
في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، الذي يُحتفل به سنويًا في 26 يونيو/حزيران، تُعرب منظمة صحفيات بلا قيود عن تضامنها مع ضحايا التعذيب وعائلاتهم في جميع أنحاء العالم، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يُذكرنا هذا اليوم بفظاعة التعذيب، وهو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان لا يزال يُؤرق أعدادًا لا تُحصى من الأفراد، رغم المحظورات الدولية.
في حين يُدين القانون الدولي جريمة التعذيب إدانةً قاطعة في جميع الظروف، إلا أن مُمارسته لا تزال مستمرة في أنحاء كثيرة من العالم، وغالبًا ما تُمارس في ظل الاعتقال التعسفي والقمع السياسي. ولا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على وجه الخصوص، تُمثل بيئة مُقلقة، حيث تتكرر بشكل دائم تقارير التعذيب وسوء المعاملة التي تستهدف المُعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والأقليات العرقية والدينية، وأي شخص يُنظر إليه على أنه يُشكل تهديدًا لسلطة الدولة، أو سلطة الأمر الواقع.
تعرض المئات العام الماضي للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك أولئك الناشطين الحقوقيين والمعبرين عن آرائهم. إن منظمة صحفيات بلا قيود تؤكد على ضرورة وضع حد لهذه الممارسات في كل مكان. وتجدد التزامها الراسخ بدعم ومساندة من عانى من هذه الجريمة الشنيعة.
وأكدت المنظمة أنها، ومن خلال نشاطها الحقوقي الميداني، رصدت أنماطًا متعددة من التعذيب تشمل الضرب والصعق الكهربائي، والعزل المطوّل، والتهديد، والإهانة، إلى جانب الحرمان من الغذاء والرعاية، والاعتداءات الجنسية، والإكراه على الاعترافات. وتلفت إلى أن هذه الأساليب لا تستهدف الجسد فحسب، بل تسعى لتحطيم الإرادة الإنسانية، وترك ندوب نفسية عميقة يصعب علاجها.
واقع مؤلم
على الرغم من تصديق العديد من دول المنطقة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لا تزال هناك عقبات كبيرة. وتشير التقارير إلى استمرار الاستخدام المنهجي للتعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون في دول مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن وإيران والسعودية والإمارات والبحرين. وغالبًا ما تُستخدم هذه الممارسة لانتزاع الاعترافات أو إسكات المعارضة.
في العديد من دول الخليج، ورغم التقدم الاقتصادي، تتقلص مساحة المعارضة، مما يؤدي إلى تزايد خطر تعرض من يتحدون الوضع الراهن للتعذيب. ولا نزال نتلقى تقارير موثوقة تُفصّل استخدام التعذيب في مراكز الاحتجاز، بهدف انتزاع اعترافات أو معاقبة السجناء السياسيين.
ففي السعودية لا تزال المخاوف قائمة بشأن الاحتجاز التعسفي للمنتقدين السلميين، بمن فيهم ناشطات حقوق المرأة وعلماء الدين، مع ورود العديد من الروايات عن التعذيب الجسدي والنفسي أثناء الاستجواب والاحتجاز.
أما الإمارات فعلى الرغم من تقديمها صورة عصرية، واجهت الدولة الخليجية تدقيقًا شديدًا بسبب معاملتها للسجناء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وقد وثّقت هيئات دولية مزاعم الاختفاء القسري والحبس الانفرادي لفترات طويلة والإيذاء البدني الشديد بهدف انتزاع الاعترافات.
وفي البحرين، رغم الإعفاءات الأخيرة عن معتقلين سياسيين إلا أن تقارير تشير إلى استمرار اعتقال آخرين وتعريضهم لأصناف من التعذيب، بما في ذلك الضرب والحرمان من النوم والوضعيات المجهدة، يُستخدم بشكل روتيني لقمع المعارضة ومعاقبة المشاركين في الحركات المؤيدة للديمقراطية.
أما في اليمن، فتواجه جميع أطراف النزاع اتهامات بممارسة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، بما يشمل الضرب المبرح، والتعليق، والحرق. وتشير تقارير إلى وفيات في سجون الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي بسبب التعذيب.
ويُعتبر الوضع في إيران كارثيًا بشكل خاص، حيث لا يزال التعذيب شائعاً في السجون ومراكز الاحتجاز وبطرق منهجية للمعارضين السياسيين والمنتقدين وأفراد من الجماعات العرقية والدينية المهمشة.
