البيانات الصحفية

تصاعد غير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية الإعلام بإقليم كوردستان العراق

تصاعد غير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية الإعلام بإقليم كوردستان العراق

بغداد- شهد إقليم كوردستان العراق خلال الفترة ما بين 19 أغسطس/آب و2 سبتمبر/أيلول 2025 تصاعدًا خطيرًا وغير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية الصحافة.

في تأكيد على وجود فشل هيكلي للدولة العراقية في حماية الفضاء المدني والحقوق الأساسية على نطاق واسع.

وقالت صحفيات بلاقيود إن هناك نمطاً مقلقاً من القمع الممنهج يتعاظم بسرعة دراماتيكية في إقليم كوردستان، والذي لم يعد يقتصر على الاعتقالات التعسفية، بل وصل إلى استخدام العنف المباشر والاغتيالات، واستغلال القضاء لتصفية الحسابات السياسية.

هذه التطورات ليست حوادث معزولة أو فردية بل هي مؤشرات واضحة على تضييق منهجي للفضاء المدني، وحالة من غياب المساءلة والإفلات من العقاب تُنذر بعواقب وخيمة على مستقبل العدالة والحريات في الإقليم.

أولاً؛ استهداف مباشر للصحفيين: من الترهيب إلى محاولات الاغتيال

إن الاعتداءات على الصحفيين في إقليم كوردستان لم تعد مجرد مضايقات أو اعتقالات قصيرة، أو تهديدات شفوية، بل تطورت لتشمل استهدافهم بالعنف المباشر الذي يهدد حياتهم. إن هذه الهجمات لا تستهدف الأفراد فحسب، بل تُقوّض بشكل مباشر حق المجتمع في الحصول على معلومات حرة وموثوقة.

ففي 2 سبتمبر/أيلول تعرض الصحفي "هيمن مامند" من قناة ستيرك TV لمحاولة اغتيال في أحد احياء مدينة السليمانية. ُفيد المعلومات التي وصلت إلى المنظمة من صحفيين محليين بأن "مامند" أُصيب برصاصتين أطلقهما مجهولان يستقلان دراجة نارية، مما أدى إلى إصابته ونقله على الفور إلى المشفى. وسبق أن تعرض "مامند" لملاحقة أمنية وقضائية ومنع من التغطية من قِبل سلطة كوردستان.

إن استهداف صحفي بالرصاص هو انتهاك مباشر لأقدس حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة والأمن الشخصي. هذا العمل ليس مجرد هجوم على فرد، بل هو هجوم على كل من يعمل من أجل نقل الحقيقة وتنوير المجتمع.

تُطالب صحفيات بلاقيود السلطات بفتح تحقيق فوري، مستقل وشفاف في هذه الجريمة، للكشف عن هوية الجناة والجهة التي تقف وراءهم، وتقديمهم للعدالة دون أي تأخير. كما يجب على السلطات ضمان حماية الصحفيين، والاعتراف بأن أمنهم هو مسؤوليتها المباشرة.

الاعتداءات على الفرق الإعلامية: سياسة تكميم الأفواه

وفي 28 أغسطس/آب، قامت قوة أمنية في السليمانية بالاعتداء على فريق موقع "شار بريس" أثناء تغطيتهم لمحاكمة رئيس "حراك الجيل الجديد"، شاسوار عبد الواحد. لم يقتصر الاعتداء على المضايقات، بل تعداه إلى مصادرة الكاميرا والمعدات الصحفية، وهاتف المراسلة جاواروان محمود. تُعدّ الاعتداءات على الطواقم الصحفية ومصادرة معداتها تكتيكًا واضحًا لعرقلة التغطية الإعلامية المستقلة.

وفي 22 أغسطس، اُعتقل مراسل قناة زوم الفضائية، محمد دلشاد، خلال تغطيته لحدث آخر في السليمانية، قبل أن يُطلق سراحه بعد 24 ساعة. وفي وقت سابق ذلك اليوم أقدمت القوات الأمنية على إغلاق مقر القناة بشكل كامل ومصادرة جميع معداتها.

