بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، الذي يحتفل به المجتمع الدولي في 8 مارس/آذار من كل سنة، تُحَيِّي منظمة "صحفيات بلاقيود" كل الصحفيات والإعلاميات والعاملات في مهنة الصحافة، وتُشيد بالتزامهن المهني وصمودهن الكبير، أمام التحديات والمخاطر التي يتعرضن لها أثناء عملهن.
لقد ظلت الصحافة لفترة طويلة من الزمن حكراً على الرجال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا –ولا زالت أفضلية الرجال قائمة حتى اليوم- لكن النساء الصحفيات قدمن نموذجاً ملهماً لكل الأجيال القادمة، وللمجتمع الدولي، بقدرتهن على تسلُّمِ الملفات الثقيلة والعميقة من الصحافة الاستقصائية، وفضح الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات والديمقراطية في بلدان المنطقة؛ ودفعن من أجلها ثمناً باهضاً بحياتهن والانتقام من عائلاتهن أو التهديد بهم، ويتعرضن لمختلف أشكال التهديد والترهيب والمضايقات، من قبل الحكومات والجماعات المسلحة والجمهور، بسبب تغطياتهن للقضايا الحساسة.
تواجه الصحفيات صعوبات في الوصول إلى المعلومات، خاصةً تلك المتعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية؛ ولأن الأمر يتعلق بالنساء، فإن الضغوط التي تتعرض لها الصحفيات مرتبطة بأشكال مختلفة من التمييز على أساس النوع الاجتماعي، بما في ذلك التشهير أو العنف الجنسي، كما لا تزال الصحفيات تواجهن التمييز على أساس النوع الاجتماعي في العديد من المؤسسات الإعلامية، حيث تقل فرصهن في الوصول إلى المناصب القيادية أو الحصول على نفس الأجور والامتيازات مقارنةً بالصحفيين الذكور.
وتتعرض الصحفيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتنمر والتحرش عبر الإنترنت، مما يؤثر على سلامتهن النفسية والجسدية، وفي بعض المجتمعات، فإن مجرد كون المرأة صحفية يتعارض مع الأعراف الاجتماعية، ما يجعلها عرضه للتنمر والتحرش الالكتروني والاضطهاد في ممارسة أعمالهن؛ عشرات الصحفيات في العام الماضي أبلغن عن تحرش وتنمر إلكتروني معظمها مرتبطة بكون ما يقمن به يتعارض والأعراف الاجتماعي.
وقالت توكل كرمان، رئيسة منظمة "صحفيات بلاقيود"، الحائزة على جائزة نوبل للسلام: "أًشيد بصمود الصحفيات والإعلاميات -حول العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- أمام التحديات العديدة التي يواجهنها، والتزامهنّ بمهنة الصحافة، ودورهنّ الريادي في نقل الحقائق ونشر الوعي في مجتمعاتهنّ".
وأضافت كرمان: "على الرغم من المخاطر والعقبات التي تواجه الصحفيات في منطقتنا -من العنف إلى التمييز على أساس الجنس- إلا أنهن يواصلن عملهنّ بجرأة وإصرار، مدافعات عن حرية التعبير ومُطالبات بالعدالة الاجتماعية، متخذات دورهن في بناء مجتمعات مزدهرة".
تؤكد "منظمة صحفيات بلا قيود" على أهمية دور الصحفيات في بناء مجتمعات ديمقراطية عادلة، ونُطالب جميع الجهات الفاعلة في المنطقة بدعمهنّ وحمايتهنّ، بما في ذلك الحكومات والمؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني، وندعو الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنظمات المجتمع المدني والحكومات إلى العمل على تحسين أوضاع الصحفيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من خلال:
- ضمان حرية الصحافة والتعبير، والسماح للصحفيات بممارسة عملهنّ دون خوف أو ترهيب.
- محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيات وضمان حصولهن على العدالة، بما في ذلك القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين، وألا تسقط هذه الانتهاكات بمرور الوقت والتعامل معها كانتهاكات ثانوية.
- دعم مشاركة المرأة في المجال الصحافي والإعلامي، وضمان حصولهن على نفس الفرص للتطوير المهني والترقية مقارنة بزملائهن الرجال.
- تثقيف المجتمعات حول أهمية وجود المرأة في مجال الصحافة والإعلام، ومحاربة التمييز ضد الصحفيات والتنمر والتحرش الالكتروني.
تؤكد منظمة "صحفيات بلاقيود" على أن مشاركة المرأة بشكل كامل في المجال الصحفي ومنحهن الفرص المتساوية ضرورة لضمان بناء مجتمعات ديمقراطية مزدهرة وعادلة.
