عبرت منظمة صحفيات بلا قيود عن قلقها الشديد إزاء الجرائم والانتهاكات المتكررة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
وقالت المنظمة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت خلال الأسبوع الجاري ما لا يقل عن 17 شخصًا وأصابت العشرات، من بينهم 13 فلسطينياً في مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوبي لبنان، في مجزرة جديدة تضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ أكثر من سنتين.
وكثفت قوات الاحتلال من وتيرة اعتداءاتها على لبنان عبر غارات جوية مدمّرة على بلدات الجنوب تحديداً، تزامن معها تحذيرات شكلية وتعليمات من جيش الاحتلال بمغادرة مبانٍ معينة، كما تلقى العديد من اللبنانيين اتصالات مباشرة تطلب منهم إخلاء منازلهم، ما يكشف عن نهج عدواني ممنهج لترهيب المدنيين وتهديد حياتهم.
وأوضحت صحفيات بلا قيود، بأنه بعد أيام، يُكمل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان سنته الثانية، ورغم ذلك فإن التصعيد الإسرائيلي لم يتوقف خلال هذه المدة، فمنذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وحتى الخميس 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري 2025، أسفرت الغارات والاعتداءات الإسرائيلية، عن مقتل وإصابة 1276 شخصاً. وصل عدد القتلى إلى 331 شخصًا بينما بلغ عدد الإصابات 945، وفقًا لبيان صادر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة اللبنانية.
عين الحلوة وطلاب المدارس
في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، استهدفت قوات الاحتلال ملعبًا رياضيًا يرتاده أطفال مخيم عين الحلوة بثلاثة صواريخ، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين. وبرّر جيش الاحتلال الجريمة بادعاءات غير مقبولة حول "وجود بنى تحتية عسكرية"، واستهداف مقاتلين فلسطينيين، وهي مبررات واهية، ولم يثبتها جيش الاحتلال على الاطلاق، علاوة على أن الهجمات نفسها مخالفة لمبدأ التمييز، والتناسب، الذي يُعدّ من القواعد الأساسية في القانون الدولي الإنساني.
الجدير ذكره، ان مخيم عين الحلوة هو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويعرف بـ "عاصمة الشتات الفلسطيني" والمخيم محاط بطوق أمني وأسلاك شائكة ونقاط تفتيش، وهو من المواقع التي نزعت الحكومة اللبنانية سلاحها بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل قبل عام، وفق التقارير الاعلامية.
في هجمات أخرى، شنّت آليات الاحتلال غارتين على سيارتين مدنيتين في مدينة بنت جبيل وبلدة بليدا جنوب لبنان، ما أسفر عن مقتل شخصين. وخلال الأيام التالية، استهدفت الغارات منازل في بلدات بليدا ويارون وعديسة وبنت جبيل، وترافق ذلك مع إنذارات بالإخلاء لسكان مناطق ديركيفا وشحور وطفرفلسيه وعيناثا، الأمر الذي أثار الذعر بين الأهالي، وأدى إلى إخلاء المدارس والمؤسسات التعليمية من الطلاب والعاملين فيها.
وفي 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، شنّت طائرة مسيّرة إسرائيلية هجومًا على سيارة مدنية في بلدة الطيري، ما أسفر عن مقتل شخص داخلها، إضافة إلى مقتل سائق حافلة مدرسية وإصابة 11 تلميذًا كانوا في طريقهم إلى المدرسة.
جرائم مكتملة الأركان
واعتبرت صحفيات بلا قيود أن الخروقات والجرائم التي ترتكبها إسرائيل، تمثل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والمادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 التي تحظر بشكل مطلق استهداف السكان المدنيين أو ممارسة أعمال ترهيب ضدهم.
وأشارت المنظمة، إلى تأكيدات المتحدث باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، داني غفري الذي قال بأنّ القوات الدولية رصدت منذ بدء اتفاق وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أكثر من 7300 خرق جوي إسرائيلي، إضافة إلى 2400 نشاط عسكري نفّذه الجيش الإسرائيلي شمالي الخط الأزرق.
وتشكل التحليقات الاسرائيلي المكثفة داخل المجال الجوي اللبناني وعمليات القصف داخل البلدات اللبنانية، والتوغل في الأراضي الحدودية، انتهاكاً لمبدأ سيادة الدولة اللبنانية ووحدة أراضيها المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 2 (4) التي تحظر استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي.
وبالمجمل، فإن هذه الممارسات، تعد جريمة حرب مكتملة الأركان وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية، كما أن استمرار هذه الجرائم ينذر بمزيد من التصعيد الذي يهدد السلم والأمن الإقليميين.
خلفية
أسفرت الهجمات الإسرائيلية، على لبنان، بين أكتوبر 2023 ونوفمبر 2024، عن مقتل أكثر من أربعة آلاف مدني لبناني وإصابة ما يزيد على 17 ألفًا آخرين، إضافة إلى تدمير نحو 100 ألف وحدة سكنية تدميرًا كليًا أو جزئيًا، تركز معظمها في القرى الجنوبية. كما أدت الاعتداءات الإسرائيلية، إلى نزوح نحو 1.4 مليون شخص داخل لبنان، وسط أزمة إنسانية خانقة تعجز السلطات اللبنانية عن احتوائها. ورغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لم تلتزم إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجنوب اللبناني، واستمرت في شن غارات جوية وأعمال عدائية داخل الأراضي اللبنانية، ما أبقى عشرات الآلاف من النازحين عاجزين عن العودة إلى منازلهم، وكرّس حالة مستمرة من التهديد واللااستقرار الإنساني والأمني.
خاتمة ومطالب
ترى منظمة صحفيات بلا قيود أن استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية، وخرقها المتكرر لاتفاق وقف إطلاق النار، يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة ملايين المدنيين في لبنان، ويقوّض الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق السلام.
وبناءً على ذلك، تطالب المنظمة بما يلي:
ـ تدخلًا دوليًا عاجلًا وفعّالًا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإلزام إسرائيل بوقف الهجمات فورًا، واحترام اتفاق وقف إطلاق النار، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.
ـ سرعة البت في الانتهاكات والجرائم وإحالتها إلى آليات تحقيق دولية مستقلة، بما فيها لجان تقصّي الحقائق والمحكمة الجنائية الدولية، لضمان محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب ومنع الإفلات من العقاب.
ـ توفير حماية دولية عاجلة للمدنيين في لبنان، خصوصًا الأطفال والنساء في المناطق المتاخمة للحدود، وضمان عدم استهداف المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء.
ـ دعم الجهود الإنسانية اللبنانية من خلال زيادة التمويل المخصص لبرامج الإغاثة، وتأمين احتياجات عشرات الآلاف من النازحين الذين ما يزالون غير قادرين على العودة إلى منازلهم.
ـ دعم حق لبنان في سيادته وسلامة أراضيه، ورفض كل الإجراءات والممارسات الإسرائيلية التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني.

Ar
En
