الأخبار

سوريا: المقابر الجماعية أدلة أساسية على فظائع نظام الأسد

سوريا: المقابر الجماعية أدلة أساسية على فظائع نظام الأسد

قالت منظمة صحفيات بلا قيود، إن اكتشاف المقابر الجماعية في سوريا، يستدعي القيام بإجراءات عاجلة لحماية الأدلة على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ودعت صحفيات بلا قيود، إلى استخدام بروتوكول بورنموث لحماية المقابر الجماعية والتحقيق فيها، بهدف معرفة هويات الموتى ومعرفة مصير آلاف المفقودين، إضافة إلى تقديم المسؤولين عن هذه الانتهاكات التي تصنف في القانون الدولي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى العدالة.


ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد،8 كانون الأول/ديسمبر الحالي، بدأت المقابر الجماعية تتكشف للسوريين، من بينها مقبرة جماعية في بلدة القطيفة شمال العاصمة السورية دمشق، حيث تمتد هذه المقبرة على مساحة مقدرة بـ  5 آلاف متر مربع. بحسب حقوقيين سوريين تحدثوا لوكالة رويترز فإن هذه المقبرة تحتوي على مائة ألف جثة، ورغم أنه من الصعب التحقق من الرقم المرعب بدقة في الوقت الراهن، غير أن المقبرة تتكون من خنادق طويلة جرى وضع الجثث فيها وتغطية فتحات الخنادق بكتل اسمنتية قابلة للفتح. وقد ظهرت بعض الجثث بداخل أكياس بلاستيكية وعليها بعض الإشارات والرموز. 


وقالت توكل كرمان، رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود: «من المؤسف أن عشرات الآلاف من الأسر والعوائل السورية تعيش أوقاتاً عصيبة، تتأرجح بين أمل الحصول على أبنائها أحياء في معتقلات الأسد، وبين صدمتها من فظائع المقابر الجماعية التي بدأت تنكشف وتحوي رفات آلاف المجهولين».


وأوضحت كرمان إلى أن طريقة الدفن الجماعي لبعض الجثث، تشير إلى ارتكاب جرائم حرب وصلت إلى انتهاك كرامة الموتى، وقالت بأن على الحكومة الانتقالية في سوريا التعاون مع الهيئات الأممية والمؤسسات المختصة للعمل على تأمين الأدلة وتوثيقها، كي يتم محاسبة الأسد ومساءلة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان أمام القضاء المحلي والدولي وضمان تحقيق العدالة للسوريين.

طبقات من الجثث
وكشفت وسائل الإعلام عن مقبرة جماعية جديدة في حمص، الأحد 22 ديسمبر 2024،  يوجد فيها ما لا يقل عن 1200 جثة، وقال شهود عيان بأن الجثث كانت تأتي من المستشفى العسكري ويتم توثيقها برموز من قبل رجال نظام الأسد. وتضم المقبرة 6 خنادق، في كل خندق يوجد حوالى 200 جثة، تفصل بين الجثة والأخرى جدار اسمنتي.

واستمعت صحفيات بلا قيود، إلى إفادات مرعبة وثقها ناشطون اعلاميون في سوريا لسكان يعيشون بجوار المقابر، إذ أكد الشهود رؤيتهم لشاحنات كبيرة كانت تأتي أسبوعياً محملة بالجثث، كما في منطقة الحسينية خارج العاصمة دمشق، حيث ظهر في المقبرة الجماعية المكتشفة حفراً عميقة، قال أحد الشهود أن نظام الرئيس السوري كان يستخدمها للتخلص من الجثث بشكل جماعي، من خلال وضع عدد من الضحايا في الحفرة، ووضع حاجز وردمها بالتراب، ثم وضع طبقة أخرى من الضحايا فوقها.

ويسود اعتقاد لدى المتهمين بالوضع الإنساني السوري بأن نظام الأسد كان يعمل على إخفاء الأدلة التي تدينه بتصفية آلاف المعتقلين.
ويوجد في سوريا أكثر من مائة ألف مختف قسرياً لدى أجهزة نظام الرئيس المخلوع، وكانت اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين قد أفادت بوجود ما يصل إلى 66 موقعا لمقابر جماعية مجهولة الهوية، كما يوجد أكثر من 157 ألف بلاغ عن مفقودين.

