خريجو الإعلام في مناطق سيطرة الحوثيين أمام خيارين: البطالة أو الإلتحاق بآلة الدعاية الحربية
المصدر أونلاين: بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في أيلول / سبتمبر من العام ٢٠١٤ توقفت الكثير من الوسائل الإعلامية وتحكّم الحوثيون بالسياسة التحريرية لما بقي من تلك الوسائل، شنت المليشيا حملات الهيمنة وحجب عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية المناهضة لهم واعتقال عشرات الصحفيين والناشطين السياسيين الذين يخالفونهم الرأي، إلا أن ذلك كله ذلك لم يكبح جماح وسائل التواصل الاجتماعي في تعريتهم وفضح جرائمهم.
مع استمرار العمل المتواصل لجماعة الحوثيين في قمع الأفواه وتضييق حرية المواطنين في مناطق سيطرتهم، فإنهم يواجهون بعدائية مفرطة كل رأي مخالف لسياستهم وأيديولوجيتهم العقائدية تحت شماعات بالية أبرزها "العمالة والارتزاق لصالح دول العدوان".
تحكي مريم "اسم مستعار" 23 سنة، لـ"المصدر أونلاين" قصة توقفها عن العمل الصحفي فتقول إنها قدمت مقترحات صحفية لإحدى الوسائل الإعلامية تمس جماعة الحوثيين واشتغلتها بشكل مهني وحيادي، لكن حيادية مريم لم تكن كافية فبمجرد أن يتعامل الصحفي مع وسيلة محجوبة في صنعاء يعني ذلك أنه معرض للاعتقال أو لما هو أسوأ، فبعد فترة من نشر المواد التي اشتغلتها مريم تلقت اتصالاً من مجهول، مضمونه تهديد مبطن.
عاشت مريم حالة من الخوف والريبة لكن الأمر لم يتوقف عند التهديد عبر الهاتف؛ بل وصل إلى حد ملاحظتها أن هناك من يراقبها عندما تخرج من البيت ليأتي تدخل عائلتها من دافع خوفهم عليها، وإجبارها على التوقف عن العمل الإعلامي بشكل قطعي.
تُنهي مريم حديثها قائلة: "كنت أود السفر إلى أيّ من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية لأستمر في عملي، لكن صعوبة التنقل والتكلفة المادية منعتني من ذلك، إضافة لشعوري بأنني يمكن أن أفقد حياتي أو أُعتقل، فقصص الصحفيين كانت تثير الرعب في قلبي وهذا ما سبب لي عقدة وفضلت البقاء بلا عمل".
أما أشرف "اسم مستعار"، والذي يعمل في إحدى القنوات التابعة للحوثيين يقول لـ"المصدر أونلاين" إن قناعاته الخاصة لا تتوافق مع سياسة الحوثيين بل إنه ضدهم تماماً، لكنه اضطر للعمل مع الحوثيين، لأنه يعيل أسرته ولديه طفلة مريضة ولا يحترف مهنة أخرى كي ينفق على أسرته من خلالها.
وقد أسست جماعة الحوثيين هيئات تابعة -الأمن السياسي- وأوكلت لها مهمة مراقبة وتتبع كل نشاط مخالف لها على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما ما يكتبه المؤثرون كالإعلاميين والكتاب والأكاديميين والطلاب الجامعيين، وتعمل على ردع كل محاولات إبداء الرأي أو الفكر الذي يختلف مع توجهاتها بالاختطافات والاعتقالات القسرية.
رقابة صارمة على الجامعات
بعض السياسات التي تنتهجها الجماعة الحوثية لمواجهة الآراء المختلفة داخل الصروح الجامعية، أنها تقوم بإنشاء هيئة تحت مسمى "ملتقى الطالب الجامعي"، وهي هيئة استخباراتية تمتلك ميزانية مستقلة، يتمركز نشاطها داخل الجامعات اليمنية التي تقع تحت سيطرة الجماعة الحوثية، تراقب هذه الهيئة نشاطات الأكاديميين والطلاب داخل الجامعات وخارجها، وتتبنى بشكل أسبوعي فعاليات وندوات ودورات تثقيفية لصالح توجهات الجماعة الحوثية داخل الصرح الجامعي، بل وتفرض على الأكاديميين وطلاب الإعلام بشكل خاص حضورها والتفاعل معها.
