
اليمن - قالت منظمة “صحفيات بلا قيود” إن مليشيا الحوثي صعدت خلال الاسابيع الماضية من وتيرة انتهاكاتها الجسيمة والمنهجية ضد المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، عبر حملات دهم واختطافات تعسفية طالت عشرات المدنيين بينهم طلاب جامعيون، صحفيون، ووجهاء محليون وتجار.
وأضافت المنظمة أن هذه الحملة تأتي في سياق موجة قمعية مقنعة بذرائع سياسية وعقائدية، حيث تستغل المليشيا التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل لارتكاب انتهاكات واسعة تستهدف حرية الرأي والتعبير، وتمس بكرامة الإنسان.
وأكدت المنظمة أن ما يجري يعكس نمطاً قمعياً ممنهجاً يجمع بين العنف الأمني والتأطير العقائدي، بهدف فرض هيمنة فكرية مطلقة وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات العامة، مستندة في تسويق هذه الانتهاكات إلى شعارات مثل “دعم الجبهة الداخلية”، و”مواجهة المرجفين” و”التصدي لحرب الشائعات” لتبرير استهداف المعارضين.
وشددت “صحفيات بلا قيود” على أن هذه الانتهاكات، بما تنطوي عليه من طابع منهجي واستهداف منظم لشرائح مدنية واسعة، تندرج ضمن الأفعال المحظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، وترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، لما تشكّله من اعتداءات واسعة النطاق تُمارس ضمن سياسة قمعية ممنهجة من قبل الحوثيين.
ورأت المنظمة أن توظيف العدوان الإسرائيلي على غزة أو الصراع الإيراني الإسرائيلي كذريعة للقمع الداخلي يمثل تهديداً خطيراً للحقوق المدنية، ويكرس نهجاً شمولياً يضفي طابعاً دينيا وعقائدياً على الممارسات الاستبدادية، مشددةً على أن هذه الانتهاكات تتم وفق سياسة منظمة، تستغل الظروف السياسية لتقنين القمع وتوسيع الهيمنة على حساب الحريات العامة.
تفاصيل الانتهاكات: حملة منظمة تستهدف المدنيين في إب والحديدة
أفادت المنظمة استناداً إلى معلومات تلقتها وتقارير صحفية، أن مليشيا الحوثي شنت منذ منتصف يونيو 2025، حملة مداهمات واختطافات واسعة في عدد من مديريات محافظتي إب والحديدة، استهدفت عشرات المدنيين على خلفية آرائهم أو منشوراتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، أو رفضهم المشاركة في أنشطة دعائية تمجد ما يسمى بـ”محور المقاومة”.
وذكرت المنظمة أن الحملة التي تنفذها مليشيا الحوثي تحت مسمى “ردع المرجفين” أسفرت عن اختطاف ما لا يقل عن 112 مدنياً منذ منتصف يونيو الجاري في محافظتي إب والحديدة. وقد استندت المليشيا في معظم هذه الحالات إلى تهم فضفاضة من قبيل “بث الشائعات” و”إضعاف الروح الجهادية” و”الإساءة إلى محور المقاومة”، كأداة لتجريم حرية الرأي والتعبير، وتبرير القمع وتقييد الحريات العامة المكفولة بموجب القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.
وقالت المنظمة أن عمليات الاختطاف تمت عبر اقتحام منازل المواطنين، والتي غالباً ما نفذت في ساعات متأخرة من الليل بمشاركة عناصر من “جهاز الأمن الوقائي” التابع للمليشيا، ومدعومين بعناصر محلية من مشرفي الأحياء وعقال الحارات. وقد شملت الانتهاكات ممارسات تعسفية منها الضرب والترويع والإجبار على توقيع تعهدات وتصوير المعتقلين وهم يدلون باعترافات قسرية معدة سلفا.
وبينت المنظمة أن الضحايا شملوا طلاباً جامعيين وتجارا ووجهاء محليين، تم احتجازهم في مراكز غير رسمية، بما في ذلك مقار سرية ومدارس مغلقة خصصت كمواقع احتجاز مؤقتة. كما حرم المعتقلون من التواصل مع أسرهم أو توكيل محامين، في انتهاك صارخ للضمانات القانونية الأساسية.
ولفتت المنظمة إلى أن المليشيا اعتمدت منظومة رقابة أهلية، من خلال البلاغات التي يرفعها عقال الحارات والتقارير الكيدية التي يقدمها عناصر موالون لرصد المواقف الفردية والآراء الناقدة، ما يعزز مناخ الخوف ويقوض أي إمكانية للتعبير الحر.
وأكدت المنظمة أن هذه الانتهاكات تعكس نمطاً ممنهجاً في استخدام الأجهزة الأمنية الموازية، وفي مقدمتها “الأمن الوقائي” كأداة للقمع والترويع، بما يكشف عن منظومة أمنية بوليسية تتعمد تغييب القانون واستبداله بولاءات أيديولوجية وأوامر فوقية لا تخضع لأي مساءلة قضائية.