 إن إغلاق وسائل الإعلام ومصادرة معداتها هو اعتداء صارخ على حرية التعبير، ومحاولة لإسكات الأصوات المستقلة التي تُعري الحقيقة وتُنير الرأي العام. يجب على السلطات التوقف فورًا عن استخدام الإجراءات الأمنية والقضائية لترهيب الصحفيين، واحترام دور الإعلام المستقل في الرقابة وكشف الحقائق. فعندما تُقمع الصحافة، تُقوَّض قدرة الجمهور على الحصول على معلومات موثوقة، مما يعرقل عملية المساءلة ويسمح باستمرار الانتهاكات بعيدًا عن رقابة الرأي العام.

ثانياً، استخدام القضاء كأداة للقمع: حالة شيروان شيرواني

وتُظهر الحوادث الأخيرة تحولاً خطيراً في أساليب القمع، حيث لم يعد القمع يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل امتد ليشمل التلاعب بالإجراءات القانونية واستغلال القضاء كأداة لتقييد الحريات.

ففي 19 أغسطس/آب 2025 أصدرت محكمة الجُنح في بنصلاوة في أربيل، ضد الصحفي شيروان شيرواني بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف، وذلك على خلفية تهمة ينكرها تتعلق بـ"تهديد ضابط في السجن". وتعتبر صحفيات بلاقيود هذا الحكم يُعدّ مثالًا صارخًا على استخدام السلطة القضائية كأداة قمعية.

وشيرواني معتقل منذ عام 2020، وحُكم عليه بالسجن مرتين على الأقل بين عامي 2021 و2024 بتهم مرتبطة بعمله الصحفي. وكان يفترض أن يُنهي محكوميته في سبتمبر/أيلول الجاري، إلا أن الحكم الجديد يُؤكد التعمد الواضح من قِبل السلطات لإبقائه في السجن إلى أجل غير مسمى.

 تُظهر هذه الحالة أن القمع في إقليم كوردستان قد تطور من مجرد الاعتقالات إلى التلاعب بالإجراءات القانونية، مما يُعمّق انعدام الثقة في النظام القضائي بشكل عام. فبدلًا من أن تكون المحكمة حصنًا لحماية الحقوق، يتم توظيفها لضمان استمرار احتجاز الصحفيين والمنتقدين وإسكات الحقائق وتكميم الأصوات المعارضة.

ثالثاً، العنف السياسي وتداعياته على المدنيين: اشتباكات السليمانية

لم يقتصر تصاعد العنف في إقليم كوردستان على استهداف الصحفيين وحدهم، بل امتد ليشمل صراعات سياسية تؤدي إلى إراقة الدماء وتعريض حياة المدنيين للخطر.

ففي 22 أغسطس/آب، شهدت مدينة السليمانية اشتباكات مسلحة عنيفة جاءت في أعقاب محاولة لتنفيذ مذكرة اعتقال صادرة بحق زعيم حزب "جبهة الشعب" لاهور شيخ جنكي. استمر القتال لساعات في الأحياء السكنية، مما أثار حالة من الذعر بين السكان وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى ومعتقلين، وتضاربت المعلومات حول أعداد الضحايا. مما يؤكد أن الصراعات السياسية الداخلية يمكن أن تتحول بسهولة إلى انتهاكات لحقوق الإنسان عندما تفشل سيادة القانون في فرض نفسها.

يعتبر استخدام القوة والسلاح لتصفية الخصومات السياسية انتهاك جسيم لحقوق الإنسان الأساسية. وبغض النظر عن الدوافع السياسية، فإن أي عمل يؤدي إلى إراقة الدماء وسقوط ضحايا في مناطق مأهولة بالسكان يُعتبر خرقًا صارخًا للقوانين الدولية والمبادئ الإنسانية. كما أن التضارب في أعداد الضحايا ونقص المعلومات الموثوقة يُثير القلق الشديد، إذ يشير إلى غياب آلية رسمية وشفافة للإبلاغ عن الحادثة وهو ما يشكل بحد ذاته قضية حقوقية. وتدل على ضعف مؤسسات الدولة وقدرتها على فرض سيادة القانون، وتُبرز أن الأزمة السياسية تحولت إلى أزمة أمنية وإنسانية مباشرة.

