«صحفيات بلا قيود» ترصد (85) حالة انتهاك تعرض لها الصحفيون خلال العام 2022، تضمنت حالات قتل، ومحاولات اغتيال، وعمليات اعتقال تعسفي، وتعذيب، وإخفاء قسري، واختطافات، وتهديدات، ومحاكمات، وتحريض وتشهير وإيقاف عن العمل، ومنع للصحفيين المعتقلين من الرعاية الصحية.
بعد سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء في العام 2014، قامت بعملية تجريف واسعة للحريات الإعلامية، حتى صار من العبث الحديث عن حالة الحريات الصحفية بلغة الأرقام خلال الأعوام اللاحقة لهذا الحدث المحوري في حياة اليمنيين؛ ذلك أن الرقم الحقيقي للمؤسسات الإعلامية الخاصة والحزبية، العاملة في اليمن، المهتمة بالشأن العام، صار مساويا للصفر، وبالتالي؛ فإن الحديث بلغة الأرقام عن الانتهاكات التي تطال العمل الصحفي والإعلامي سيكون حديثا مخادعا ومضللا.
ومع ذلك، فقد رصدت منظمة «صحفيات بلا قيود» (1587) حالة انتهاك تعرضت لها الحريات الصحفية منذ العام 2014، وبالطبع فهذه الانتهاكات المرصودة لا تتعلق بحالة الحريات العامة، التي تضاءل هامشها إلى درجة الصفر، تتعلق بالحق في الحياة والأمن والتنقل والصحة، بين الحالات المرصودة (51) حالة قتل، إضافة إلى الإغلاق التام لوسائل الإعلام الحزبية والخاصة، والمنع من النشر ونهب المعدات الخاصة، وتسخير وسائل الإعلام العامة لخدمة "الطائفة الحاكمة" في ظل غياب كامل لأي تحقيق أو محاسبة عن تلك الجرائم، إذ يحتفظ المنتهكون بمواقعهم في السلطة التي استولوا عليها بالقوة منذ ذلك الحين.
قالت «صحفيات بلا قيود» أنه طوال العقود خمسة الماضية، لم نشهد أي عملية تحقيق أو محاسبة لمرتكبي الجرائم بحق الصحفيين، كما لم يتم تقديم أي مجرم للعدالة، الأمر الذي شجع على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الصحفيين وعزز من سياسة الإفلات من العقاب، معبرة عن أسفها لهذا العجز المخزي من قبل المجتمع الدولي في مواجهة معضلة الإفلات من العقاب، مؤكدة في الوقت نفسه على ضرورة محاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات حتى ينالوا جزاءهم الرادع، كونها جرائم لا تسقط بالتقادم.
خلال العام 2022، ذكرت «صحفيات بلا قيود»، في تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية، أنها رصدت (85) حالة انتهاك تعرض لها الصحفيون، تضمنت حالات قتل، ومحاولات اغتيال، وعمليات اعتقال تعسفي، وتعذيب، وإخفاء قسري، واختطافات، وتهديدات، ومحاكمات، وتحريض وتشهير وإيقاف عن العمل، ومنع للصحفيين المعتقلين من الرعاية الصحية.
سجلت «صحفيات بلا قيود» حالتا قتل ضحاياها صحفيان خلال العام 2022 وهما: المصور الصحفي فواز الوافي الذي وجد مقتولا داخل سيارته وعليه آثار طعن، والصحفي صابر الحيدري الذي قتل بتفجير إرهابي استهدف سيارته بمديرية المنصورة في محافظة عدن.
وقالت المنظمة، ان مقتل الصحفيان مثل صدمة إضافية في مسلسل استمرار استهدف الصحفيين عبر التفجيرات الإرهابية بعد مقتل الصحفية رشا الحرازي وجنينها وإصابة زوجها محمود العتمي العام الماضي في مدينة عدن في تفجير إرهابي استهدف سيارتهما.
تعذيب الصحفيين المختطفين
قالت «صحفيات بلا قيود» أنه ما يزال هناك صحفيين مختطفين لدى مليشيا الحوثي، يتعرضون للتعذيب ويعانون أوضاعا صحية بالغة الخطورة، ويمنع عنهم الزيارة والرعاية الصحية وهم: (أكرم الوليدي، توفيق المنصوري، حارث حميد، عبد الخالق عمران، محمد عبده الصلاحي، محمد علي الجنيد، نبيل السداوي، وحيد الصوفي -مخفي قسرا) وما يزال الصحفي محمد المقري، مخفيا لدى تنظيم القاعدة بحضرموت منذ اكتوبر 2015، والإعلامي أحمد ماهر مختطفا لدى قوات الحزام الأمني، التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، إضافة إلى استمرار محاكمة الصحفي سلطان قطران الذي أفرجت عنه المحكمة الجزائية التابعة لمليشيا الحوثي بضمانة عدم مغادرة صنعاء، وحضور جلسات المحاكمة، وبالطبع فإن إجراءات المحاكمة تفتقر للحياد.
