الأخبار

اليوم العالمي لحرية الصحافة

اليوم العالمي لحرية الصحافة

كما تشكل الصحافة الحرة والمستقلة وغير الخاضعة للرقابة، أساس المجتمعات الحرة والديمقراطية، فهي المؤسسة التي تربط الجمهور بالمعلومات التي تمثل حجر الزاوية للمشاركة العامة، وامداده بالحقائق تمكنه من اتخاذ قرارات مستنيرة ومحاسبة القادة، والاطلاع على مجموعة متنوعة من الآراء الخالية من نفوذ السلطات والحكومات؛ وتمكينه من الدفاع عن نفسه وضمان المساءلة واحترام حقوقه الأساسية.

يتيح اليوم العالمي لحرية الصحافة فرصة للاحتفاء بجهود ملايين الصحافيين والصحافيات حول العالم؛ وهي فرصة للتذكير بجهود الصحافيين والصحافيات المستقلين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يواجهون تحديات كثيرة يتعيّن التصدي لها، من أجل تحقيق حقوق حوالي 547 مليون نسمة (بيانات البنك الدولي2020).

تمثل حرية التعبير والوصول إلى المعلومات والحقائق الدقيقة أمرين ضروريان لمجتمعات ودول مزدهرة في كل المجالات "سياسية، واقتصادية، واجتماعية"؛ وهما أمران برزا في صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه معظم دول العالم ومنها دول المنطقة وهو حق كافة الأفراد "في البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها من خلال أي وسائط وبغض النظر عن الحدود".

وخرج الناس خلال الأعوام القليلة الماضية في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمطالبة بحقوقهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووضع حد للفساد والإفلات من العقاب. وقد أصبح الصحفيون الذين يؤدون دورهم الجوهري في تغطية الاحتجاجات مستهدفين علانية، أصبحوا هدفاً للأجهزة الأمنية وسلطات الأمر الواقع في هذه البلدان، والتي تتضمن القتل والاعتداء الجسدي والاعتقال والمحاكمات الجنائية، كما عززت حكومات المنطقة قبضتها على عمل الصحيفين، من فرض قيود جديدة وتجسس ورقابة وسوء معاملة واعتداء واحتجاز، لمجرد ممارستهم لعملهم وهي بيئة عمل سيئة تزداد سوءاً.

 وطالما بذل الصحفيون والعاملين في مجال الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثمنًا باهظًا لقاء مُخاطراتهم الصحفية؛ خلال العام الماضي (2022) رصدت "صحفيات بلاقيود" انتهاكات بحق 1140 صحافياً، بينهم 219 صحافية ارتكبتها الأجهزة الأمنية الحكومية وسلطات الأمر الواقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 18 بلداً. بينها 12 حالة قتل في سوريا، وثلاث في فلسطين المحتلة، وحالتا قتل في اليمن، وحالة قتل في تركيا. أما السجن فقد تحولت المنطقة إلى سجن كبير حيث يقيد عمل الصحافيين بالملاحقة القضائية والقوانين سيئة السمعة.

وزادت التحديات التي تواجه الصحافيين والصحافيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منها، ارتفاع معدلات الإفلات من العقاب، وزيادة عدد الصحفيين المحتجزين، وتضاءل حرية الرأي والتعبير، واستخدام الأدوات وبرامج التجسس لتضييق على الصحفيين، والعنف عبر الانترنت، والمضايقة القانونية. وأصبح الاعتداء على الصحافيات شائعاً في المنطقة مما حد بشكل كبير من عملهن.

 

ونشير إلى بعض التحديات التي واجهت الصحافيين والصحافيات العام الماضي2022:

 1) ارتفاع معدلات الإفلات من العقاب : وتقدم قضية الصحافية شيرين أبوعاقلة (51 عاماً) صورة واضحة التي قتلت برصاص القوات الإسرائيلية في 11 مايو/أيار2022 بعد أن استهدفتها وزميلها المنتج علي سمودي بالرصاص الحيّ، ما أدى إلى مقتلها إثر إصابتها في رأسها وإصابة سمودي برصاصة في ظهره. واستمرت سلطات الاحتلال في افلاتها من العقاب.

2) تنامي عدد الصحفيين في السجون: بدا واضحاً خلال 2022 لجوء الأنظمة في بلدان مثل تونس، والجزائر، وإيران، والمغرب إلى الاعتقال والسجن والمحاكم العسكرية والسياسية لاستهداف الصحافيين؛ تضاف إلى معظم دول المنطقة والعالم، إذ أن سجن الصحفيين هو مجرد إجراء واحد يتخذه الزعماء المستبدون سعياً لكبح حرية الصحافة.

وتبرز إيران، كواحدة من أكثر الدول اعتقالاً للصحفيين والصحافيات خلال 2022 حيث جرى اعتقال عشرات الصحافيات في إيران لأنهن نقل أخبار التظاهرات وعملية القتل الوحشية لشابه على يد شرطة الأخلاق. حيث جرى اعتقال أكثر من 72 صحافياً وصحافية لأنهم/هن سلطوا الضوء على التظاهرات التي اندلعت في سبتمبر/أيلول2022.

