البيانات الصحفية

بيان "صحفيات بلاقيود" بشأن المعاملة اللاإنسانية للمعتقلين السياسيين في تونس

بيان "صحفيات بلاقيود" بشأن المعاملة اللاإنسانية للمعتقلين السياسيين في تونس

تُعرب منظمة "صحفيات بلا قيود" عن بالغ قلقها إزاء استمرار الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها عدد من المعتقلين السياسيين في تونس، على خلفية ما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، والتي تمثل إحدى أخطر القضايا ذات الطابع السياسي المطروحة أمام القضاء التونسي منذ عام 2023.

منذ فبراير/شباط 2023، اعتقلت السلطات التونسية نحو أربعين شخصية عامة، من خلفيات حزبية وسياسية متعددة، من ضمنها أحزاب معارضة للرئيس قيس سعيّد، في سياق مداهمات أمنية استهدفت منازلهم. وقد وُجهت إليهم تهم خطيرة، من بينها "التآمر على أمن الدولة"، في غياب معطيات قانونية واضحة، وهو ما أثار انتقادات واسعة من جهات حقوقية محلية ودولية.

أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تابعت تطورات الملف، بأنها اطلعت على قرار ختم البحث الصادر عن قاضي التحقيق، والذي جاء في 140 صفحة، ولم تجد فيه أي أدلة موثوقة تدعم الاتهامات الموجهة للمتهمين. وأكدت أن هذه التهم الخطيرة تبدو بلا أساس قانوني، وأن بعض المتهمين لا يزالون قيد الإيقاف التحفظي منذ عامين، ما يتجاوز الحد الأقصى المسموح به بموجب القانون التونسي، مشيرة إلى أن العقوبات المحتملة في حال الإدانة قد تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام.

في خطوة احتجاجية على مسار المحاكمة، خاصة بعد قرار السلطات فرض جلسات الاستماع عن بُعد دون حضور فعلي للمتهمين، أعلن ستة من أبرز المتهمين دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 8 أبريل 2025، ومنهم أستاذ القانون جوهر بن مبارك، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، إلى جانب عصام الشابي، غازي الشواشي، خيام التركي، ورضا بالحاج. وسبقهم في ذلك جوهر بن مبارك، الذي بدأ إضرابه منذ 30 مارس/آذار. وقد أصدر المعتقلون بيانًا نُشر على صفحة الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، أكدوا فيه رفضهم القاطع المشاركة في ما وصفوه بمحاكمة صورية، لا تتوفر فيها أدنى شروط العدالة.

من جهتها، أعلن عدد من المحاميين التونسيين ، المخولين بالدفاع عن المعتقلين تعسفيا ،  انسحابها من جلسات المحاكمة احتجاجًا على غياب موكليهم القسري، واعتبرت أن ما يجري يعد انتهاكًا لحق الدفاع وحضور المحاكمة. وقال المحامي باسم الطريفي، رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، خلال إحدى الجلسات: "لا يمكنني المشاركة في إجراءات لا تحترم المحامين ولا المتهمين"، بينما أكدت المحامية دليلة مصدق أن شقيقها، جوهر بن مبارك، مضرب عن الطعام منذ أكثر من 13 يومًا، منددة بحرمانه من أبسط حقوقه. كما شدد المحامي عبد العزيز الصيد على أن "هيئة الدفاع طالبت بتأجيل الجلسة وإحضار المتهمين، لأننا نرفض أن نكون شهود زور". وأعلن العيّاشي الهمامي، أحد المتهمين والمحامين، رفضه المشاركة في الجلسات عن بُعد تضامنًا مع زملائه.

إن ما يجري في هذا الملف يطرح تساؤلات جوهرية حول استقلالية القضاء، وتزايد مؤشرات توظيفه لتصفية الخصوم السياسيين، في ظل تركّز السلطات في يد الرئيس، وتراجع منظومة الضمانات المؤسسية والحقوقية. إن محاكمة المتهمين عن بُعد، ومنعهم من الحضور الفعلي أمام القضاء، يعد انتهاكًا مباشرًا للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وللدستور التونسي، الذي يضمن علانية المحاكمات وحق الدفاع وحضور المتهمين جلسات محاكمتهم.

تدعو منظمة "صحفيات بلا قيود" السلطات التونسية إلى التوقف الفوري عن استخدام القضاء كأداة سياسية، وإلى ضمان محاكمات عادلة، علنية، وبحضور المتهمين ومحاميهم، وتحت مراقبة الرأي العام ووسائل الإعلام. كما تدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المعتقلين السياسيين، وتحمل السلطات المسؤولية الكاملة عن سلامة وصحة المضربين عن الطعام، وتطالب بفتح تحقيق مستقل وشفاف في ظروف الاعتقال والإجراءات القضائية المرتبطة بهذه القضية. وتدعو المنظمة، في الوقت ذاته، المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى التدخل العاجل لرصد هذه الانتهاكات، والضغط من أجل وقفها.

إن استمرار هذا المسار، على النحو الذي يتم به اليوم، يعكس انزلاقًا خطيرًا في احترام دولة القانون، ويضع التجربة الديمقراطية في تونس على المحك. فما يُمارس بحق المعتقلين السياسيين اليوم لا يمثل عدالة، بل هو استغلال للقانون في خدمة الاستبعاد والإقصاء، ويجب مقاومته بالوسائل السلمية والمشروعة كافة.

صادر عن: منظمة "صحفيات بلا قيود"
تونس – 13 أبريل 2025

Image