غزة- أدانت منظمة "صحفيات بلا قيود" بأقسى العبارات الجريمة المزدوجة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، عبر استهداف مباشر لصحفي فلسطيني وهو على سرير العلاج في أحد المستشفيات بقطاع غزة، يوم الثلاثاء 13 مايو/أيار الجاري.
وأكدت المنظمة أن مقتل الصحفي حسن إصليح بغارة جوية استهدفته أثناء تلقيه العلاج في مجمع ناصر الطبي جنوب غزة، يكشف مدى التوحش والجرأة التي بلغتها إسرائيل في انتهاكها للقانون الدولي، بقتل صحفي مدني يتمتع بالحماية الكاملة، وفي منشأة طبية تُوجب الاتفاقيات الدولية حمايتها أثناء النزاعات.
ووفقاً لتقارير اطلعت عليها صحفيات بلا قيود، أطلقت طائرة مسيرة تابعة لجيش الاحتلال صاروخاً على قسم الحروق في المجمع الطبي، تحديداً الغرفة التي كان إصليح يتلقى فيها العلاج من إصابة سابقة. وأدى القصف المتعمد إلى مقتل الصحفي الفلسطيني وإصابة آخرين، إضافة إلى تدمير قسم الحروق بشكلٍ كبير.
وبمقتل الصحفي حسن إصليح، يرتفع عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في قطاع غزة إلى 215 صحفياً وصحفية، في إطار هجمات ممنهجة تهدف إلى إسكات الحقيقة ومنع كشف اعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين، والتي راح ضحيتها حتى اليوم الثلاثاء: 52908 قتيلاً منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر حسب إعلان وزارة الصحة في غزة.
تحريض يسبق الاغتيال
وأشارت منظمة "صحفيات بلا قيود" إلى أن الصحفي حسن إصليح كان هدفًا لحملات تحريض متكررة منذ بداية الحرب، بسبب تغطيته لجزء من عملية "طوفان الأقصى". وقد أدت هذه الاتهامات إلى تضرر عمله، حيث أوقفت قناة CNN الأمريكية التعاون معه، بحسب ما ذكره صديقه الصحفي محمد عثمان.
وتصاعدت حملات التحريض قبيل استهدافه في أبريل الماضي، إذ شنت وسائل إعلام عبرية حملة ممنهجة ضده، بسبب نشاطه الصحفي وتوثيقه للانتهاكات التي ترتكب في قطاع غزة. وبدا أن تلك الحملة كانت تمهيدًا واضحًا لاستهدافه، خاصة أنه كان يُعد مصدرًا موثوقًا لوسائل الإعلام المحلية والدولية، نظراً لسرعة تغطيته للأحداث الفظيعة في غزة ونقلها بالصوت والصورة، وقد ساهم هذا التميّز في جذب جمهور واسع إلى منصاته، إذ تجاوز عدد المشتركين في قناته على تطبيق "تلغرام" 750 ألف مشترك، متفوقًا بذلك على العديد من القنوات الدولية.
وفي 7 أبريل/نيسان الماضي، شنّت قوات الاحتلال هجوماً وحشياً دون سابق إنذار على مجموعة من الصحفيين كانوا يتواجدون داخل خيمة قرب مجمع ناصر الطبي. أسفر الهجوم عن مقتل الصحفي حلمي الفقعاوي والشاب يوسف الخزندار، وإصابة عدد من الصحفيين بينهم أحمد منصور الذي احترق جسده وتوفي لاحقاً متأثراً بجراحه، بالإضافة إلى إصابة حسن إصليح نفسه.
وفي بيان رسمي، زعم جيش الاحتلال أن استهداف الخيمة كان يهدف إلى اغتيال إصليح، مدعياً انتماءه لأحد فصائل المقاومة الفلسطينية وأنه كان يعمل "تحت غطاء الصحافة"، دون أن يقدّم أي أدلة تدعم هذه الادعاءات
مبررات مخزية
وأكّدت "صحفيات بلا قيود" أن المبررات التي تقدمها قوات الاحتلال لاستهداف الصحفيين "مخزية وغير مقبولة"، مشيرةً إلى أن اغتيال الصحفي إصليح يمثل حلقة جديدة في سلسلة استهداف الصحفيين الشجعان في غزة، الذين يوثقون أحداث الإبادة الجماعية وينقلون الحقيقة للرأي العام المحلي والدولي.
ولفتت المنظمة إلى أن القانون الدولي يكفل حماية الصحفيين حتى عند تغطيتهم للأحداث لصالح جهات محددة أثناء النزاعات المسلحة إذا لم يشتركوا مباشرة بأعمال عدائية، موضحةً أن البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977) ينص صراحةً على أن ممارسة المدنيين لمهنهم في مناطق النزاع المسلح لا تبرر استهدافهم. كما أشارت إلى أن المادة 8 من الاتفاقية الدولية لسلامة الصحفيين تؤكد على حمايتهم كمدنيين أثناء النزاعات، وأن الصحفي أو المراسل الحربي لا يجوز اعتباره هدفاً عسكرياً إلا إذا شارك مباشرةً في الأعمال القتالية، وبناء على ذلك فإن استهداف إصليح وزملائه الصحفيين، من قبل قوات الاحتلال، يشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني، ويستدعي محاسبة المسؤولين والمتورطين في ارتكاب هذه الجرائم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
خطوة عاجلة لوقف الجرائم
وكانت منظمة "صحفيات بلا قيود" قد أصدرت في أكتوبر 2024 تقريرًا بعنوان "عام إبادة الصحفيين في غزة"، وذلك بعد مرور عام على الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع. وقالت توكل كرمان، رئيسة المنظمة: "إنه لأمرٌ مفزع أن يقُتل الصحفي وتباد عائلته بسبب قيامه بعمله الصحفي، إن استهداف الصحفيين والصحفيات أثناء تأدية عملهم لم تكن حوادث فردية ولا صدفا، بل كانت عمليات ممنهجة، ومدروسة بعناية، وتمثل تصاعدًا مقلقًا في سياسة إسكات الأصوات الحرة ومنع نقل الحقيقة."
ودعت المنظمة إلى تحرك دولي جاد وتدخل عاجل لوقف أعمال الإبادة، ومنع استمرارها، وضمان حماية الصحفيين، وفتح تحقيق دولي مستقل في الجرائم التي يتعرضون لها منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
كما طالبت "صحفيات بلا قيود" المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والحقوقية بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، لمحاسبة جميع المسؤولين والمتورطين في ارتكاب جرائم الإبادة وانتهاكات القانون الدولي الإنساني وحرية الصحافة.
وجددت المنظمة تأكيدها أن إفلات قادة إسرائيل من العقاب شجّع على استمرار استهداف الصحفيين، معتبرة أن محاسبة المتورطين في هذه الجرائم تمثل خطوة ضرورية وأساسية لوقف أعمال الإبادة الجماعية.