوق الإنسان لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة المتورطين فيها.
واختتمت المنظمة بيانها بالتأكيد على أنّ صمت الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي إزاء هذه الانتهاكات الممنهجة يمثل تواطؤًا خطيرًا يقوّض منظومة القيم الإنسانية العالمية، ويمنح غطاءً رسميًا لاستمرار الجرائم ضد الفئات الأضعف. ودعت جميع الدول والمنظمات الدولية إلى تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، والضغط لوقف هذا الانحدار الإنساني في تونس قبل أن يتحول إلى كارثة إقليمية جديدة تهدد الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا.
صادر عن:
منظمة صحفيات بلا قيود
10 نوفمبر 2025

Ar
En