انتهاكات جسيمة طالت شخصيات دينية، صحفيين، وناشطين
و في سياق تصاعد حملة الاختطافات الممنهجة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، رصدت المنظمة خلال الأسابيع الماضية مجموعة من الانتهاكات الجسيمة التي تعكس سياسة قمع ممنهجة تستهدف فئات متعددة من المجتمع، بما في ذلك الصحفيين، الناشطين، العاملين في المجال الإنساني والشخصيات الدينية.
وأبرزت المنظمة اتساع نطاق هذه الانتهاكات والممارسات القمعية كما يلي:
· في 22 يونيو 2025، اختطفت مليشيا الحوثي الشيخ إبراهيم الحبابي (57عام)، أحد أبرز الشخصيات الدينية والاجتماعية في مديرية العرش بمحافظة البيضاء، واقتادته إلى جهة مجهولة، في انتهاك واضح للحقوق المدنية والدينية.
ووفقاً لتقارير ، نفذ عملية الاختطاف عناصر تابعون لما يسمى “مشرف الإرشاد” بالمديرية، في سياق حملة ممنهجة تستهدف خطباء وأئمة المساجد غير المنسجمين مع الخطاب الطائفي للمليشيا.
· في 18 يونيو 2025، توفي الشيخ القبلي تاعب طلة (70 عام)، أحد وجهاء مديرية وشحة بمحافظة حجة، تحت التعذيب وفي ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، عقب توقيفه تعسفيا في نقطة تفتيش تابعة لمليشيا الحوثي بمنطقة “الرصعة”.
ورغم معاناته من أمراض مزمنة وحاجته الماسة للعلاج، تعرض للاعتداء الجسدي واللفظي من قبل عناصر النقطة، واحتجز في غرفة ضيقة تفتقر للتهوية والرعاية، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية ووفاته بعد محاولة إسعاف متأخرة.
· في أواخر مايو 2025، شنت مليشيا الحوثي حملة اختطافات تعسفية في محافظة الحديدة، طالت 13 مدنياً، بينهم طالبة جامعية و6 صحفيين وناشطين إعلاميين. ووفقاً لنقابة الصحفيين، شملت قائمة المختطفين نائب رئيس فرع النقابة في الحديدة وليد غالب، والصحفي حسن زياد، والمصورين عبد الجبار زياد وعبدالعزيز النوم، والناشطين الإعلاميين عاصم محمد وعبدالمجيد الزيلعي، بتهم تتعلق بتسريب معلومات أو التعاون الإعلامي مع جهات خارجية.
· في 22 مايو 2025، اختطفت مليشيا الحوثي فوزي صالح النفيش، العامل في قسم التثقيف الصحي بمنظمة “أطباء بلا حدود” في مستشفى السلام بمديرية خمر، محافظة عمران، بعد اقتحام منزله واعتقاله تعسفياً دون أي مسوغ قانوني. ووفقاً لتقارير، نفذ عملية الاختطاف المشرف الأمني للمليشيا في المديرية “أبو غالب الغيلي” بزعم قيام النفيش بنشر مقطع فيديو لمناورة عسكرية أجرتها المليشيا، رغم أن الفيديو كان قد تم بثه مسبقاً عبر وسائل إعلام تابعة لها.
وتأتي هذه الواقعة ضمن حملة ممنهجة تشنها المليشيا ضد العاملين في المجال الإنساني، في انتهاك صارخ للحماية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني للعاملين في المنظمات الطبية والإغاثية، ما يعرض سلامتهم وحريتهم للخطر، ويقوض جهود الاستجابة الإنسانية في المناطق المتضررة.
· وفي سياق تلك الانتهاكات، نقل والد الناشط المختطف عاصم العشاري في 4 يونيو 2025، إلى قسم العناية المركزة في مستشفى “اليمني الحديث” بصنعاء، إثر إصابته بجلطة دماغية حادة يرجح ارتباطها بالضغط النفسي الناجم عن القلق المتواصل على مصير نجله، المختفي قسراً لدى مليشيا الحوثي منذ أكثر من عام.
وكانت المليشيا قد اختطفت عاصم العشاري، رئيس الائتلاف المدني للسلام، في 31 مايو 2024 في مدينة ذمار أثناء تنقله مع أسرته، ولا يزال رهن الإخفاء القسري دون أي تواصل مع عائلته، في انتهاك صارخ للحقوق القانونية والإنسانية.
واشارت المنظمة الى ان هذه الواقعة تسلط الضوء على التداعيات النفسية والإنسانية الخطيرة للإخفاء القسري، لا سيما على أسر الضحايا، في ظل توثيق متزايد لحالات مماثلة أسفرت عن أزمات صحية حادة أو وفيات، ما يعكس الطابع المنهجي للانتهاكات التي تمارسها المليشيا بحق المدنيين وعائلاتهم.