تقدم صحفيات بلاقيود نماذج لثمان صحفيات من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعرضن للانتهاكات خلال العام الماضي:
"سلام ميمة"
(فلسطين)
"سلام خليل محمد ميمة"، قتلت في 10 أكتوبر/تشرين الأول مع عائلتها "زوجها وأطفالها الثلاثة "هادي وعلي وشام" بقصف لطيران الاحتلال الاسرائيلي في مخيم جباليا، شمال شرق غزة، وانتشلت جثثهم من تحت الأنقاض بعد ثلاثة أيام. "سلام" صحفية مستقلة، كانت تعمل مع عديد من وسائل الإعلام، ورئيسة لجنة الصحفيات في التجمع الإعلامي الفلسطيني، وهي واحدة من 15 صحفية فلسطينية قُتلن بهجمات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومن بين 125 صحفياً فلسطينياً قُتلوا في الهجمات.
بينهم هبه فؤاد العبادلة، مذيعة في راديو الأزهر، قُتلت وابنتها جودي ووالدتها في 09 يناير/كانون الثاني بقصف لطيران الاحتلال الاسرائيلي استهدف منزل للعائلة في خانيونس.
"فرح عمر"
(لبنان)
في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قُتلت مراسلة قناة الميادين فرح عمر، وزميلها المصور ربيع المعماري، في غارة إسرائيلية استهدفت بلدة طير حرفا في جنوب لبنان. كانت فرح عمر تُغطي الأحداث في جنوب لبنان، عندما تعرضت للقصف مع طاقمها، وجاء القصف بعد نحو ساعة من ظهور "فرح" في القناة خلال بث مباشر ما يشير إلى أن الجريمة مُعدة مُسبقاً، تميزت فرح بتغطيتها للأحداث في جنوب لبنان، خاصةً في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ونالت جائزة أفضل مراسلة عربية عام 2018.
"حليمة سليم"
(السودان)
لم تكن تعلم "حليمة إدريس سالم" أن تقريرها الإخباري يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول سيكون الأخير في حياتها إذ تعرضت لحادث دهس أودى بحياتها، في أحد شوارع أم درمان شمال غرب العاصمة الخرطوم، أثناء تحضيرها لتقرير إخباري لصالح قناة "سودان بكرة" التي تعمل مراسلة لها، واتهمت قوات الدعم السريع بالجريمة.
"حليمة" هي الصحفية الثانية التي تقتل في الحرب الأهلية السودانية ففي يونيو/حزيران2023 قُتلت الصحفية "سماهر عبد الشافع" من إذاعة زالنجي، بقذيفة في مخيم نزوح بعد أن فرّت وعائلتها إليه مع انطلاق الحرب.
"نيلوفر حميدي" و"إله محمدي"
(إيران)
في سبتمبر/ايلول 2022 اعتقلت الصحفيتان نيلوفر حميدي وإله محمدي بعد أن قاما بتغطية صحفية لقضية "مهسا أميني" التي قُتلت على يد شرطة الأخلاق في طهران، وتعرضن لانتهاكات في السجن سيء السمعة؛ في أكتوبر/ تشرين الأول2023 تم الحكم بسجن نيلوفر حميدي وإله محمدي، بالسجن 13 عاما و12 عاما على التوالي، لكن لن يتعين عليهما قضاء الأحكام الكاملة. والحكم على حميدي هو السجن لمدة سبع سنوات بتهمة "التعاون مع الحكومة المعادية للولايات المتحدة"، كما تلقت محمدي حكماً بالسجن لمدة ست سنوات عن نفس الجريمة، وحُكم عليهما بالسجن خمس سنوات لكل منهما بتهمة "التواطؤ لارتكاب جرائم ضد أمن البلاد" والحكم لمدة عام بتهمة "الدعاية ضد تأسيس جمهورية إيران الإسلامية". ومنعت الصحفيتان من ممارسة الصحافة بعد انتهاء سجنهما، كما منعتا من استخدام التواصل الاجتماعي.
في 14 يناير/كانون الثاني 2024 أفرجت إيران -بكفالة- عن صحفيتين مسجونتين في محكمة الاستئناف، ما يعني أنهما ستنتظران حكم المحكمة لإعادتهما إلى السجن أو البقاء خارجه، وفور خروجهما وجهت لهما اتهامات جديدة بسبب نشر صورتيهما بدون حجاب! نيلوفر وإلهة حصلتا على جائزة اليونسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة في 2023.
