كشفت دراسة حديثة عن حجم التأثير الذي تحدثه منصات التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام في اليمن، على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، بعد أن كسرت هذه الوسائل الجديدة حواجز العزلة
، وتحولت الى أدوات للتعبير عن الآراء والتواصل مع القيادات السياسية والمجتمعية في اليمن.
وأظهرت نتائج الدراسة التي نفذتها (مؤسسة منصة للإعلام والدراسات التنموية)، أن منصات التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير ومباشر في تشكيل التوجهات العامة لليمنيين، وتعزيز الوعي السياسي والاجتماعي لديهم، سواء عبر إنشاء آلاف الصفحات والمجموعات في هذه الوسائل، أو إطلاق «هاشتاغات» كحملات ضغط منظمة في قضايا عدة، تمكنت في النهاية من خلق وتشكيل رأي عام.
وبينت الدراسة التي أعدها الصحفيان اليمنيان أشرف الريفي وعادل عبدالمغني، أن اليمنيين يقضون أوقاتاً طويلة في تصفح ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي، تتجاوز في ذروتها 6 ساعات في اليوم الواحد، على الرغم من معوقات الاستخدام كبطء خدمة الإنترنت، وانعدام الكهرباء، فضلاً عن أسباب اقتصادية وقيود سياسية أخرى.
وهدفت الدراسة - التي أجرت استبياناً إلكترونياً شارك فيه 300 شخص من مختلف شرائح المجتمع اليمني – الى تشخيص مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام في اليمن، ودورها في تشكيل حملات الضغط لتغيير المواقف والسياسيات إزاء قضايا عامة، ومعرفة المنصات الإلكترونية الأكثر استخداماً ومتابعة في اليمن، وكذا أبرز معوقات هذا الاستخدام بالنسبة لليمنيين.
وكشفت الدراسة التي استمرت شهراً كاملاً بين 22 مايو و 22 يونيو 2017 أن موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» يأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لاهتمامات واستخدام اليمنيين، بنسبة (٩٨٫٧٪) حسب ترتيب المشاركين في الدراسة، فيما حل «واتساب» في المرتبة الثانية في اهتمامات اليمنيين، بنسبة (٩٢٫٧٪) يليه موقع «تويتر» ثالثاً بنسبة (59%) ومن ثم قناة «تيليجرام» رابعاً بنسبة (45٫7%) وقناة «يوتيوب» خامساً بنسبة (38٫3%) وتطبيق «انستجرام» سادساً بنسبة (34%) ومن ثم «المدونة» في المركز السابع والأخير، بنسبة (15٫3%) من المشاركين في الاستبيان.
وبينت الدراسة أن (95.6%) من اليمنيين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات، وإن بأوقات متفاوتة، حيث قال (63%) من اليمنيين إنهم يعتمدون عليها "أحياناً"، و(18٫4%) يعتمد عليها "دائماً"، و(14٫3%) يعتمد عليها "نادراً"، بينما قال (4٫3%) من المشاركين في استبيان الدراسة بــأنهم لا يعتمدون عليها "مطلقاً".
واعتبر (67٫7%) من المشاركين في الدراسة أن هذه الوسائل أحدثت تغييرات سياسية واجتماعية وثقافية، فيما قال (88٫7%) من المشاركين إن المنصات الإلكترونية مثلت وسائل فاعلة لتناول القضايا الجريئة. وأوضحت الدراسة أن (79،4%) من مستخدمي المنصات الإلكترونية في اليمن يستخدمونها كوسائل للتواصل مع القيادات السياسية والاجتماعية الرفيعة في اليمن.
كما اعتبر (59٫3%) من المشاركين أن هذه الوسائل مثلت منصات حرية جديدة، بينما اعتبر (35٫7%) أنها تمثل منصات حرية إلى "حد ما"، وقال (5%) من المشاركين في استبيان الدراسة إنها لا تمثل منصات حرية لهم، وهو ما يعني أنه لايزال هناك قيود أو عوائق أمام استخدام هذه الوسائل كمنصات للتعبير عن الآراء بحرية، وقد يكون لممارسات سلطات الأمر الواقع والجماعات المسلحة المختلفة القمعية، دور في إخافة الناس من التعبير عن آرائهم بحرية.