يواجه أربعة من الصحفيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي أحكاما بالإعدام وهم (أكرم الوليدي، توفيق المنصوري، حارث حميد، عبد الخالق عمران) في خطوة ترفضها منظمة «صحفيات بلا قيود» وتعدها أحكاما باطلة، صادرة من غير ذي ولاية قانونية، وتجدد «صحفيات بلا قيود» مطالبتها بسرعة إطلاق سراحهم مع بقية الصحفيين المختطفين.
في 21 سبتمبر/ أيلول 2015، اختطف الحوثيون نبيل السداوي، وهو صحفي ومهندس يعمل في وكالة سبأ الرسمية للأنباء، أخفوا مصيره عن ذويه، حتى يوليو/ تموز من العام 2019، ثم وجهوا له تهمة التخابر مع التحالف، وحكموا عليه بالسجن ثمان سنوات.
في أغسطس 2022، سجلت «صحفيات بلا قيود» جريمة تعذيب وحشي تعرض لها الصحفيون المختطفون في سجون مليشيا الحوثي، حيث تعرض الصحفي توفيق المنصوري واثنين من زملائه الصحفيين هما، عبد الخالق عمران وحارث حميد، تعرضوا للتعذيب، من قبل عبد القادر المرتضى (رئيس لجنة الأسرى التابعة لمليشيا الحوثي) وشقيقه أبو شهاب، واستمر التعذيب والإخفاء القسري دون أن يُسمح بمعرفة مصيرهم حتى لزملائهم الذين كانوا معهم في الزنازين الجماعية.
في 5 سبتمبر 2022، سجلت «صحفيات بلا قيود» جريمة تعذيب جسدي ونفسي تعرض لها الصحفي أحمد ماهر، المختطف لدى مليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث ظهر في مقطع فيديو مجبرا على الإدلاء باعترافات مفبركة تحت التعذيب، وتبدو عليه آثار التعذيب من قبل مليشيا الانتقالي.
ترى منظمة «صحفيات بلا قيود» ان ما تعرض الصحفي أحمد ماهر من قبل مليشيا المجلس الانتقالي جريمة مكتملة الأركان، وانتهاكا صارخا للدستور اليمني، وكافة القوانين والمواثيق الدولية، وتؤكد المنظمة أن تلك التسجيلات لا تدين سوى سجانيه.
إن «صحفيات بلا قيود» تستهجن تلك الممارسات غير الإنسانية بحق الصحفيين المختطفين في سجون مليشيا "الحوثي والانتقالي" والتي تتنافى مع المعاهدات والمواثيق الدولية، وتجدد مطالبتها بسرعة إطلاق سراحهم مع بقية الصحفيين المختطفين، وتؤكد أن ما يحدث للصحفيين المختطفين من اعتداءات يعد جريمة بحق الإنسانية وانتهاكا صارخا للدستور اليمني والقانون الدولي.
محاكمات حضرموت
تعرض عدد من الصحفيين للتنكيل على يد سلطات محافظة حضرموت، مؤخرا صدر حكم قضائي ببراءة كل من عبدالله بكير، وهالة باضاوي، بعد مشوار طويل من التنكيل والإخفاء القسري وتدمير السمعة، كما تسببت سلطات حضرموت بتهجير صحفيين آخرين، منهم محمد اليزيدي مراسل قناة بلقيس سابقا، وصبري بن مخاشن، الذي تجري محاكمته حاليا بشكل غيابي. اعتقلت هالة باضاوي من قبل سلطات حضرموت في يناير 2021، وأخفيت قسرا في سجن الاستخبارات العسكرية بالمنطقة العسكرية الثانية، تعرضت للتعذيب في اليوم الثالث لاعتقالها، إضافة لحملة تشهير عبر إذاعة المكلا، ثم نقلت للعلاج في السجن المركزي، وأفرج عنها بالضمان في شهر أبريل في العام التالي 2022، واستمرت محاكمتها طيلة العام الماضي حتى قررت المحكمة براءتها في ديسمبر الماضي.
