قناة بلقيس- تكبر معاناة الصحفي السابق حسن الطاهري (44 عاماً)، وتكثر همومه وديونه وعذاباته، وهو اليوم يترنّح بين ماضيه الذي قضاه في مزاولة العمل الصحفي، وحاضره البعيد عن شغفه وميوله واهتمامه.
يستيقظ كل يوم على رصيف صغير يركّن به أحلامه، ويتشبّت بالحياة، ويكافح من أجل البقاء، وتأمين القُوت اليومي لأسرته المعدَمة.
تستوطن "الطاهري" الحَيرة، ويصعب عليه الإلمام بمعاناته، التي لم تتوقف عند حدٍ معيّن، بل رافقته منذ سنوات، وأبَت أن تفارقه وتتركه لتطلّعاته وأمانيه المثقلة باليأس، والفقر، وشدة الحاجة، وقلّة الحيلة، وسلسلة متواصلة من الصعوبات والتحدّيات، التي غيَّرت مسار حياته، وأجبرته على مغادرة مهنة المتاعب، والعمل كبائع متجوِّل.
ينزوي كل يوم على استحياء مع بسطته الصغيرة قُرب الباب الكبير لمدينة تعز القديمة، ويبيع البطاط والطماطم.
الطاهري يقول إنّه كان عضواً في نقابة الصحفيين اليمنيين، واتحاد الصحفيين العرب، والاتحاد الدولي للصحفيين، فقد التحق بالعمل الصحفي وهو طالب في المرحلة الإعدادية، وتحديداً في العام 1990، وخبر هذا النشاط، وأجاد فنونه، وطوّر مهاراته وخبراته، وأبدى تفانياً ملحوظاً في محراب صاحبة الجلالة، وذلك خلال 17 عاماً، تنقّل إبانها بين العديد من الصحف المحلية (الحزبية والمستقلّة).
لم يُجِد التسلّق كما فعل العديد من زملائه، ولم تشفع له خبرته الطويلة في ممارسة العمل الصحفي، ولم تمكِّنه -وهو حاصل على الثانوية العامة- من الحصول على وظيفة حكومية، لافتقاره إلى الوساطة، وخروجه عن دائرة ذوي القرابة والمقرّبين.
لم يستطع التعايش مع واقعه وبيئة العمل، فقرر في العام 2007 الانسحاب من الوسط الصحفي، والبحث عن وِجهة جديدة، وعملٍ آخر يقتات منه، ويسد رمقه مع عائلته.
قراره الجديد اتخذه بعيداً عن العمل لسنوات، تنقّل فيها بين صحف مستقلة ووسائل إعلام حزبية، ودوائر تابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يرأسه حينها المخلوع علي عبدالله صالح.
ترسّخت لديه حينها قناعة بعدم جدوى الاستمرار في العمل مع إعلام الحزب الحاكم، وهو وسط لم يرقْ له ما يدور فيه من ممارسات وسياسات لم يذعن لها، ولم يتماهَ معها، كونها تتعارض مع رؤاه وقناعاته.
إقصاء وَفَاقة
يقول الطاهري لموقع "بلقيس": "لهذه الأسباب وغيرها تم استبعادي وإقصائي من عملي، والاكتفاء بصرف راتب شهري كمتعاقد باللجنة الدائمة (40 ألف ريال)"، وهو مبلغ لم يغطِّ احتياجاته.
عمل في مركز الدراسات والبحوث، ومجلة "الموقف" الصادرة عنه، وكذلك صحيفة "الميثاق"، وبعدها اتّـجه إلى العمل في صحيفة "أخبار اليوم"، وهو عمل استهلك معظم وقته مقابل راتب لا يتعدّى 40 ألف ريال.
يذكر: "خلال تلك السنوات، لم أحصل على وظيفة رسمية استطيع من خلالها الخروج من عُبودية العمل الخاص، كما لم أجد الجهة التي تحتويني، ودخلت في خلافات أسرية، فتركت العمل الصحفي، وعدت إلى تعز".
لم يتمكَّن من مغادرة البلاد، كما كان يرغب، ولم يتم قبوله في العمل لدى صحيفة "الجمهورية"، التي حاول الانضمام إلى طاقمها، في الوقت الذي كان يرأس تحريرها الأستاذ عباس غالب.
ساءت أوضاعه المادِّية والمعيشية مع أسرته، فاقترحت عليه زوجته شراء عربية، وإنشاء بسطة لبيع الخضروات، وباعت خاتمها لأجل ذلك، فشرع في مزاولة نشاطه الجديد، والسعي من أجل العيش بكبرياء وكرامة، وكسب لقمة العيش بالحلال، وبعرق الجبين، حد تعبيره.
