اليمن - قالت منظمة “صحفيات بلا قيود” إن جريمة مقتل المحامي الشاب عبدالرحمن عبدالحكيم النجاشي برصاص أفراد من شرطة مديرية الشمايتين بمحافظة تعز، تمثل جريمة مكتملة الأركان، وانعكاساً خطيراً لحالة الفوضى الأمنية وتهاوي منظومة العدالة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
وأوضحت المنظمة أن الضحية، الذي لم يمض على تخرجه من كلية الحقوق بجامعة تعز سوى أيام قليلة، قتل عصر الخميس 23 أكتوبر 2025 أمام منزله في مدينة التربة برصاص مباشر أطلقه أفراد من شرطة المديرية، على خلفية خلاف مدني بسيط يتعلق بمد أنبوب مياه، كان يفترض أن يحل عبر القنوات القانونية لا عبر فوهات البنادق.
وأفادت المنظمة، استناداً إلى معلومات تلقتها من فريقها الميداني وشهادات شهود عيان وسكان من الحي، أن الحادثة بدأت عندما حاولت قوة أمنية من شرطة الشمايتين اعتقال الشاب النجاشي بالقوة دون أمر قضائي أو إذن من النيابة العامة، ما دفعه إلى رفض الامتثال، وتمسكه بحقه في عدم الاستدعاء دون سند قانوني.
وخلال ذلك، اعتدى عليه ثلاثة من عناصر الأمن بالضرب المبرح مستخدمين أعقاب البنادق والركل بالأقدام، ما اضطره إلى الاحتماء بأحد المحال المجاورة لمنزله.
وبعد دقائق من الاعتداء الأول، وصلت تعزيزات أمنية على متن طقم عسكري تابع لشرطة الشمايتين، تقل نحو خمسة عناصر مسلحين. وبحسب الشهادات المتقاطعة، قام أحد الأفراد بكسر زجاج المحل الذي لجأ إليه الضحية طلباً للحماية، ثم أطلق النار عليه مباشرة أثناء محاولته العودة إلى منزله هرباً من الاعتداء المستمر. وأسفر ذلك عن سقوط الضحية مضرجاً بدمائه أمام منزله، وسط أسرته وأطفاله. وأشارت المنظمة الى أنها اطلعت على مقطع فيديو صادم صوره المجني عليه بهاتفه قبل مقتله، يوثق لحظة الاعتداء وإطلاق النار عليه، ما يعزز صحة روايات الشهود ويوفر دليلاً واضحاً على استخدام القوة المفرطة وغير القانوني من قبل عناصر الأمن.
وأكدت المنظمة أن الضحية لم يتلق أي إسعاف فوري من القوة الأمنية التي أطلقت النار عليه، ولم تبادر لنقله إلى المستشفى، بل ترك ممدداً حتى نقله الأهالي وأفراد أسرته، ليفارق الحياة فور وصوله إلى مستشفى خليفه العام متأثراً بإصاباته البالغة.
و حول خلفية الحادثة، بينت المنظمة، استناداً إلى شهادات ميدانية متقاطعة، أن قاضياً محلياً (تحتفظ المنظمة باسمه) كان قد تواصل هاتفياً مع شرطة الشمايتين لتحريك قوة أمنية إلى موقع الخلاف، خارج الأطر القانونية ودون مذكرة رسمية أو إذن من النيابة العامة، رغم أن النزاع لا يبرر تدخلاً أمنياً أو استخداماً للقوة. وتشير الشهادات التي جمعتها المنظمة إلى أن القاضي المذكور كانت له مصلحة شخصية في النزاع المتعلق بمد أنبوب المياه، وأنه حرض الشرطة على التدخل الفوري، بما يعكس توجهاً تحريضياً قوياً على ضبط المجني عليه بأي وسيلة، وهو ما ساهم في تصعيد الموقف وتهيئة المناخ للجريمة.
وأضافت المنظمة أنه خلال تصاعد التوتر، حاول والد الضحية، القاضي عبدالحكيم عبده سيف النجاشي - رئيس محكمة المضاربة ورأس العارة بمحافظة لحج - تهدئة الموقف وإقناع عناصر الشرطة بالتريث ووقف أي اعتداء، وأبدى استعداده لتسليم نجله طوعاً إلى مركز الشرطة بما يتوافق مع الإجراءات القانونية. إلا أن عناصر القوة الأمنية تصرفوا بتعنت واستعلاء، ودفعوه إلى الخلف، قبل أن يقوم أحدهم بإطلاق النار على المجني عليه، ما أدى إلى وفاته أمام والده وعائلته.
ورأت المنظمة أن سلوك القاضي المحلي الذي تواصل مع شرطة المديرية وحرضها على التدخل خارج الأطر القانونية، وما ترتب على ذلك من تجاوزات انتهت بارتكاب جريمة القتل، يمثل خرقاً جسيماً لقانون السلطة القضائية اليمني، الذي يحظر على القضاة التدخل في أعمال الضبط أو استغلال نفوذهم في قضايا خارجة عن اختصاصهم أو لتمرير مصالحهم الشخصية. ويزداد خطورة السلوك القانوني والأخلاقي للقاضي لإقدامه على التواطؤ السلبي خلال وقوع الاعتداءات، إذ شهد تنفيذ الضرب وإطلاق النار ولم يتخذ أي إجراء لإيقافها أو حماية المجني عليه، وهو ما يعكس تهاوناً صارخاً في أداء واجبه القضائي ومسؤولياته الأخلاقية، ويترك المجال لتفسير توجيهاته بأنها أسهمت في تمكين استهداف حياة الضحية بشكل مباشر أو غير مباشر.