وعن الأداة المستخدمة للدخول وتصفح منصات التواصل الاجتماعي، أظهرت الدراسة أن (95٫7%) من اليمنيين يستخدمون التلفون المحمول في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ليحل في المرتبة الأولى من بين الأدوات الإلكترونية التي يتم التصفح عبرها، فيما حل الكمبيوتر في المرتبة الثانية بنسبة (59٫3%) وجاءت الأجهزة اللوحية في المرتبة الثالثة بنسبة (11٫7%) وفقاً للمشاركين في استبيان الدراسة الذي أجاز لهم اختيار أكثر من أداة في الإجابة على هذا السؤال، ما يعني أن هناك من يستخدم التلفون المحمول وأجهزة الكمبيوتر لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات مختلفة.
وبحسب الدراسة فإن (97%) من اليمنيين الذين يمتلكون حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، يرون أن هذه المنصات الجديدة تلعب دوراً في عملية الاستقطاب السياسي، ويؤمن (58٫7%) منهم بتأثير حملات الضغط الجماهيرية في وسائل التواصل الاجتماعي، على أصحاب القرار بصورة مباشرة.
وكشفت أن (70٫3%) من اليمنيين يتصفحون وسائل التواصل الاجتماعي عبر "إنترنت الجوال"، يليها خدمة "ADSL" بنسبة (52%) ومن ثم خدمة الشبكات المنتشرة في الأحياء بنسبة (34٫3%).
معوقات
ورتب المشاركون أبرز معوقات استخدام الجمهور لوسائل التواصل الاجتماعي ببطء خدمة الإنترنت، وانعدام الكهرباء، ولأسباب اقتصادية، ووجود قيود سياسية، وهذه الأخيرة متعلقة بالحريات الإعلامية والعامة التي قمعت خلال السنوات الثلاث الماضية، والتنكيل بالإعلاميين والنشطاء السياسيين والحقوقيين على خلفية التعبير عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو أية وسيلة نشر جماهيرية.
وأوصت الدراسة بأهمية تسهيل وتطوير خدمات الإنترنت وتوسيعها بشكل واسع في مختلف مناطق اليمن، وكسر احتكار خدمة الإنترنت في اليمن وإخضاعه للمنافسة التي يستفيد منها المستخدم العادي، وبما يحسن من جودة الخدمة وانتشارها في نطاق أوسع.
وشددت على ضرورة التوعية والتثقيف بالطرق المثلى لاستخدام هذه الوسائل، وبقيم ومبادئ النشر الصحيحة والمهنية لدعم الحقيقة والمعلومات المؤكدة، وبما يسهم في تحسين جودة مضمون ما تتناوله هذه المنصات الاجتماعية، بهدف كسب ثقة الجمهور، مؤكدة على أهمية تدريب الناشطين والشباب على الطرق الفاعلة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وحثت الدراسة على تشجيع قيم وروح الحوار التي أتاحتها هذه الوسائل، بما يعزز التعددية والتنوع في المجتمع، والقبول بالآخر.
وأوصت الناشطين الإعلاميين والحقوقيين والسياسيين والمجتمعيين بنبذ لغة الكراهية والتحريض، وتعزيز قيم التسامح والتعايش والاختلاف في ما ينشرونه في هذه الوسائل الإلكترونية. مشددة على أهمية تعزيز قدرات الناشطين والفاعلين في هذه الوسائل، لتبني قضايا المجتمع، وتشكيل حملات ضغط فاعلة وإيجابية تجاه قرارات وتصرفات الجهات الحكومية والقيادات السياسية والمجتمعية والهيئات العاملة في الشأن العام.
وثمنت الدراسة ما تمثله هذه الوسائل من منصات للتعبير عن الرأي ومحاربة الفساد، وما تقوم به من دور رقابي على تصرفات وعمل الهيئات والمؤسسات الحكومية والعامة والخاصة المرتبطة بخدمات وقضايا الناس.
وحثت على ضرورة تطوير البيئة القانونية والتشريعية لاستخدام الإنترنت في اليمن، بما يسهم في تسهيل عمل وسائل الإعلام الإلكترونية من مواقع إلكترونية وإذاعات عبر الإنترنت، والميديا الجديدة بكل أنواعها.
كما أوصت الدراسة بتشجيع وسائل الإعلام الموقوفة أو المحجوبة لاستخدام هذه الوسائل للوصول إلى الجمهور، وكسر حالة الحصار والإيقاف المفروضة عليها، والإسهام في تحسين جودة النشر الإلكتروني.