طالبت منظمة صحفيات بلاقيود، يوم الثلاثاء (10 ديسمبر/كانون الأول)، الفريق العامل المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات غير الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية، إلى التدخل العاجل لمنع عملية استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم في 2034م دون التزامات ملزمة بإصلاحات ملف حقوق الإنسان القاتم.
تقرير تقييم ملف استضافة كأس العالم 2034الذي أصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) -في 30 نوفمبر/تشرين الثاني2024- يمنح السعودية بصفتها المتقدم الوحيد حق استضافة الفعالية الدولية بعد عشر سنوات. وأعطى "متوسط" لتقييم المملكة في حقوق الانسان. وسيتم يوم الأربعاء (11 ديسمبر/كانون الأول) الإعلان رسمياً عن فوز المملكة بالاستضافة خلال اجتماع تقديم العطاءات وحضور ممثلين عن الاتحادات الرياضية الدولية.
وتعتبر "صحفيات بلاقيود" جهود الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لتسليم الاستضافة للمملكة السعودية جزء من حملة واسعة لغسيل السمعة وهزيمة ساحقة لحقوق أكثر من 10 ملايين من العمال المهاجرين؛ وتلميع لسجل قاتم في حقوق الإنسان في مملكة مبنيّة على الخوف من الأجهزة الأمنية والتجسس على المواطنين والمقيمين، حيث يواجه الصحفيون والمعبرون عن آرائهم والناشطين الحقوقيين السجن والتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة.
يستند تقييم السياق إلى تقرير قدمته شركة "إيه إس آند إتش كليفورد تشانس للمحاماة" (AS&H Clifford Chance) وهي شركة عالمية مقرها لندن، لكن لها مكتب في العاصمة السعودية (الرياض)، الذي اعتمد على اجتزاء لتقارير الأمم المتحدة والمقررين الخاصين بما يخدم استضافة المملكة لحقوق الإنسان.
وزعمت الفيفا أن كأس العالم في السعودية يمكن أن يقود إلى التغيير من خلال "فرص كبيرة للتأثير الإيجابي على حقوق الإنسان". لكن كل ما أخذته الفيفا هو وهو وعود قالت إنها موجودة في رؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لعام 2030، ويبدو أنهما لم يطلعا على تلك الرؤية حيث تتجاهل بشكل واضح الحقوق المدنية والسياسية.
نلفت انتباه الفريق العامل المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية، وغيره من أصحاب الولايات المعنيين، إلى بواعث قلق من تعامل الفيفا مع عملية تقديم العطاءات، والتي فشلت في الوفاء بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتزامات العناية الواجبة، والتي من المفترض أن تكون ضرورية لتحقيق الاستضافة. حيث أن "كليفورد تشانس" التي قبلت بالتقييم استبعدت قضايا حقوق الانسان الأساسية التي من المفترض أن تكون في صميم التقرير.
تطالب صحفيات بلا قيود الفريق العامل بمسألة حقوق الانسان والشركات عبر الوطنية، والولايات المعنيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذا الوضع. وتدعو الفيفا إلى إعادة تقييم مستقل لأثرا الاستضافة في حقوق الإنسان، على أن تضمن إصلاحات سعودية واسعة في ملف حقوق الإنسان بدلاً من أن تكون جزءً في جهود التحديث وغسيل السمعة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. والالتزام بموجب المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان من الصكوك الدولية.
من بين انتهاك الفيفا للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية:
جدول متسارع.. وعدم كفاية العناية الواجبة بحقوق الانسان:
في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، طلبت الفيفا بشكل غير متوقع عن عملية تقديم عروض متزامنة لاستضافة بطولتي كأس العالم 2030 و2034، ومنحت مهلة 27 يوماً فقط للدول المهتمة بالاستضافة. وأعلنت المملكة جاهزية عرضها على الفور. وسارع الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إلى دعم المملكة العربية السعودية، وسرعان ما تم إلغاء اهتمام أستراليا، وبذلك تكون المملكة المرشح الوحيد، وابتعدت عن إي إجراءات تنافسية.