علياء "اسم مستعار" وهي إحدى الطالبات في كلية الإعلام بجامعة صنعاء تحكي تجربة زميلتها في الكلية حينما كان لديها نشاط لأحد الدكاترة إلا أن فرض "ملتقى الطالب الجامعي" منع الاختلاط بين الأولاد والبنات حال دون تنفيذه، فإذا كان لدى الفتاة خروج ميداني لا تستطيع ذلك مع أحد زملائها، في تصريحها تقول :"استعانت زميلتي بأحد المصورين من خارج الجامعة لإنجاز فيلم وثائقي ونزلت مع الفريق إلى كلية التجارة وحينما علم أمين الكلية سحب منها التصريح وأهانها أمام الزملاء وطرد المصور".
تضيف علياء فتقول: "مرة كنت أسجل تقريراً واخترت أحد الطلاب لعمل مقابلة معه، فجاء جنود من أمن الجامعة وأوقفوا التصوير وحينما عرضت عليهم التصريح، قالوا إن التصوير مع أولاد ممنوع".
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، نذكر بعض ما يواجهه طلاب الإعلام في جامعة الحديدة إزاء ممارسات الحوثيين، حيث زادت في الثلاثة الأعوام الماضية حِدة التضييق على طلاب الإعلام في الجامعة ومراقبتهم بشكل يُظهِر مدى خوف جماعة الحوثي وهشاشتها أمام الإعلام والآراء المضادة، وتتعامل الجماعة بحساسية مفرطة تجاه أي نشاط إعلامي داخل الجامعة حتى وإن لم يكن نشاطًا سياسيًا.
هذا وتفرض السلطات الأمنية في مدينة الحديدة حظرًا للتصوير في المدينة، وتوسع حظرها حتى وصل إلى منع طلاب الإعلام من استخدام الكاميرات داخل الصرح الجامعي إلا بتصريح أمني.
مصدر مسؤول في المدينة يذكر أن الجماعة في آخر ممارساتها قامت باعتقال أستاذ التصوير الفوتوغرافي في جامعة الحديدة وهو يصور تقريراً لحالة إنسانية، وأفرجت عنه بعد تعهد ودفع غرامة مالية، ويؤكد المصدر أيضاً أن هيئة ملتقى الطالب الجامعي قامت بتهديد أكثر من طالب على خلفية منشورات فيسبوكية.
ومؤخراً أفرجت الجماعة الحوثية عن أستاذ الإعلام في جامعة الحديدة الدكتور وديع الشرجبي بعد أكثر من عام على اختطافه وتغييبه، جاء هذا الاختطاف على خلفية مناشدة الدكتور وديع في حائطه الفيسبوكي للإفراج عن طلابه المعتقلين لدى الجماعة.
فمنذ سيطرتهم على المدينة، اعتقل الحوثيون عشرات الأكاديميين والطلاب الإعلاميين في جامعة الحديدة، منهم من أُفرج عنهم لاحقًا ومنهم من لا يزلون معتقلين حتى الآن بحجج ومبررات واهية.
انعدام الحريات
تتميز الصحافة بوجود فضاء حر لها وإذا ما فقدت هذا الفضاء فإنها تفقد الكثير من العوامل المهمة للعمل الصحفي، إلا أن الكثير من الانتهاكات تتعرض لها الحريات الصحفية في اليمن كل يوم، فمنذ اندلاع الحرب تفوق الألف وأربعمائة حالة انتهاك بمختلف أنماطها، بدءً بالقتل والشروع به والاعتداء والاختطاف والاحتجاز وغيرها الكثير من الانتهاكات.
أحد خريجي كلية الإعلام بجامعة صنعاء اعتذر عن ذكر اسمه يقول إن الكتّاب والصحفيين يدفعون ثمناً باهضاً مقابل تصريحاتهم وكلماتهم التي لا تتوافق مع سياسة السلطة الحاكمة في صنعاء، ولطالما كان هذا الموضوع مؤلماً ويحمل له الكثير من البكاء والنحيب على مستقبل تركه الشباب إرضاءً لسياسة جماعة لا تؤمن بغير الموت، فحينما نتحدث عن الحريات الصحفية فإننا نتحدث عن شيء منعدم.
