العاصمة أونلاين - الصحفي يوسف عجلان، كان يرقب السلام أن يحل على وطنه كي يستأنف عمله الذي تنحى عنه بعد اجتياح مليشيا الانقلاب العاصمة صنعاء، وسيطرتها على جميع المؤسسات الحكومية وأغلقت ونهبت وسائل الإعلام المخالفة لها.
ظل الصحفي عجلان، يرقب بصمت يفتت الصخر من القهر عودة زملائه الصحفيين الذين غيبتهم السجون منذ عام ونصف في الوقت الذي أراد الله ليوسف أن يلحق بركب الباحثين عن ثقوب في جدار العتمة لإخراج الحقيقة.
بدأت ساعات الامتحان الصعب وكان يوسف، لا يعلم كم ستستمر هذه الساعات الثقال كأوزان الجبال كانت بداية الرحلة في عالم الابتلاء المر عند الساعة السابعة والنصف مساء بتوقيت العاصمة صنعاء مساء الـ 13 من أكتوبر 2016م عندما اعترضه مسلحون يتسترون وراء اللثام الأسود وتعلوهم الوحشية وانعدمت من أرواحهم الإنسانية فهم شياطين بصورة بشر.
استوقفت عناصر الحوثي المسلحة سيارته التاكسي عندما كان يتهيأ للذهاب إلي بيت أصهاره بجوار منزله في شارع القاهرة وسط العاصمة صنعاء، منتظرا خروج زوجته وطفلته.
كانت لحظات تفصل يوسف، عن المصير المجهول الذي لم يمهله حتى أن يوصل بزوجته إلى بيت أبيها، عندما اعترضته أطقم عليه 9 مسلحين بلباس عسكري مختلف عن بعضه وأشهروا أسلحتهم في وجهه وطلبوا بطاقته الشخصية وصعد ثلاثة منهم سيارته وأجبروه بقوة السلاح على الصعود إلى سيارتهم واقتادوه إلى قسم الحميري القريب من المنزل.
لحظات كانت غير معلومة الملامح توالت الأسئلة كسيل هادر كلها تبحث عن إجابة واحده ما هو المصير الذي ينتظر الشاب في ظل سلطة مليشيات لا تعرف إلا لغة السلاح والموت عنوانًا.
جال في خاطر يوسف قليل من التفاؤل على أمل أن من أمامه هم بشر يخافون ولهم أهل يخافون عليهم لكن خاب ظنه عندما طلب من القسم أن يجري اتصالا بزوجته ليخبرها ألا تغادر المنزل حتى عودته التي يظن أنها قريبه وأن غيابه لن يطول لكن فاشية السجان كانت الغالبة ورفض طلبة.
كانت التساؤلات لا ترحم عقل يوسف، الذي لم يستوعب- بعد- ماذا جرى وعاد للحوار الذي حال أن يقطع به الثواني الثقيلة حتي يتبين له مصيره وظل في القسم حتى الـ12 منتصف الليل.
البحث الجنائي
بدأت إجابات التساؤلات من المجهول تظهر عندما أتى مسلحان يتبعان المليشيات الانقلابية وقاموا بتصويره بهواتفهم الخاصة ليتم نقله إلى البحث الجنائي على متن سيارة تاكسي.
نقل الصحفي يوسف عجلان إلى البحث الجنائي وأودع في ما يسمى (الحوش القديم) كان جميع من فيه متهمين جنائيا أمضى ليلته فيه يفترش الأرض ويلتحف السماء تحت برد قارس، كانت تلك الليلة تصادف الـ 14 أكتوبر للعام 2016م وعند الخامسة عصرا قامت عناصر المليشيات بتقييد يديه وإغلاق عينيه برباط (الشال) واقتادوه إلى غرفة التحقيق.
استخدم المحقق مع يوسف، كل الألفاظ البذيئة وقام بضربه واستمر أول تحقيق 5 ساعات، بعدها إلى زنزانة انفرادية تتساقط منها الصراصير كزخات مطر.
وفي اليوم الثاني من رحلة الامتحان الصعب استدعوه للتحقيق مرة ثانية وأجبروه وهو مربط العينين على التبصيم على ورق لا يعلم ما كتب بداخلها.