هذا الجدول المتسارع يثير الشك حول الترشح الوحيد دون منافسة. كما أنه حدّ من العناية الواجبة الكافية لحقوق الانسان. ويناقض ذلك سياسة الفيفا لحقوق الإنسان والمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة، لتقييم الآثار السلبية على حقوق الإنسان.
أضرت الفيفا بالمبدأ 17 من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، بعدم إجراء عملية تقييم شاملة للآثار الفعلية والمحتملة على حقوق الإنسان، وبيان كيفية معالجتها. لا تمثل الوعود السعودية دون التزامات بإصلاحات واسعة لملف حقوق الإنسان جزء من المعالجة. كما أن فشل شركة التقييم "كليفورد تشانس" في تقديم عملية شاملة للآثار الفعلية والمحتملة يثير المزيد من الشكوك حول التقييم الذي قدمته ب"المتوسط".
لا التزامات ملزمة في حقوق الانسان
تنتهك الفيفا المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الانسان، بدعم السعودية. يتطلب المبدأ 13 (أ) من المنظمات تجنب التسبب أو المساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان وأن تعالج الآثار. كما أنه يتجاهل الفقرة (ب) من المبدأ ذاته بمنع الآثار الضارة بحقوق الانسان المرتبطة بأنشطتها. وحسب تقرير التقييم للاتحاد الدولي لم تقدم السعودية أي التزامات قانونية في مجال حقوق الانسان، ما يعني اخفاق الفيفا في الوفاء بالتزاماتها.
كما أن إجراء عملية تقييم شاملة تتطلب مشاركة أصحاب المصلحة الرئيسيين المستقلين المعنيين بقضايا حقوق الانسان في السعودية. وهي ضرورية ضمن المبادئ التوجيهية.
وفشل تقرير الفيفا و"كليفورد تشانس" في معالجة المبدأ (18) الذي يطلب تحديد وتقييم أي آثار فعلية أو محتملة ضارة بحقوق الإنسان قد تكون متورطة فيها من خلال أنشطتها أو علاقتها. الفقرة (ب) تشير إلى مشاورات حقيقية مع الجماعات المحتمل تضررها. وهي الخطوة الثانية في بذل العناية الواجبة بحقوق الإنسان في تحديد وتقييم الآثار الفعلية المحتملة لاستضافة المملكة لكأس العالم. ولم يحتو تقرير "كليفورد تشانس" أو الفيفا عن المتضررين من مشاريع البناء من مصادرة الأراضي وتهجير السكان. أو الآثار المحتملة على العمال المهاجرين الذين سيقومون بتلك المشاريع. أو في تبييض سجل المملكة في حقوق الانسان.
عدم النظر في سجل المملكة لحقوق الانسان
فشلت الفيفا و"كليفورد تشانس" في سياق حقوق الانسان في المملكة، وحقوق العمال وحياتهم. على الرغم من أن السعودية قدمت عرضاً طموحاً للاستضافة يتضمن بناء أو تجديد 11 ملعبًا، وأكثر من 185 ألف غرفة فندقية إضافية ومشاريع بنية تحتية كبرى من وصلات النقل إلى المدن الجديدة. وستحتاج لأجل ذلك عشرات الآلاف من العُمال.
وتزعم المملكة العربية السعودية إنها تطبق قواعد ومعايير صارمة لحماية حقوق العمال وإن تحقيقات شاملة تجري في جميع حوادث أماكن العمل. وأضافت أن التلميحات إلى الإهمال أو الافتقار إلى الشفافية لا أساس لها من الصحة. على الرغم أن التحقيقات المستقلة والتقارير تشير إلى ظروف العمل غير الآمنة والخطيرة ورسوم التوظيف غير القانونية والأجور غير المدفوعة. وتتهم المسؤولين السعوديين بالفشل في التحقيق في أسباب وفاة العمال في البلاد، حيث من المحتمل أن ظروف العمل والمعيشة السيئة التي يتحملها العديد من المهاجرين قد تكون عوامل مساهمة في هذه الوفيات. وفي وقت سابق من هذا العام، توصل تحقيق أجرته صحيفة الغارديان إلى أدلة على وجود أعداد كبيرة من الوفيات غير المبررة في السعودية بين العمال المهاجرين من بنغلاديش، حيث توفي ما لا يقل عن 13685 شخصا في البلاد بين عامي 2008 و2022. وتوفي أكثر من 1500 بنغلاديشي في عام 2022 وحده - بمعدل يزيد عن أربعة أشخاص في اليوم.