مخاوف متصاعدة على سلامة المختطفين في معتقلات مليشيا الحوثي
في إطار الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق المختطفين، أبرزت المنظمة حالة “مسعد الضحياني” الذي توفي في 1 يونيو 2025 داخل معتقلات المليشيا، بعد أكثر من خمس سنوات من الاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج، الذي شمل الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب النفسي والجسدي، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية ووفاته في ظروف غامضة.
وفي ظل السجل الحافل لمليشيا الحوثي من الانتهاكات بحق المختطفين، أعربت المنظمة عن بالغ قلقها ومخاوفها على سلامة المختطفين الآخرين، محملةً المليشيا المسؤولية الكاملة عن حياتهم ومعاناتهم. ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوضع حد لهذه الممارسات الوحشية، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، حمايةً لحقوق الإنسان وكرامته، ومجابهة سياسة الإخفاء القسري والتعذيب التي تستهدف المدنيين بشكل ممنهج.
جرائم ضد الإنسانية وفقًا للقانون الدولي
أكدت منظمة “صحفيات بلا قيود” أن تلك الانتهاكات تمثل خرقاً جسيماً لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وترقى إلى جرائم خطيرة تستوجب المساءلة الدولية.
وأوضحت المنظمة أن هذه الانتهاكات شملت الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة المهينة والاستهداف المنهجي للصحفيين والناشطين والمدنيين، بسبب آرائهم أو نشاطاتهم السلمية، ما يشكل انتهاكاً واضحاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لاسيما المواد المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، والحق في المحاكمة العادلة، والحماية من الحرمان التعسفي من الحرية.
كما اعتبرت المنظمة أن ممارسات الجلد والتصوير القسري ونشر الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، تمثل خرقاً لاتفاقية مناهضة التعذيب، وتشكل تهديداً خطيراً لكرامة الإنسان وسلامته النفسية والجسدية. وفي السياق ذاته، رأت أن حرمان المعتقلين من التواصل مع العالم الخارجي يرقى إلى الإخفاء القسري، في انتهاك صريح لاتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
وأكدت المنظمة أن استهداف الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك مداهمة منازلهم ومصادرة أدواتهم، يمثل انتهاكاً مزدوجاً لكل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقيات جنيف التي تكفل لهم حماية خاصة.
وشددت “صحفيات بلا قيود” على أن توظيف الدين والخطاب السياسي لتبرير هذه الانتهاكات يعكس نمطاً سلطوياً استبدادياً ينتهك مبادئ الحياد وعدم التمييز، ويهدد السلم المجتمعي، ويشكل جزءاً من سياسة منظمة لقمع المجتمع المدني.
وخلصت المنظمة إلى أن هذه الانتهاكات بطابعها الواسع والممنهج واستهدافها المتعمد للمدنيين، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية بموجب المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
نداء المنظمة: وقف القمع ومحاسبة المسؤولين
أدانت منظمة “صحفيات بلا قيود” بأشد العبارات حملات الاختطافات المستمرة وعمليات القمع المكثفة، بما في ذلك الحملة التي طالت المدنيين والناشطين والصحفيين في محافظتي إب والحديدة، معتبرة إياها جزءاًمن سياسة قمعية ممنهجة تتبناها مليشيا الحوثي لإسكات أي شكل من أشكال التعبير السلمي أو المعارضة الشعبية المتنامية في مناطق سيطرتها.
ودعت المنظمة المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وكافة الآليات الدولية المعنية، الى إدانة هذه الانتهاكات بشكل واضح، والتحرك العاجل لممارسة ضغوط جادة على قيادة المليشيا من أجل وقف هذه الحملات القمعية، وضمان حماية وسلامة كافة المعتقلين والمفرج عنهم، ومنع تكرار تلك الانتهاكات.
وطالبت المنظمة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين، ووقف حملات الترهيب والتحريض التي تشنها المليشيا ضد السكان المدنيين والناشطين السلميين، والامتناع عن استخدام وسائل الإعلام الديني والسياسي لتبرير العنف والتضييق.
وأكدت “صحفيات بلا قيود” على ضرورة فتح تحقيق دولي مستقل في كافة هذه الوقائع، باعتبارها ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية بموجب المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومحاسبة جميع المتورطين فيها، بما يتماشى مع مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وفي ختام بيانها، حذرت “صحفيات بلا قيود” من خطورة استمرار مليشيا الحوثي في استغلال التصعيد الإقليمي كذريعة لتبرير حملات القمع الداخلي وتصعيد البطش بحق المدنيين. واعتبرت أن توظيف التوترات الخارجية كغطاء لانتهاك الحقوق والحريات يمثل توجهاً خطيراً يقوض النسيج الاجتماعي، ويهدد السلم الأهلي، مما يستوجب تحركا دولياً عاجلاً وحازماً لوقف هذه الانتهاكات وحماية المدنيين.