3) جريمة تسليط الضوء على قضية : في حالات عديدة خلال 2022 في دول مثل لبنان وسوريا وإيران والإمارات والبحرين تقوم السلطات بملاحقة الصحافيين وسجنهم أو فصلهم من وظائفهم ليس بسبب عدم دقة المعلومات أو الحقائق بل لإنه جرى تسليط الضوء على عديد من القضايا، حيث فصلت الإمارات عشرات الموظفين من صحيفة شبه حكومية بسبب تقرير يناقش غلاء المشتقات النفطية، وفي لبنان جرى ملاحقة صحافي قضائياً لتسليط الضوء على قضية تهريب الأطفال إلى سوريا.  

4) حالة تراجع حرية الرأي والتعبير خلال 2022 : والتي تعتبر استمرار لحالة تصاعد القمع في المراحل اللاحقة للحريات بعد ثورات الربيع العربي، وهو أمر عائد إلى طغيان التأثير السياسي والمالي والاقتصادي، ومخاوف الأنظمة المستبدة من المعلومة والحقائق وردة فعل الرأي العام، إضافة إلى وجود أنظمة سياسية توتاليتارية خاصة في منطقة الخليج العربي ومصر والسودان واليمن تمارس التشدد والرقابة وتعاقب الصحفيين بالسجن وتعرضهم في أحيان أخرى لأذى جسدي ومعنوي.

تنضم تونس إلى هذه الأنظمة السياسية القمعية التي تحارب حرية الرأي والتعبير والصحافة والإعلام التي تعتبر أبرز مكاسب ثورة الياسمين في تونس (2011). لكن هذا المكسب بات على شفا الانهيار، في ظل السلطة الشمولية الناشئة للرئيس الحالي قيس سعيّد. وقرع الصحافيون خلال 2022 ناقوس الخطر، لما يتعرضون له من اعتقالات ومضايقات وانتهاك لحريتهم في العمل الصحفي؛ حيث أصدر مرسوماً يحد بشكل مباشر من عمل الصحفيين، وفتحت المحاكم العسكرية أبوابها لإدانة الصحافيين. وأصبح ترهيب الصحفيين أمراً شائعاً في تونس، حيث يتعرض الصحافيون والإعلاميون لأعمال العنف على أيدي قوات الأمن، والطرد في أحيان كثيرة من تغطية المحاكمات.

5) السيطرة الحكومية: تنجح السلطات والنخب الحاكمة بالحفاظ على سيطرتها على وسائل الإعلام والصحفيين، إما باستخدام القوانين والقيود غير العادلة لتوزيع رخص البث والنشر لتغييب امتلاك وسائل الإعلام المستقلة. أو مستخدمة مبدأ العصا والجزرة: حيث تمنح السلطات الجزرة بسخاء للمادحين والموالين الصحافيين لها والمدافعين عن سياستها، الرافضين لانتقادها؛ في حين تطال عصا القمع الغليظة باستخدام القوانين وبدونها من ينقل الحقائق ويمارس عمله باستقلاليه.

وقامت دول متعددة بإجراءات أكثر ديمومة لحماية النظام، على سبيل المثال تقوم بشراء المؤسسات الصحافية المستقلة لتعمل لصالحها والرافضين من ملاك هذه المؤسسات يتعرض للاعتقال، كما فعل النظام المصري. أو تقوم السلطات بتسليط الموالين لها باستهداف الصحافيين والصحافيات المستقلين بالتشويه والتهديدات كما يفعل النظام في المغرب.

 

خاتمة

يتحمل الصحفيون والصحفيات مسؤولية اجتماعية أساسية وحساسة، بالدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية والقيم الأساسية للديمقراطية. والذي يقوم عملهم على مبدأ العمل النظيف القائم على الوجدان والضمير، بمعايير محترفة ومبادئ أخلاقية تحمي المعلومات وتقدم الحقائق للمجتمعات، وتحسين أحوالهم ورفاهيتهم.

 تتجلى في الدفاع عن القيم الأساسية للديمقراطية. وهذا يتضمن مبدئيا العمل النظيف بما يقتضيه الوجدان والضمير: العمل وفق معايير حرفية ومبادئ أخلاقية والحفاظ على الحقيقة وصيانة كرامة الإنسان، العناية بالمعلومات، والمحافظة على النظرة الشاملة للأمور وللمعلومات.

إن حماية الصحافيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست مسؤولية الصحافيين وحدهم بل هي مسؤولية المجتمع الدولي، ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان، لأن غياب الإعلام المستقل يدمر الدول ويدفعها للانجراف نحو النزاعات ويشجع تفشي الفساد والمفسدين.

 

صادر عن منظمة صحفيات بلاقيود

3 مايو/ايار 2023

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image