رابعاً، دعوة للمساءلة في ظل غياب الرقابة الدولية

إن هذا التدهور في حالة الحريات لا يؤثر فقط على الصحفيين، بل يمتد ليشمل المجتمع المدني ككل. فالخوف من الملاحقة القضائية أو التعرض للعنف المباشر يثني النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان عن ممارسة عملهم بحرية، مما يؤدي إلى تقييد النقاش العام وتراجع الرقابة على السلطة. هذا المناخ من الترهيب يهدد بتقويض أسس الديمقراطية، ويمنع ظهور أصوات نقدية مستقلة، مما يترك الساحة مفتوحة للتلاعب والتضليل.

وفي ظل إعلان انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بحلول نهاية عام 2025، يبرز تساؤل بالغ الأهمية حول من سيشغل الفراغ الرقابي في مجال حقوق الإنسان. لطالما كان مكتب حقوق الإنسان التابع ليونامي جهة رقابية مهمة، وانسحابه يضع مسؤولية أكبر على عاتق المجتمع المدني المحلي والإقليمي ليتصدر المشهد في ظل مناخ من الترهيب وتضييق الخناق على الفضاء المدني.

بناءً على ما تقدم، تُطالب منظمة "صحفيات بلا قيود" السلطات في إقليم كوردستان والحكومة العراقية المركزية -كلٌ بحسب نطاق مسؤولياته- باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لإنهاء هذا التدهور المقلق. من بين ذلك:

·         وقف العنف ضد الصحفيين والنشطاء: يجب الوقف الفوري لجميع أشكال العنف والترهيب ضد الصحفيين والناشطين، وضمان حماية وسلامة العاملين في مجال الإعلام والنشاط المدني.

·         تعزيز المساءلة والشفافية: على الحكومة إجراء تحقيقات مستقلة في جميع الهجمات ومحاولات الاغتيال وعلى وجه التحديد محاولة اغتيال "هيمن مامند"، ومحاسبة المسؤولين عنها أمام القضاء. كما يجب إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في أحداث السليمانية ومحاسبة جميع المسؤولين عن استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين والصحفيين

·         احترام الحريات الأساسية: يجب احترام الحق في حرية الصحافة والتعبير بشكل كامل، ورفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام المستقلة، وعدم استخدام النظام القضائي كأداة للقمع.

·         إصلاح النظام القضائي: إنهاء جميع التدخلات السياسية في القضاء، وإلغاء الأحكام التعسفية الصادرة بحق الصحفيين والمعارضين، وضمان محاكمات عادلة.

·         ترسيخ ثقافة المساءلة: في ظل غياب الرقابة الدولية يُعد العمل على ترسيخ ثقافة الشفافية والمساءلة وتوفير بيئة آمنة للمدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني أمرًا بالغ الأهمية لضمان حماية حقوق الإنسان الأساسية للمواطنين.

توصيات للمجتمع الدولي

·         دعم المجتمع المدني: تقديم المزيد من الدعم المالي والفني للمنظمات العراقية المحلية، والمنظمات الإقليمية في الشرق الأوسط، لتمكينها من تعزيز حقوق الإنسان بفعالية.

·         الحفاظ على الرصد: مواصلة رصد حالة حقوق الإنسان في العراق باستخدام الآليات الدولية لمحاسبة الحكومة على التزاماتها.

·         دعم الإصلاحات طويلة الأمد: تحويل الدعم من المشاريع قصيرة الأجل إلى إصلاحات قانونية ومؤسسية طويلة الأجل تعالج الأسباب الجذرية لانتهاكات حقوق الإنسان.

تُجدّد صحفيات بلا قيود التزامها بالوقوف إلى جانب الصحفيين الشجعان في كوردستان العراق، وتُؤكد على أهمية دورهم في كشف الحقائق وإثراء النقاش العام. إن حرية الصحافة ليست امتيازًا، بل هي ركيزة أساسية لأي مجتمع حر وعادل، وحمايتها واجب يقع على عاتق الجميع.

 

منظمة صحفيات بلا قيود

4 سبتمبر/أيلول 2025

 

 

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image