"مروة عرفة"
(مصر)
في أكتوبر/تشرين الأول2023 المترجمة والمدونة "مروة عرفة" التي تعمل لصالح موقع "مدى مصر" المستقل، وتركز تغطياتها على قضايا حقوق الإنسان، أكملت ثلاث سنوات ونصف السنة خلف القضبان، منذ القبض عليها في أبريل/نيسان 2020، اختفت قسرًا واحتُجزت بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسبوعين في مقر جهاز الأمن الوطني بمدينة نصر، قبل أن تمثل -أخيرًا- أمام نيابة أمن الدولة في 5 مايو/أيار 2020. وأمرت بحبسها احتياطيًا بتهمة "نشر أخبار كاذبة" و "الانضمام لجماعة إرهابية". ونُقلت عرفة إلى قسمي شرطة قبل نقلها إلى قسم شرطة مدينة نصر أول، حيث قضت قرابة ثلاثة أشهر، وأخيرًا نقلت إلى سجن القناطر في يوليو/تموز 2020، الذي حُبست فيه منذ ذلك الحين، ويتم تجديد حبسها احتياطياً مثل معظم الصحفيين والصحفيات المعتقلين في مصر، وتم تجديد حبس مروة عرفة احتياطيًا 45 يومًا أخرى في 26 فبراير/شباط 2024.
"شذى الحاج مبارك"
(تونس)
انقضى عام 2023 والصحفية "شذى الحاج" خلف القضبان، حيث اُعتقلت في القضية التي عُرفت إعلامياً بـ "قضية إنستاليغو" في 2021، وهي قضية اتُّهم فيها عدد من الصحافيين والمدونين بالعمل في هذه الشركة المختصة في إنتاج المحتوى الرقمي، لـ "نشر أخبار من شأنها حمل السكان على التقاتل والاعتداء على أمن الدولة والإساءة إلى رئيس الدولة". ثم أفرج عنها بأمر من المحكمة في يونيو/حزيران2023 ليعاد اعتقالها مجدداً في الشهر التالي يوليو/تموز، ولم يتم بعد إصدار حكم في حقها، في وقت تجري فيه السلطات تحقيقات واسعة في ملف شركة "أنستالينغو" التي يشتبه في أنها كانت تعمل لديها. والاتهامات الموجهة لـ "شذى الحاج مبارك" لا يعترف بها القانون الدولي.
"حنان باكور"
(المغرب)
"هل سنخاف ونصمت؟ بالطبع لا" كان ذلك رد "حنان باكور" المديرة السابقة لموقع اليوم 24 المغربي في فبراير/شباط 2024 على الحكم الصادر بحقها من المحكمة الابتدائية بسلا، الذي يعاقبها بالحبس شهرا موقوف التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 500 درهم في قضية رفعها حزب رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش ضدها "حزب التجمع الوطني للأحرار" وجاء الحكم بعد مسلسل محاكمة دام أكثر من سنتين، ونحو عشرين جلسة، واتهمت بـ ” بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة باستعمال الأنظمة المعلوماتية بقصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم” بعد أن وجهت انتقادات للحزب.
وعلّقت حنان بكور على الحكم، عبر حسابها في "فيسبوك"، قائلةً: "شكراً حزب "تستاهل حسن".. مثل هذه الأحكام يا رئيس التجمع الوطني للأحرار ويا قائد الائتلاف الحكومي الحالي نياشين يعلقها الصحافيون الأحرار على أكتافهم". وأضافت: "هل سنخاف ونصمت؟! بالطبع لا.. ثم لا.. وكما أقول دائماً في القبر متّسع من الوقت للصمت".
"سماهر دنون"
(سوريا)
"أيها النيام المكبلون بالوهم والخوف، تستحقون الاستيقاظ حقاً"، بسبب هذا المنشور على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، طردت إدارة التلفزيون السوري الإعلامية في سبتمبر/ايلول 2023 “سماهر دندون”، مراسلة قناة “التربوية السورية”، لتعبيرها عن رأيها، وتضامنها مع مطالب أهالي مدينة السويداء “التي تنحدر منها”، في حراكهم السلمي للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية.
وكتبت دنون على صفحتها الشخصية على تطبيق "فيس بوك":” في كل صباح.. أغلق آفاق النظر في ذاك الأثير.. وأقول بصوت هادئ: أيها النيام المكبلون بالوهم والخوف والاعتياد، أفيقوا، تحرروا، تستحقون الاستيقاظ حقاً، وانطلقوا فالقادم لكم. وأبقى على أمل بأن تلك اليقظة ستتحقق. أثر الفراشة لا يرى… أثر الفراشة لا يزول”.
وأكدت "دنون" على حسابها في فيسبوك، أنه بعد أكثر من ست سنوات من العمل الإعلامي التربوي، وبسبب تعبيرها عن رأيها على صفحتها الشخصية تم إنهاء خدماتها وإيقافها عن العمل.
صحفيات بلا قيود
8مارس 2024