قالت منظمة صحفيات بلا قيود، بأن أجهزة السلطة الفلسطينية صعّدت من إجراءاتها القمعية ضد الصحفيين ووسائل الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة في الضفة الغربية، في الوقت الذي تتزايد فيه انتهاكات حقوق المدنيين الفلسطينيين من قبل أجهزة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
وأفادت صحفيات بلا قيود بأن احتجاز مراسلة قناة الجزيرة، في رام الله، الأحد، تأتي ضمن توجه السلطة الفلسطينية لفرض سياسة منهجية تقوض حرية الرأي والتعبير، وتعمل على ترهيب الصحفيين والنشطاء لمنعهم من التعبير عن آرائهم وتزويد الجمهور بالمعلومات.
وخلال شهر كانون الثاني/يناير الجاري، ارتكبت الأجهزة الفلسطينية في الضفة الغربية عدد من الانتهاكات بحق الصحفيين ووسائل الإعلام، منها: استدعاءات للتحقيق، والاعتداء، والاعتقال التعسفي، ومنع طواقم إعلامية من التغطية، كما أصدرت المؤسسة القضائية أحكاماً مجحفة تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وحرية الصحافة.
ووصفت صحفيات بلا قيود، استخدام السلطة الفلسطينية لنفس المبرر الذي تستخدمه سلطة الاحتلال الإسرائيلي لقمع الصحافة، بالأمر المخجل. وأوضحت بأن تهمة التحريض وإقلاق الأمن العام، التي تستخدمها السلطة الفلسطينية؛ تهمة فضفاضة غرضها معاقبة الصحفيين والنشطاء الذين يوثقون الانتهاكات.
واحتجز عناصر الأمن الفلسطيني خمسة صحفيين بمحيط سجن عوفر، الأحد 19 يناير، من بينهم جيفارا البديري مراسلة قناة الجزيرة واثنين من طاقم العمل معها، بعد ساعات من احتجاز عماد اسعيد وجلال بويطل، اللذان يعملان لوكالة أسوشيتد برس الامريكية.
وتوافد الاعلاميون إلى محيط سجن عوفر في مدينة بيتونيا غرب رام الله لتغطية أجواء إطلاق عدد من المعتقلات الفلسطينيات، وفق اتفاق إطلاق النار وصفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، غير أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية اعتقلت الصحفيين من محيط السجن الذي تستخدمه سلطات الاحتلال لاحتجاز الفلسطينيين.
ونقلت الأجهزة الفلسطينية صحفيي اسوشيتد برس، إلى مقر المباحث الفلسطينية في مدينة رام الله، بتهمة أن قناة الجزيرة كانت تبث صوراً مباشرة من خلالهما، وبعد نحو ساعتين أطلقت سراحهما.
ليست المرة الأولى
وأوضحت صحفيات بلا قيود، بأن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الصحفيون لمضايقات من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فخلال الشهر الجاري، استدعت الأجهزة الفلسطينية عدد من الصحفيين للتحقيق معهم بتهمة التحريض وإثارة الرأي العام، كما أخذت منهم التزامات غير قانونية بعدم التعاون مع وسائل إعلام منها قناة الجزيرة.
وكشف مدير البرامج في إذاعة "علم" صلاح أبو الحسن، أن جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في الخليل، استدعاه يوم الأربعاء 8 كانون الثاني/يناير 2025، للتحقيق حول عمل الإذاعة والمحتوى الخاص بها.
كما اعتقلت أجهزة السلطة عدد من الصحفيين، من بينهم جراح خلف، وكشف حقوقيون عن تعرض الصحفي للضرب. وفي منتصف يناير، مدت محكمة الصلح في جنين اعتقال خلف 15 يوماً، بتهمة ملفقة هي حيازة السلاح، بينما كشفت أسرته أن التحقيقات تجري حول تغطيته لمؤتمرات صحفية في مخيم جنين.
وكانت محكمة الصلح في رام الله، قد مددت اعتقال الصحفي محمود مطر 15 يوماً بتهمة مماثلة، توجهها أجهزة السلطة الفلسطينيين ضد الصحفيين والنشطاء.
وأصدرت أجهزة السلطة الفلسطينية قرارات إدارية، في أواخر ديسمبر 2024، بموجبها يتم محاسبة الصحفيين والمواطنين تحت عناوين غامضة وغير واضحة بتهم التحريض على منصات التواصل الاجتماعي وإثارة الفتنة وخلخلة الأمن العام. ويأتي هذا القرار بالتزامن مع تزايد الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة السلطة الفلسطينية، والانتهاكات التي يرتكبها المستوطنون والأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لسلطات الاحتلال الاسرائيلي، في الضفة الغربية.
واتخذت السلطة الفلسطينية، في الأول من يناير 2025، قراراً بوقف بث قناة الجزيرة في الأراضي الفلسطينية وتجميد أعمال مكتبها وعامليها إلى حين "تصويب وضعها القانوني".
وفي 5 يناير، أصدرت محكمة الصلح في رام الله، قراراً بحجب 4 مواقع إلكترونية تابعة لشبكة "الجزيرة" الإعلامية لمدة أربعة أشهر، وهي "الجزيرة نت" و"الجزيرة مباشر" و"الجزيرة 360"، وموقع "AJ+".
وقالت شبكة الجزيرة، بأن قرار أجهزة السلطة الفلسطينية أتى بعد حملة تحريض صدرت باسم حركة فتح في الضفة الغربية، ضد قناة الجزيرة وصحفييها، على خلفية تغطية الاشتباكات بين قوى الأمن الفلسطينية ومقاومين فلسطينيين في جنين.
وبعد يومين، أي في 7 يناير، اقتحم الاحتلال الإسرائيلي مكتب قناة "الجزيرة" وسط مدينة رام الله في الضفة الغربية، وألصق قراراً على جدرانه يقضي بتمديد إغلاق مكتب القناة بموجب أمر عسكري لمدة 45 يوماً إضافية، وكانت سلطات الاحتلال، قد أغلقت مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية، في أيلول/سبتمبر 2024، بموجب أمر عسكري، بعد أشهر من إقرار الكنيست الإسرائيلي لقانون قدمه نتنياهو، عُرف باسم قانون الجزيرة، الذي يسمح لرئيس الوزراء ووزير الاتصالات بحكومة الاحتلال بـ"حظر وسائل إعلام أجنبية تضر بأمن الدولة وعلى رأسها قناة الجزيرة".
إدانة
وقالت صحفيات بلا قيود، بأن استخدام السلطة الفلسطينية لذات المبرر الذي تستخدمه سلطة الاحتلال الإسرائيلي لقمع حرية الصحافة في الضفة الغربية، مثير للخجل. ونوهت بأن سياسية تكميم الأفواه لا تخدم مصالح المجتمع الفلسطيني وقضيته العادلة.
وطالبت صحفيات بلا قيود، من السلطة الفلسطينية الوفاء بالتزاماتها تجاه حرية الرأي والتعبير، وضرورة احترام القانون الدولي والمواثيق التي تحمي الحريات.
ويفرض العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حماية حق الصحفيين في التعبير.
وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 على أن «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية».
إما إعلان جوهانسبرغ لحرية الوصول للمعلومات فيعتبر الوصول للمعلومات، من الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير.
ودعت صحفيات بلا قيود، السلطة الفلسطينية، إلى سرعة إيقاف كافة الإجراءات القمعية التي تستهدف حرية الصحافة. من بينها إيقاف الحكم التعسفي تجاه شبكة الجزيرة، وإطلاق سراح كافة الصحفيين والمدنيين المعتقلين على خلفية آرائهم.