أما في العراق، فلا تزال المخاوف قائمة بشأن الاعتماد على اعترافات مُنتزعة بالقوة خلال المحاكمات، حيث سبق توثيق الاعتقالات التعسفية وفترات الاحتجاز الطويلة التي تسبق المحاكمة، والسجون الخاضعة لميليشيات طائفية سرية لا يمكن الوصول إليها، فضلًا عن الانتهاكات الجسيمة للسجناء، والإعدامات غير المبررة التي تقام الاتهامات على أسس طائفية ودون وجود دلائل كافية تبرر هذه الجريمة.
وفي مصر، وثقت التقارير ممارسات تعذيب منهجي من قبل قوات الأمن، شملت الضرب العنيف والاعتداءات الجنسية والصعق الكهربائي. وفي السودان، تزايدت حالات التعذيب مع تصاعد النزاع الداخلي، حيث وثّقت تقارير عديدة الإخفاء القسري والاعتداءات الجسدية.
وتعود المخاوف الحقوقية في تونس إلى الواجهة مع تصاعد القمع ضد المعارضين السياسيين، الصحفيين، ونشطاء المجتمع المدني. وتشمل الانتهاكات تعذيبًا نفسيًا ممنهجًا كالعزل، الإذلال، الضغط على العائلات، وأحكامًا قضائية قاسية في قضايا تتعلق بحرية التعبير. وتدق هذه الممارسات ناقوس الخطر بشأن انحدار البلاد نحو الاستبداد. وفي ليبيا، سُجلت حالات اعتقال تعسفي وتعذيب، سواء في المراكز الرسمية أو تلك التي تُدار من قبل جماعات مسلحة، مع تعرض اللاجئين والمهاجرين لخطر مضاعف.
تؤدي طبيعة أماكن الاحتجاز السرية إلى عرقلة جهود الرقابة والمساءلة، بينما تواجه المنظمات الحقوقية، الدولية منها والمحلية، قيودًا صارمة تعيق وصولها إلى هذه المراكز أو مقابلة المعتقلين. ويؤدي غياب محاسبة الجناة داخل النظام القضائي إلى تفاقم الأزمة.
يمكن أن تدوم الآثار الجسدية والصدمات النفسية الناجمة عن التعذيب مدى الحياة، مما يؤثر سلبًا على الأفراد والأسر والمجتمعات. لا يستحق ضحايا التعذيب الاعتراف بهم فحسب، بل يستحقون أيضًا الدعم الشامل وإعادة التأهيل، والأهم من ذلك، العدالة.
وتشدد منظمة صحفيات بلاقيود إلى أن معاناة ضحايا التعذيب لا تنتهي عند لحظة الإفراج، بل تبدأ مرحلة جديدة من الألم والصمت، إذ يجد كثير من الناجين أنفسهم في فراغ نفسي واجتماعي واقتصادي، بلا برامج تأهيل أو دعم حقيقي.
دعوة للعدالة والمساءلة
بمناسبة هذا اليوم، تدعو منظمة صحفيات بلاقيود بإلحاح جميع الحكومات في المنطقة إلى: الوقف الفوري والشامل للتعذيب وسوء المعاملة: يجب على الدول ضمان عدم استخدام التعذيب تحت أي ظرف من الظروف، بما في ذلك مكافحة الإرهاب أو مبررات الحفاظ على الأمن القومي.
إضافة إلى ذلك تطالب صحفيات بلاقيود:
· إجراء تحقيقات سريعة ونزيهة وفعالة في جميع مزاعم التعذيب، ومحاسبة الجناة، وتوفير سبل الانتصاف للضحايا. وضمان استقلال القضاء ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
· على الدول التي لم تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (CAT) وبروتوكولها الاختياري (OPCAT) التوقيع عليها وتنفيذهما بالكامل، وإنشاء آليات رصد مستقلة لمراكز الاحتجاز، بمشاركة منظمات المجتمع المدني.
· إطلاق سراح جميع الأفراد المحتجزين تعسفيًا لممارستهم حقوقهم الإنسانية الأساسية، وضمان سلامتهم ورفاههم.
· توفير خدمات إعادة تأهيل طبية ونفسية واجتماعية شاملة لضحايا التعذيب. وتعزيز التوعية المجتمعية لتجريم ثقافة التعذيب ورفض تبريراته.
صادر منظمة صحفيات بلاقيود
26 يونيو/حزيران 2025