الخوف على الأدلة

وعقب مغادرة بشار الأسد السلطة ولجوئه إلى روسيا، في 8 ديسمبر/ 2024، خرج الآلاف يبحثون عن ذويهم في سجون النظام سيء السمعة، لكن الغالبية لم يلقوا لأحبتهم أثراً.
ومع ذيوع أخبار المقابر الجماعية، تدفق المدنيون والناشطون وغيرهم إلى زيارة المقابر دون تنسيق مع مؤسسات السلطة الانتقالية.
وعبرت صحفيات بلا قيود عن مخاوفها من إلحاق أضرار غير مقصودة بالأدلة الأساسية، كما نوهت إلى الأضرار المقصودة المحتملة التي يمكن أن يلحقها المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، ومنها العبث بجثامين الضحايا ونقل الرفاة من مقبرة إلى أخرى بغرض إتلاف الأدلة.
ونوهت المنظمة بأن اكتشاف المقابر والحديث عنها قبل سنوات، مثل التحقيق الصحافي الذي أجرته نيويورك تايمز قبل سنتين، من المحتمل أنه قد جعل الجناة يعملون على طمس الأدلة.
واستدلت صحفيات بلا قيود، بما رصدته وسائل الإعلام، بوجود أجهزة رادار بأطراف المقابر الجماعية المكتشفة مؤخراً، بغرض التشويش على الأقمار الاصطناعية وإخفاء مواقع المقابر.

الوثائق الاستخباراتية
وخلال الأيام الماضية، تُركت أبواب مؤسسات نظام الأسد، العسكرية والأمنية، مفتوحة أمام الجميع. وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الفيديوهات لمدنيين يبحثون عن الوثائق والسجلات ويعبثون بأوراق استخباراتية مهمة.
 وتؤكد منظمة صحفيات بلا قيود بأنها تُقدر البحث الذي يقوم به أقارب المفقودين بحثاً عن معلومات حول أحبتهم. وفي نفس الوقت، تدعو الحكومة الانتقالية لحماية هذه الأدلة خوفاً من ضياعها واتلافها، على أن يكون البحث منسقاً بين مؤسسات الحكومة الانتقالية وأقارب المفقودين.
وتعتقد صحفيات بلا قيود، بأن الحفاظ على الوثائق الأمنية والاستخباراتية في أجهزة نظام الأسد، قد تكشف عن معلومات وهويات مرتكبي الجرائم الجسيمة بحق آلاف السوريين.

دعوة للمحاسبة

يؤكد خبراء قانونيون إن المقابر الجماعية في سوريا، قد تكون من أكبر الأدلة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، عبر سلسلة من الانتهاكات التي لحقت بالضحايا. وتبدأ حلقات هذه السلسلة بالإخفاء القسري، التعذيب خارج القانون، حرمان المختفيين من التواصل مع العالم الخارجي، حرمان أقاربهم من المعلومات، وصولاً إلى الإعدام.
وتركز المادة 8 من نظام روما الأساسي، على انتهاك كرامة الموتى، وحرمانهم من الدفن اللائق وفق المعتقدات التي يؤمنوا بها، وحرمان أسرهم من حق الحداد، وتشير إلى أن عدم الالتزام بالإجراءات التي تحفظ للموتى كرامتهم، يعد جريمة حرب.
أما بروتوكول بورنموث، فيشرح الآليات التي يجب اتباعها لحماية المقابر الجماعية التي تنشأ في سياق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على الصعيدين المحلي والدولي، ويعد البروتوكول مرجعاً رئيسياً لحماية المقابر والتحقيق فيها لكشف الحقيقة والوصول إلى العدالة.
وتعتقد صحفيات بلا قيود، بأن السوريين عاشوا عقوداً من الظلم وتعرضت حقوقهم الإنسانية لفظائع مهولة إبان الحقبة الاستبدادية لعائلة الأسد، وقد فتحت المرحلة الجديدة آمالا للسوريين للحصول على العدالة، وعلى السلطة الانتقالية والمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي العمل على تحقيقها لإنصاف عشرات الآلاف الذين مازالوا ينتظرون أية معلومات عن أحبتهم المفقودين حتى الآن.


وتلخص صحفيات بلا قيود، مطالبها، بالآتي:


- على السلطة الانتقالية، العمل على حماية المقابر الجماعية، من أي ضرر مقصود أو غير مقصود، باعتبار المقابر الجماعية من الأدلة الأساسية على الجرائم الفظيعة ضد الإنسانية، وعلى المجتمع الدولي مساعدة السوريين بإجراء تحقيق فوري يوضح مصير آلاف المفقودين.

- حماية السجلات الارشيفية والوثائق، العسكرية والأمنية الاستخبارية التي كانت في مؤسسات نظام المخلوع بشار الأسد، والتي قد تؤدي إلى معلومات حول هويات المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات.

- فحص المقابر الجماعية ودراسة مواقعها جيولوجياً، وفحص الجثامين من قبل خبراء في الطب الشرعي والمحققين الجنائيين، لمعرفة الانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها أثناء التعذيب، وانتهاك كرامة الموتى وإهانتهم في المقابر.

- التنسيق مع أقارب المفقودين، وأخذ عينات من الحمض النووي منهم لمقارنتها مع الحمض النووي للضحايا.

- تزويد أهالي المفقودين بالمعلومات اللازمة أولاً بأول.

 

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image