كما أن سجل المملكة في حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والقوانين القمعية الأخرى، سيمنع الإبلاغ عن أي انتهاكات يتعرض لها العمال المهاجرون في البلاد. حيث يتعرض الناشطون الحقوقيون والصحافيون الذين يوجهون أبسط الانتقادات للسجن والتعذيب والاخفاء القسري والمحاكمات التي تفتقر لأبسط شروط العدالة. كما أن هذه المشاريع ستقام بالفعل ضمن مشاريع نيّوم والتي تقوم بها وسط تهجير للسكان المحليين.
تقرير "كليفورد تشانس"
مُنحت "كليفورد تشانس" (AS&H Clifford Chance) فرصة كتابة تقييم موثوق للمخاطر المتصلة بحقوق الإنسان ذات الصلة بكأس العالم 2034م، وبدلاً من انتاج تقييم سليم فقد أبرزت جانباً محدوداً ومضللاً لملف حقوق الإنسان في المملكة. يخدم فقط تبييض السجل السيء للسعودية في عهد الأمير محمد بن سلمان الذي أشرف على عدد متزايد من عمليات الإعدام الجماعية والتعذيب والاختفاء القسري والقيود الشديدة على حرية التعبير وقمع حقوق المرأة. ونظام الكفالة المسيء في المملكة، وحظر النقابات العمالية وقوانين العمل غير المنفذة.
كما أن هذا التقييم يفتقر للمصداقية لعدة أسباب: نطاق ضيق حددته السلطات السعودية الذي يستثني قضايا حقوق الإنسان الحرجة، عدم اشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين من منظمات المجتمع المدني المستقلة والمتضررين من مشروع نيوم. والقيود الواضحة التي فرضتها السعودية على كليفورد تشانس، مما يعرض استقلاليتها للخطر. والجدول الزمني غير الكاف للعناية الواجبة والشاملة في سياق عالي المخاطر. إغفال بواعث القلق الحقوقية مثل الاحتجاز التعسفي والتعذيب والافتقار إلى استقلال القضاء.
استخدم التقييم بشكل انتقائي للغاية نتائج هيئات الأمم المتحدة بشأن المملكة العربية السعودية متجاهلاً مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين، متجاهلاً الإدانة الواسعة بين ذلك تقارير التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في السجون السعودية. وتقييم آخر يشير إلى أن "النساء والفتيات ضحايا الاعتداء الجنسي يواجهن خطر مواجهة إجراءات جنائية إذا تقدمن بشكاوى النساء والفتيات". وشكوى عمالية في الأمم المتحدة رفعتها نقابة عمال البناء والأخشاب الدولية، وهي نقابة تجارية دولية.
لأجل ذلك تدعو منظمة صحفيات بلا قيود الفريق العامل المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية، وغيره من أصحاب الولايات المعنيين إلى معالجة هذا الوضع بما يضمن:
- إعادة تقييم وضع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، بما يضمن إجراء تقييم شامل لحقوق الإنسان والتشاور مع أصحاب المصلحة المعنيين. بعيداً عن أي تأثير حكومي.
- إذا ما قررت الفيفا المضي في المخاطرة الشديدة لاستضافة السعودية كأس العالم، فعليها الحصول على التزامات ملزمة من المملكة تضمن إصلاحات ضخمة وكبيرة للغاية في ملف حقوق الإنسان في البلاد يحظر اعتقال المنتقدين، وانتهاء عصر القمع، وضمان حرية الرأي والتعبير، ومنع استغلال العُمال على نطاق واسع، والسماح بعمل النقابات العمالية. لذلك لتأكيد التزامها عليها المصادقة على المعاهدات المرتبطة بها. ولا يمكن اعتبار أي تقييم لا يعترف بهذه المخاطر ذات الصلة بحقوق الإنسان لكأس العالم في المملكة العربية السعودية موثوقًا به.