قالت منظمة صحفيات بلا قيود إن المعاناة الإنسانية في قطاع غزة تتصاعد يومًا بعد يوم، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي، وأكدت المنظمة أن أكثر من مليون ونصف نازح يواجهون كارثة إنسانية جديدة مع دخول فصل الشتاء، في ظل انعدام مقومات الحياة الأساسية.
ومع دخول المنخفض الجوي الأخير، اقتلعت الرياح الكثير من خيام النازحين في مواصي خان يونس، بينما أغرقت مياه الأمطار مئات الخيام الأخرى، ما أدى إلى تشريد عائلات جديدة كانت قد فرت سابقًا من الهمجات المروعة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدى أكثر من سنتين.
وأشارت صحفيات بلا قيود إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لم تسمح منذ وقف إطلاق النار بدخول أي خيام أو كرفانات جديدة إلى القطاع، لتفرض على النازحين العيش في العراء، دون أي حماية من الظروف الجوية القاسية، وذكّرت بأن عشرات الآلاف، يعيشون في الطرق العامة، والملاعب، والساحات، والمدارس المزدحمة، حيث لا تتوفر الخصوصية ولا وسائل التدفئة ولا شروط السكن الأساسية، وحتى المنازل المتصدعة والآيلة للسقوط باتت مهددة بالانهيار مع اشتداد الرياح.
شتاء فوق الركام
وكان الدفاع المدني الفلسطيني قد أكد إن طواقمه غير قادرة على الاستجابة لعشرات نداءات الاستغاثة من النازحين في الخيام ومراكز الإيواء، بسبب انهيار المنظومة الإنسانية ونقص المعدات الحيوية، وهو ما يفاقم معاناة مئات آلاف الذي فرضت عليهم إسرائيل، تدابير قاسية طوال فترة الحرب، وحتى بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وهو ما يجعل شتاء أبناء غزة فوق الركام، امتداداً للاستراتيجية الإسرائيلية الساعية لتفريغ القطاع من أبنائه الفلسطينيين.
وبحسب الإعلام الحكومي في غزة إن القطاع بحاجة عاجلة إلى 250 ألف خيمة و 100 ألف كرفان لتوفير مأوى مؤقت للنازحين، إلى حين البدء بعمليات إعادة الإعمار.
ولفتت صحفيات بلا قيود، إلى أن الاحتلال ألقى خلال عامين ما يزيد عن 150 ألف طن من المتفجرات على غزة، حسب التقديرات، ما أدى إلى تدمير نحو 90% من البنية التحتية، وتضرر أكثر من 440 ألف وحدة سكنية بين تدمير كلي وجزئي. وأسفرت هذه الهجمات عن تهجير أكثر من مليوني فلسطيني قسريًا، اضطر كثير منهم للنزوح عشر مرات بحثًا عن مكان آمن.
وتسبب الدمار الهائل في تكدس أكثر من 55 مليون طن من الركام في الشوارع والأحياء السكنية، ما جعل فرق الدفاع المدني وطواقم الإغاثة عاجزة عن التعامل مع حجم الكارثة، في ظل نقص المعدات وتواصل القصف في عدة مناطق.
وارتفعت حصيلة العدوان إلى 69,483 شهيدًا منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 11 نوفمبر 2025، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
مساعدات محتجزة ونزوح لا ينتهي
وكان المتحدث باسم "الأونروا"، عدنان أبو حسنة، قد أعلن بأن مئات الآلاف من الفلسطينيين يعيشون في العراء، وأن المنظمة تمتلك مواد إيواء تكفي 1.3 مليون شخص لكنها مكدسة خارج القطاع، بسبب منع الاحتلال دخولها. فيما أكدت نائبة المفوض العام للوكالة، ناتالي بوكلي، أن العائلات ستواجه الشتاء "دون ما يكفي من الطعام والماء والإمدادات الطبية"، رغم توفر المساعدات ومنع دخولها.
وقالت منظمة صحفيات بلا قيود، بأن مشاهد عودة النازحين إلى غزة، تكشف حجم الكارثة: أحياء مدمرة بالكامل، آلاف المنازل بلا سقوف، ورفات ما تزال تحت الأنقاض. ورغم إعلان وقف إطلاق النار، تواصل سلطات الاحتلال تصنيف مناطق واسعة بأنها "مناطق قتال" أو "مناطق حمراء"، ما يمنع العودة إليها، علاوة على استمرار نسف وحدات سكنية حتى اليوم.
وحتى أكتوبر 2025، قصفت قوات الاحتلال 293 مركزًا للإيواء، بعضها استهدف أكثر من عشر مرات، ما ترك 288 ألف أسرة دون مأوى.
مخطط تغيير ديموغرافي
وتشدد منظمة صحفيا بلا قيود، على أن النزوح القسري الذي يتعرض له سكان غزة يمثل انتهاكًا صارخًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، و جريمة ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي، باعتباره تهجيرًا منهجيًا ومنظمًا يستهدف المدنيين في سياق حرب إبادة معتمدة على التجويع والتدمير الممنهج للبنية التحتية.
كما تؤكد أن سياسة الاحتلال الاسرائيلي الهادفة إلى منع إعادة الإعمار وعرقلة عودة السكان الأصليين تمثل جزءًا من مخطط تغيير ديموغرافي طويل الأمد.
وبناءً على ما ورد، تدعو منظمة صحفيات بلا قيود المجتمع الدولي، والهيئات الأممية، والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، إلى الضغط الفوري على سلطات الاحتلال للسماح بإدخال المساعدات، ومستلزمات الإيواء، والمواد الطبية. كما تطالب المنظمة بتفعيل آليات الحماية الدولية للمدنيين في غزة، خصوصًا النساء والأطفال وكبار السن.
وتدعو صحفيات بلا قيود، إلى فتح تحقيق دولي مستقل في انتهاكات الاحتلال وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال العامين الماضيين.
وتجدد المنظمة تأكيدها أن استمرار هذه الكارثة الإنسانية يعكس فشلًا دوليًا فادحًا في حماية المدنيين، ويستوجب تحركًا عاجلًا قبل أن يتحول فصل الشتاء إلى فصل جديد من الموت والمعاناة في غزة.

Ar
En