في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" يقول :"الصحفيين الذين تعرضوا للأذى في صنعاء والحديدة، البعض منهم غادر البلاد إلى المنفى، والبعض الآخر غادر مهنة الصحافة أو بالأصح تخلى عنها واتجه نحو الأدب، والبعض انخرط مع الجماعة للعمل معها دون مبدأ صحفي أو أخلاق مهنية".
ويضيف: "شارع المطاعم في صنعاء ممتلئ بالعشرات من الصحفيين العاطلين الذين يتعايشون مع أوجاعهم ومع الوقت، بصمت مريب وحزن لا نهاية له".
نبيل الأسيدي رئيس لجنة التدريب والتأهيل في نقابة الصحفيين اليمنيين يقول أن الانخراط للعمل ضمن جماعة الحوثي، حالة فرضتها الحرب والأوضاع السياسية والاقتصادية والحالة المفرطة في الانتهاكات للحريات الصحفية، وهو الأمر ذاته الذي جعل بعض طلاب الإعلام ينخرطون مع هذه الجماعة كما يعد أمراً منافياً لكل القيم الصحفية.
في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" يقول أن :"من 60 إلى 70% من الانتهاكات التي طالت الصحفيين في اليمن مارستها جماعة الحوثي ووصلت إلى النقابة العديد من البلاغات لانتهاكات تعرض لها طلاب الإعلام في صنعاء والحديدة"، ويضيف: "أصبح الصحفيون اليوم في مناطق سيطرة الحوثيين لا يبحثون عن الحريات الصحفية بقدر ما يبحثون عن حقهم في الحياة والعيش الكريم".
انقسام
انقسم طلاب وخريجو أقسام وكليات الإعلام في مناطق سيطرة الحوثيين إلى فرق كثيرة، نتاج الظروف الحالية وأجواء القمع الذي يمارسه الحوثيون ضدهم وإلغاء المجال العمومي لهم وإسكات أصواتهم المعارضة.
الكاتب الصحفي محمد دبوان المياحي يقول أن الإعلاميين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين، انقسموا إلى أربع فرق، الفرقة الأولى استمالتهم جماعة الحوثي، والثانية ذهبت لممارسة النشاطات الاجتماعية والبعيدة عن الواقع السياسي، والثالثة تنبذ الجماعة وهي الأكثر تضرراً حيث سقطوا في فخ الإحباط، والرابعة جماعة تمكنت من التكيف مع الواقع، يؤمنّون حياتهم ولا يتماهون مع عمل الجماعة.
في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" يقول: "كثير من الشباب الذين ينبذون جماعة الحوثي وتوجههم، سقطوا في فخ الإحباط والشعور بتلاشي الأمل وهؤلاء هم الأكثر تضرراً"، يضيف فيقول: "مع كل السوء الحاصل هنا فهذا الوضع يظل وضعاً شاذاً وبإمكان الإنسان في أشد الظروف قساوة أن يشكل سياجات حول ذاته تمنعه من التماهي مع الجماعة وتمنعه من المآلات السيئة".
من جانبه يقول أحد الكتاب الشباب لـ"المصدر أونلاين" إن :"الصحفيين يعيشون تحت ضغوط كبيرة لتقييد الحريات وبالتالي فإما أن يخضع الصحفي للحوثيين ويؤمّن لقمة عيشه، أو يلتزم الصمت، وفي الصمت يموت جوعاً ويموت أخلاقيا وسياسياً وصحفياً، ولا يعود لوجوده أي معنى أو قيمة".
وتعتبر المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون من أخطر بيئات العمل الصحفي، فقد زُج بالعشرات من صحفييها في السجون، فيما تجسّد قصة الصحفي توفيق المنصوري ورفاقه مثالاً للوحشية التي تعرضت لها الصحافة، فالمنصوري محتجز في سجن المخابرات بصنعاء منذ يونيو/حزيران 2015 ويواجه هو و3 من زملائه (عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، وحارث حميد) حكماً بالإعدام على خلفية عملهم الصحفي، ولم يفرج عنهم حتى الآن.