بعد أن أوصدت في وجهه كل الأبوب عمل في بيع الخضار، وهو نشاط هرب إليه كي لا يصبح بُوقاً لهذا الطرف أو ذاك، وفضَّله على مزاولة أي نشاط إعلامي لا يلتزم بقواعد العمل الصحفي، وأُسسه المهنية، ويتعارض مع مبادئه وقِيمه ومعتقداته.
في البدء طرأ تحسُّن ملحوظ على أوضاعه المادِّية والمعيشية، حيث كانت عائداته من البسطة تغطِّي جزءاً من احتياجات أسرته، وتساعده على الإيفاء ببعض التزاماته تجاهها.
لم يدْم ذلك، فالحرب التي اندلعت في العام 2015 أثَّرت على نشاطه بشكل كبير، وألقت في طريقه الكثير من الصعوبات، وقللت من عائداته، وكبَّدته خسائر مادية كبيرة، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الخضروات، وتراجعت قدرات الزبائن الشرائية، وقلَّ الإقبال عليها، وتراجع مستوى دخله.
بين الماضي والحاضر
رغم تدهور أوضاعه الاقتصادية، والصحية والإنسانية، إلا أنه ينظر اليوم إلى عمله الحالي من زاوية مغايرة، ويرى فيه كبرياءه الذي فقده أثناء مزاولته العمل الصحفي، وهي قناعة ترسّخت لديه حول مهنة الصحافة، التي عانى منها الكثيرون مادياً ومعنوياً وأمنياً، وتعرَّضوا للمخاطر، والمضايقات، والاعتداءات، والملاحقات، والاعتقالات، والتعذيب، وغيرها، ومازالوا كذلك.
لم يعد بيع الطماط والبطاط حالياً مدراً للدخل، فالخسارة أكثر من الرّبح بالنسبة للطاهري، الذي تراكمت عليه إيجارات السكن والدِّيون، حيث بلغت ديونه المستحقة لتجّار الجملة أكثر من مليون ريال، وهو مبلغ يعجز عن سداده، ما يجعله يشعر بالخوف والقلق، ويخشى نفاد صبر دائنيه، بمن فيهم مالك الشقة التي يسكنها، ويُهدد بالطرد منها.
تتراجع حركة العمل في البسطة، التي تشكِّل مصدر دخله الوحيد، ويعتمد عليها في توفير احتياجات أسرته المكوَّنة من 6 أفراد، ما يُفاقم معاناته في الوقت الذي يفتقر فيه للوظيفة والراتب والضمان الاجتماعي، ومصادر الدَّخل والمساعدات، ولا يجد بديلاً عن بسطته، التي يكافح من أجل مواصلة العمل فيها، متحمّلاً عناء الشمس والرّياح والغبار، والآلام المتفرّقة التي تداهم جسده.
لا يقوى على مزاولة الأشغال الشاقَّة، نظراً لتدهور أوضاعه الصحيّة، ومعاناته المستمرة من حصوات في الكُلى، وعدم قدرته على حمل أي أثقال، حيث سبق وأن خضع لعدة عمليات جراحية، استأصل فيها الأطباء الحصوات التي تكوّنت في كُليتيه.
هواجس وتطلّعات
يحاصره العجز عن تأمين العلاج لوالدته المقعدة، والمصابة بجلطة دماغية، ألزمتها الفراش، إلى جانب الإيفاء بالتزاماته نحو أسرته، وتوفير الكثير من احتياجاتها، بما فيها: الغذاء، والمياه، والدواء، والملابس، والمأوى، وإيجار السكن، ونفقات ومصاريف الدراسة.
يشدَّه الحنين نحو ماضيه، ويتوق نحو العودة إلى ممارسة نشاطه الصحفي، ومقارعة الأحرف والقلم، وهو ما يتطلّب أجواء ملائمة وظروفا مستقرة، وحياة خالية من الهموم، والمشاغل، والمشاكل الأُسرية.
لكنه في الوقت نفسه يتوجّس خِيفة من المصير المجهول الذي ينتظره مع أسرته، التي يترصّدها المزيد من الفقر، والبُؤس، والمعانات، والجوع، الذي يعد بالنسبة له كابوساً مؤرّقاً.
يأمل في أن تلتفت الحكومة الشرعية إلى معانات المواطنين، وتتلمّس احتياجاتهم، وتعالج مشاكلهم، وتخفف معاناتهم، وتذلل الصعاب التي تواجههم، كما يتطلّع نحو توقّف الحرب ونزيف الدّم والصراع على السلطة، وأن يعمّ الخير والأمن والسلام البلاد والعباد.