وبعد مرور 6 أيام دون ملابس أو فرش أو بطانية أو أكل وتعذيب واستفزاز وتعذيب نفسي وجسدي سمح لأهله بمعرفة مكانه والسماح بإدخال الملابس والأكل، وتم نقله إلى زنزانة أخرى وحوش أخر يسمى بالمخفي.
وبعد مرور عشرة أيام قامت مليشيا الظلم والظلام بالتحقيق مع يوسف وتعذيبه واستخدموا معه طريقة تسمى (الشواية) وهي إحدى طرق التعذيب للاعتراف على أشياء لا يعلمها، وبعد بثلاثة أيام تم التحقيق مرة أخرى وبصموه على ورق لا يعلم ما بداخلها للمرة الثانية.
وفي اليوم الـ 24 من الاختطاف والتعذيب والإخفاء القسري حُقق مع يوسف المرة الأخيرة في سجن البحث الجنائي حيث ظل واقفا لمدة 7 ساعات والتعذيب من قبل خمسة أشخاص في محاولة لإجباره على الاعتراف بأشياء لا يعلمها وتم تصويره ثلاث مرات وهو يحمل لافتة كتب في كل مرة منها إتهام مختلف له.
كانت الأفكار تراود يوسف بأن البحث الجنائي المحطة الأخيرة وأنه سيعود قريبًا إلى بيته لأنهم لم يجدوا شيء يدينه سوى حبه لوطنه.
وبدأ فصل جديد من امتحان مختلف وأسئلة أنهكت يوسف وضاعفت عذاباته عندها نُقل في اليوم الـ 26 إلى احتياطي الثورة مع 15 مختطف كانوا معه في نفس المحنه ونفس التهمة ظل هناك ثلاثة أسابيع حتى سمح لأهله بزيارته وكانت المرة الأولى منذ اختطافه.
75 يومًا مرت على يوسف في الجنائي واحتياطي الثورة كأنه ألف عام إلا خمسين كلها تعذيب وجوع وبرد بين يدي أشباه البشر ليتم نقله إلى الأمن السياسي مع عشرة أخرين دون أن يأخذوا ملابسهم أو أي شيء من حاجياتهم المتوفرة لديهم ولم يعرفوا أنهم هناك إلا بعد أيام.
كانت جدران زنازين الأمن السياسي تتصدع من ألم من يرزحون خلفها وكأنها تخبرهم أنها مثلهم أجبرت على المشاهدة بصمت.
يوسف عجلان مثله مثل غيرة يتجرع قسوة الإخفاء القسري، والتعذيب النفسي.
استخدمت مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، مع يوسف كل أساليب التعذيب واستمروا في التحقيق معه ليوهموه أنه من سيفرج عنه ويأخذون بصماته على أوراق مرة أخرى ويتم نقله إلى السجن المركزي ليتم التعامل معه كأنه أسير من جبهة القتال وهو اختطف من بيته وبين أولاده .
يوسف يتجرع ألم السجن والتعذيب في كفه وشوقه الذي يفتت الصخر من ألمه ليشتم ريحة ابنه الذي زرقه الله إياه وهو مختطف في سجون المليشيات كان مجيئ الطفل إبراهيم يوسف فرحًا يمتزج بالألم. يوسف الأب وإبراهيم الإبن يمثلان عنوان لرحلة الصبر والظفر ولو بعد حين.
وبعد مرور خمسة أشهر على نقل الصحفي عجلان، إلى السجن المركزي بصنعاء ولم يفرج عنه أقدمت مليشيا الحوثي والمخلوع بمداهمة السجن المركزي بالقنابل المسيلة لدموع والرصاص الحي وسقوط جرحي ليتم نقل يوسف عجلان مع 50 مختطف وإخفاؤه قسراً للمرة الرابعة دون ذنب يذكر.
لا يُعلم عن حال يوسف ولا مكانه حتى اللحظة ولكن صبرا يوسف فبين سجدة صبر وسجدة شكر آية كريمة تقول إن بعد العسر يسر.