البيانات الصحفية

كرامة الإنسان أولا: بيان صحفيات بلا قيود بمناسبة 10 ديسمبر 2025

كرامة الإنسان أولا: بيان صحفيات بلا قيود بمناسبة 10 ديسمبر 2025

يأتي اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف ال ١٠ من ديسمبر  ليذكّر البشرية بطريقٍ طويل مفروش بالتضحيات؛ طريق سلكته الشعوب والمنظمات والمدافعون لتحويل حقوق الإنسان من حلم أخلاقي إلى لغة عالمية مُلزِمة.

وفي هذا اليوم، تؤكد صحفيات بلا قيود أنّ هذا التراكم النضالي لم يأتِ صدفة، بل كان ثمرة إصرار إنساني رفض الظلم وانتصر للكرامة، وفرض على العالم أن يضع الإنسان—لا السلطة—في مركز اهتمامه.
وقالت المنظمة إن هذا الطريق أسهم هذا الميلاد الحقوقي في صياغة العشرات من الاتفاقيات والمواثيق التي هدفت إلى صون كرامة الإنسان، وحمايته من الاستبداد، وترسيخ المساواة. وتوحّدت الجهود الدولية لمحاربة الفساد وترسيخ الشفافية، والاعتراف بحقوق الفئات الأضعف—وفي مقدمتهم النساء والأطفال—بوصفهم حجر الأساس لأي مشروع للعدالة والتنمية. وهكذا تحوّل الدفاع عن الحقوق من نشاط نخبوي إلى حركة عالمية فرضت نفسها على الضمير الإنساني.
ومع ذلك، يشهد عالم اليوم تآكلًا مقلقًا في احترام الكرامة. فبدل أن تتعمق قيم الإعلان العالمي، تتراجع الحقوق في الصحة، والتعليم، والثقافة، ويُعاد تعريف الحقوق السياسية والاقتصادية باعتبارها امتيازات تُمنح وتُسحب لا استحقاقات أصيلة. وتتكشّف الأزمة الأخلاقية الأعمق في ازدواجية المعايير الدولية. تُباد غزة أمام أنظار العالم، ويُترك السودان للمجازر، ويُعامل اليمن كملف معلّق. هكذا يتحوّل النظام الدولي من حارس للحقوق إلى شاهد صامت، بل شريك في انهيارها، مما يقنع شعوب المنطقة بأن حقوق الإنسان خُلقت لغيرهم.
ولا تقتصر الأزمة على مناطق الحرب، بل تمتد إلى دول تُوصف بأنها مستقرة. ففي تونس تتكاثر المحاكمات الاستثنائية للسياسيين والصحفيين. وفي مصر تتسع دائرة الاعتقال التعسفي وتزدحم السجون دون ضمانات. وفي السودان تُرتكب جرائم ترقى إلى الإبادة. وفي العراق يتواصل احتجاز آلاف دون محاكمة عادلة. أما السعودية والإمارات، فتمارسان قمعًا ممنهجًا للحريات عبر إسكات المعارضين وتوظيف قوانين الإرهاب لإغلاق المجال العام. ولا يختلف الحال في دول عربية أخرى، حيث تتحول الحقوق إلى أدوات سياسية بلا مضمون إنساني.
وتؤكد صحفيات بلا قيود أن ثقافة حقوق الإنسان في العالم العربي ما تزال بحاجة إلى جهود أكبر، حتى تتحول من شعارات موسمية إلى ثقافة يومية تُمارس في المدرسة والجامعة والمؤسسات العامة. ويجب أن يكون التعليم بوابة التحول؛ تعليمٌ يرسّخ قيم المواطنة، ويعزز ثقافة الاختلاف، ويعيد الاعتبار للعدالة التي نُهبت طويلًا على يد المفسدين، ويجعل احترام الكرامة جزءًا من أخلاق المجتمع لا مجرد التزام قانوني.
وفي هذا اليوم، تُحيّي المنظمة جميع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، الذين يصرّون على قول الحقيقة رغم الخطر، ويواجهون التهديد والسجن دفاعًا عن الكرامة. إن صمودهم هو الضمير الحيّ للعالم العربي، كما تُثني على جهود المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي تواصل توثيق الانتهاكات والدفاع عن الضحايا رغم كل القيود.
وتعرب صحفيات بلا قيود عن بالغ قلقها من استمرار التراجع الحقوقي، خصوصًا مع تفاقم النزاعات في غزة التي تواجه جرائم جسيمة، والسودان الذي ينزلق إلى كارثة إنسانية، واليمن الذي تعيش مؤسساته حالة تآكل خطير ويتعرض فيه الصحفيون والمدنيون لانتهاكات واسعة. هذه السياقات تؤكد أن الكرامة—رغم عالميتها—ما تزال غائبة عن جسد المنطقة العربية.
إن اليوم العالمي لحقوق الإنسان ليس مناسبة بروتوكولية، بل لحظة مساءلة. فما حققته شعوب العالم عبر نضالات طويلة لن يكتمل ما لم تُبذل الجهود ذاتها في منطقتنا، وما لم تتحول الكرامة إلى قيمة مُلزمة، والتعليم الحقوقي إلى أولوية، والحقوق السياسية إلى أساس لا يمكن تجاوزُه. وتؤكد صحفيات بلا قيود أن احترام حقوق الإنسان ليس رفاهية ولا مشروعًا نخبويًا، بل شرطًا لبناء الاستقرار والتنمية والعدل.


وبهذه المناسبة، تدعو صحفيات بلا قيود:
•    الأمم المتحدة إلى الانتقال من الخطاب إلى الفعل، واعتماد آليات تحقيق مستقلة وفعّالة.
•    الحكومات العربية إلى إطلاق إصلاحات سياسية واسعة، ودمج حقوق الإنسان في المناهج، وحماية حرية الصحافة، ووقف الملاحقات للمدافعات والمدافعين.
•    المجتمع الدولي إلى إنهاء الانتقائية التي جعلت الحقوق رهينة المصالح.
•    الإعلام والمؤسسات التعليمية إلى تعزيز ثقافة المواطنة والتنوع بدل إعادة إنتاج خطاب الانقسام والكراهية.
إن هذا اليوم مرآة تكشف تقصير العالم—دوليًا وعربيًا—في حماية الإنسان من القمع والحرب والخوف. وستواصل صحفيات بلا قيود دفاعها عن الحق في الكرامة والحرية، ما دام هناك إنسان يُسلب صوته أو تُهدَر حياته دون محاسبة.

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image