في شهر مايو2020، اعتقلت الأجهزة الأمنية الصحفي عبدالله بكير، وهو صحفي في المكتب الإعلامي لمحافظ حضرموت، ساءت حالته الصحية ونقل للمشفى مرتين، وأفرج عنه في أبريل في العام التالي2021، بالتزامن مع شهر رمضان، واستمرت محاكمته حتى برأته المحكمة في شهر ديسمبر الماضي2022.
مدونة السلوك.. قيود اضافية
في 7 نوفمبر2022، أقرت مليشيا الحوثي "مدونة السلوك الوظيفي"، لتنفيذها على موظفي الدولة في مناطق سيطرتهم، والتي تتضمن في طياتها نصوصا تقوض الحريات الإعلامية والعمل الصحفي كما جاء في الفصل الرابع والذي حوى قسما خاصا حول " ضوابط التعامل مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي".
على سبيل المثال، فإن المدونة تتضمن فقرات أنه على الموظفين الحكوميين “عـدم الإدلاء لوسائل الإعلام والنشر في وسـائل التواصـل الاجتماعي، بـ أي معلومـات، أو تقديم أي وثائق، أو مستندات، أو التعليق، أو التصريح، أو المداخلة في أي مواضيع خاصة ذات علاقة بوحدات الخدمة العامة وتخالف التوجيـه العـام والمصلحة العليا للدولة"، وهذا يتنافى مع الحق في الحصول على المعلومات الذي منه الدستور ونظمه قانون حق الحصول على المعلومات. وكذلك تضمنت مدونة السلوك الوظيفي نصا يلزم الموظفين بـ "عـدم إصـدار، أو نشر بيانات، أو خطابات، أو مـواد، أو معلومـات تتعـارض مـع تعاليم وقيم الإسلام، أو تناهض السياسـة العامـة للدولـة وتتعارض مـع النظـام العـام"، وبالطبع فإن الدولة المقصودة في هذا النص، هي السلطة السياسية لمليشيا الحوثي التي سيطرت على الحكم بالقوة، وتفرض الآن على موظفي الدولة نصوصا تمنعهم حتى من إبداء الرأي أو معارضتها، وتساوي بين قدسية قيم الإسلام وبين سياستها العامة في نص واحد!
في هذا السياق فان منظمة «صحفيات بلا قيود» تحذر من سن أية قوانين أو تشريعات من شأنها تقويض حرية الرأي والتعبير وتفرض قيود إضافية على حرية الصحافة وتضع العراقيل أمام العمل الصحفي والإعلامي.
ترى «صحفيات بلا قيود» أن مدونة السلوك الوظيفي التي فرضتها مليشيا الحوثي على موظفي الخدمة المدنية تخالف دستور الجمهورية اليمنية وتتناقض مع قانون الخدمة المدنية ومع المواثيق والمعاهدات الدولية.
إيقاف رواتب الإعلاميين
قالت «صحفيات بلا قيود» إن الصحفيين يعانون من أوضاع معيشية واقتصادية في غاية الصعوبة خصوصا مع الإجراءات التعسفية التي تطالهم بداية من قطع الحوثيين لمرتباتهم، وإرغامهم مع بقية موظفي الدولة على العمل بنظام السخرة، وانتهاء بتخلي الحكومة المعترف بها دوليا عن واجباتها الدستورية والاخلاقية ورفضها صرف رواتب العاملين في المؤسسات الرسمية في المناطق التي لا تخضع لسيطرتها.
وعبرت المنظمة، عن تضامنها الكامل والمطلق مع الصحفيين، داعية الحكومة المعترف بها دوليا للقيام بواجباتها الدستورية والأخلاقية بصرف مرتبات كل العاملين في وسائل الإعلام الرسمية دون استثناء.
في المقابل أشارت «صحفيات بلا قيود» إلى أن الغالبية العظمى من موظفي وزارة الإعلام ووكالة سبأ للأنباء والإذاعة والتلفزيون والصحف الرسمية التابعة للدولة، وهم بالآلاف، قد فقدوا وظائفهم أو أرغموا على العمل، وفق السياسة التحريرية المفروضة من قبل مليشيا الحوثي، بدون أجر، بنظام أقرب لنظام السخرة، مقابل الحصول على مساعدات المنظمات الإنسانية الدولية.