شددت منظمة “صحفيات بلا قيود” على أن جريمة مقتل المحامي الشاب عبدالرحمن النجاشي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون اليمني والدولي على مستويات متعددة، وتعد جريمة مركبة تتداخل فيها المسؤوليات الفردية والمؤسسية. وأكدت المنظمة أن الجريمة تمثل قتلاً عمداً خارج نطاق القانون، يعاقب عليه قانون الجرائم والعقوبات اليمني في المادة (234)، وتشكل كذلك خرقاً صارخاً للمادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل الحق في الحياة لكل إنسان وتحظر حرمانه منها تعسفاً.
وأشارت المنظمة إلى أن الاعتداء الجسدي المبرح الذي تعرض له المجني عليه قبل إطلاق النار يرقى إلى جريمة معاملة قاسية وغير إنسانية وفق اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، كما يشكل خرقاً فادحاً لمبدأ استخدام القوة المتناسب المنصوص عليه في مدونة الأمم المتحدة لسلوك موظفي إنفاذ القانون. وإضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ عملية الضبط دون أي مذكرة رسمية من النيابة العامة يعد انتهاكاً صريحاً لقانون الإجراءات الجزائية اليمني، الذي يشترط صدور أمر قضائي مكتوب ومسبب قبل أي عملية قبض أو استدعاء، وهو ما لم يحصل في هذه الواقعة.
ورأت المنظمة أن تدخل القاضي المحلي، الذي تواصل مع الشرطة وحرضها على التدخل خارج الأطر القانونية، ثم حضر موقع الحادثة ولم يتخذ أي إجراء لوقف الاعتداء، يمثل خرقاً جسيماً لقانون السلطة القضائية اليمني، ويضعه تحت مسؤولية قانونية وأخلاقية مباشرة بصفتها تحريضاً ومساهمة في تمكين ارتكاب الجريمة، ما يقتضي مواجهته بالمساءلة الجنائية أمام الجهات المختصة.
كما أكدت المنظمة أن إدارة أمن مديرية الشمايتين وقيادتها تتحمل المسؤولية الكاملة، سواء بصفتها الفعلية في تنفيذ الاعتداء وإطلاق النار، أو بصفتها الإشرافية نتيجة تقصيرها عن ضبط سلوك عناصرها ومنع استخدام القوة المفرطة، وهو ما يعكس انهيار الانضباط المؤسسي داخل أجهزة الأمن وتفشي ثقافة الإفلات من العقاب. ورأت المنظمة أن ما جرى يكشف عن تغول الأجهزة الأمنية في مدينة التربة وتراجع هيبة القانون، في ظل غياب المساءلة وتداخل النفوذ الشخصي مع الصلاحيات الرسمية، مما يقوض أسس العدالة ويهدد السلم الأهلي واستقرار المجتمع.
أدانت منظمة “صحفيات بلا قيود” بأشد العبارات هذه الجريمة، مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة ومحايدة بإشراف النائب العام، لمراجعة جميع ملابسات الحادثة، بدءاً من الاتصالات السابقة وصولاً إلى إطلاق النار.
وشددت المنظمة على إحالة جميع المتورطين، بما في ذلك القاضي المحرض وأفراد القوة المنفذة، إلى النيابة الجزائية المتخصصة، ومحاسبتهم علناً وفق القانون. كما دعت إلى ضمان حق أسرة المجني عليه في العدالة والإنصاف والتعويض وفق أحكام القانون اليمني والمعايير الدولية، وتأمين حماية الشهود وأفراد الأسرة من أي تهديدات أو ضغوط قد تعيق سير التحقيق.
وأكدت المنظمة ضرورة مراجعة وإعادة هيكلة إدارة أمن الشمايتين، ومساءلة قياداتها عن أي إخفاقات مهنية أو إجرائية أسهمت في وقوع الجريمة، معتبرة أن استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب في القضايا التي تتورط فيها الأجهزة الأمنية يشكل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي ولمبدأ سيادة القانون ويقوض ثقة المواطنين بالمؤسسات العدلية والأمنية.
وفي ختام بيانها، أكدت “صحفيات بلا قيود” أن جريمة مقتل المحامي الشاب عبدالرحمن النجاشي ليست حادثاً عرضياً، بل نتاج بيئة أمنية وقضائية مختلة يتداخل فيها النفوذ الشخصي مع سلطة الدولة، ما يستدعي إصلاحاً عاجلاً وشاملاً لمنظومتي العدالة والأمن في محافظة تعز وسائر المحافظات اليمنية. وجددت المنظمة دعوتها للنائب العام ومجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية إلى التحرك الفوري لضمان تحقيق العدالة الكاملة وإنصاف أسرة الضحية، وفاءً لذكرى شاب حلم بإصلاح القضاء فكان أول ضحاياه.

Ar
En