إغلاق بقية المؤسسات الإعلامية
على هامش الحرب وغياب الحريات العامة، لجأ بعض العاملين في قطاع الاعلام لإنشاء إذاعات محلية لا تبدي أي آراء سياسية، غير أن الحوثيين في العام 2017 ابتكروا لائحة غير قانونية تشترط حصول هذه المؤسسات على تصاريح من وزارة الإعلام، ودفع مبالغ مالية مقابل هذه التصريحات، إضافة للتدخل في خارطتها البرامجية، وفي يناير من العام الماضي قاموا بإغلاق ست إذاعات محلية بذريعة عدم الحصول على ترخيص من وزارة الإعلام، وقالت نقابة الصحفيين إن الإذاعات التي أغلقها الحوثيون هي إذاعة صوت اليمن، جراند أف أم، الأولى، طفولة مجتمعية، الديوان، ودلتا.
نشرت إذاعة صوت اليمن مقاطع فيديو لعملية الاقتحام التي تعرضت لها، وفيها مشاهد لجنود يعبثون بالمعدات وآخرين يحاولون تغطية كمرات المراقبة.
لاحقا حصلت إذاعة صوت اليمن على حكمين قضائيين للسماح لها بالعودة للعمل وإلزام وزارة الإعلام بإعادة المعدات المنهوبة وإصدار الترخيص، غير أن الإذاعة ماتزال مغلقة حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
استخرجت بقية الإذاعات المحلية المذكورة التراخيص ودفعت الرسوم غير القانونية، والتزمت ببث برامج يفرضها عليها الحوثيون متعلقة بالتعبئة العامة وتوجيه الجمهور نحو الحرب.
مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الجديد
على هامش أحداث الحرب، نشأت خلال السنوات الماضية أصوات جديدة تمكنت من استثمار فرص الوصول إلى الجمهور من خلال وسائل الإعلام غير التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي، ينطلق بعضها من الخارج، فيما يعيش البعض الآخر داخل مناطق سيطرة أطراف الصراع.
لا تلتزم هذه الأصوات بميثاق العمل الصحفي، وفي غالب الأوقات لا تقدم خطابا ناضجا، لكنها على كل حال تمارس حقا قانونيا متمثلا في حرية الرأي والتعبير.
تعرض الكثير من نشطاء وسائل الإعلام غير التقليدية لأشكال مختلفة من الاستهداف من قبل مليشيا الحوثي، بهدف تجنيدهم أو إسكاتهم، منها السجن، والإخضاع لمحاضرات طائفية، والتحريض عبر وسائل الإعلام، والتهديد بتلفيق القضايا والمحاكمات.
المؤشرات:
- استهداف الصحفيين عبر التفجيرات الإرهابية
- استمرار التضييق على الحريات الصحفية
- تعاملت القوى المتنازعة دون استثناء بعدائية مطلقة تجاه الصحفيين بشكل خاص والحريات الصحفية على وجه العموم
- تعامل مليشيا
الحوثي والانتقالي مع الصحفيين المختطفين في سجونها بطريقة غير إنسانية والقيام بتعذيبهم الجسدي والنفسي.
- تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية للصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي بسبب توقف صرف الرواتب وتضييق فرص العمل عليهم.
التوصيات:
- الإفراج الفوري عن الصحفيين والإعلاميين الذين تم اعتقالهم بشكل تعسفي
- التوقف عن ملاحقة الصحفيين وعدم مضايقتهم أثناء أدائهم لواجبهم المهني
- توفير الحماية اللازمة للصحفيين والإعلاميين للقيام بواجبهم المهني
- التحقيق في كافة قضايا انتهاكات ضد الصحفيين والحريات الصحفية
- معاقبة الجهات والأفراد الذين قاموا بانتهاكات ضد الصحفيين
- تجنيب الصحفيين والإعلاميين الذين يقومون بتغطية النزاعات المسلحة، وحمايتهم من جميع أشكال الاستهداف والاعتداء
- عدم تسيس القضاء واستخدامه كورقة في محاكمة الصحفيين
- إيقاف كافة الأحكام الجائرة بحق الصحفيين والمتعلقة في ممارستهم المهنية
- احترام المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحماية حرية الراي والتعبير
- إطلاق رواتب كافة الإعلاميين والعاملين في المؤسسات الإعلامية وتحسين أوضاعهم.
- دعوة المجتمع الدولي وعلى رأسهم الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للصحفيين إلى بذل جهود واضحة وملموسة للضغط على كافة الأطراف للإفراج عن الصحفيين المختطفين والتضامن مع الحريات الإعلامية وتقديم الدعم للمؤسسات الإعلامية.
- مطالبة المؤسسات الإعلامية بتوفير أدوات السلامة المهنية لمراسيلها الميدانيين والعمل على تدريب العاملين فيها في مجال السلامة المهنية.
لقراءة وتحميل التقرير كاملا اضغط على Download WJWC_press_freedom_report2022