العربي الجديد- لم يعد هناك بيئة صديقة للإعلام في اليمن. فأثناء فترة الصراع المستمر منذ أكثر من 3 سنوات تم توظيف الإعلام كأداة له، ومَن رفض العمل ضمن هذه المعادلة تم توقيفه أو اعتقاله، أو تسريحه من عمله، إذ انضمّ كثير من الصحافيين لشريحة العاطلين عن العمل،
فيما مارس بعضهم أعمالاً أخرى لكسب قوت أطفاله، فتجد بائع البلاستيك، وعامل البناء، وسائق التاكسي وبائع القات من الصحافيين السابقين، وهؤلاء يلعنون الحرب وأطرافها المختلفة، مقابل تطفل كثيرين على مهنة الصحافة داخل اليمن وفي عواصم الإقليم المختلفة، تحول الصراع بالنسبة لهم إلى فرصة دخل مغرية يتمنون استمرارها إلى الأبد.
كانت القناة الفضائية اليمنية أول مؤسسة حكومية يسيطر عليها الحوثيون عسكرياً عند دخولهم صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014. وكان ذات المبنى ضمن قائمة الأهداف الأولى التي قصفها التحالف العربي بقيادة السعودية منذ مارس/آذار 2015. أغلق الحوثيون كل مؤسسات الإعلام المعارضة لهم في مناطق سيطرتهم، وكذلك فعلت الشرعية والتحالف في مناطق سيطرتهم. وكانت نقابة الصحافيين اليمنيين أول نقابة تتعرض للاستهداف، وتم إعلان تأسيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين ككيان موازٍ لها يمثل توجهاً بلون واحد مدعوم من الحوثيين، كما تم إشهار رابطة للإعلاميين اليمنيين من الرياض على الطرف الآخر.
خلال العام 2015، قام الحوثيون باعتقال عشرات الصحافيين منهم 11 صحافياً دفعةً واحدة ملا زالوا حتى اليوم رهن الاعتقال والحرمان من العلاج وحتى من الزيارة أحياناً. وقام تنظيم "القاعدة" في حضرموت بعد سيطرته على المكلا باعتقال صحافيين اثنين أحدهما (محمد المقري) الذي انقطعت أخباره كلياً حتى اليوم ولا أحد يعلم إن كان لم يزل فعلاً على قيد الحياة أم تعرض لمصير آخر، بينما زميله في المهنة والاعتقال أنور باعويضان تم الإفراج عنه لاحقاً. وفي صنعاء لا يزال الصحافي وحيد الصوفي مختفيا قسرياً منذ 2015، ولم يعرف مكانه وحالته حتى الآن رغم كل المناشدات والتدخلات للمنظمات المحلية والدولية.
القنوات التي كانت تبث من صنعاء كـ"سهيل" و"يمن شباب" أغلقها الحوثيون. وبالمقابل، قام التحالف بالضغط على إدارة "نايل سات" لإيقاف تردد قناتي "المسيرة" التابعة للحوثيين و"اليمن اليوم" التابعة للرئيس المخلوع الراحل علي عبدالله صالح، ثم قام لاحقاً بقصف مبان تابعة للقناتين في صنعاء وصعدة، وسقط نتيجة القصف مراسلون ومصورون للقناتين، قبل أن تتعرض "اليمن اليوم" للإغلاق واعتقال كامل طاقمها (41 إعلامياً وفنياً) في ديسمبر/كانون الأول الماضي من قبل الحوثيين إبان اشتباكاتهم المسلحة مع حليفهم السابق صالح.
في ذمار، قتل الإعلاميان العيزري وقابل في 2015 في قصف للتحالف على مبنى المتحف الوطني الذي حوله الحوثيون إلى معتقل لمعارضيهم. وفي صنعاء قتل مصور قناة "المسيرة" الحوثية بقصف للتحالف على منطقة الجراف، كما قتل المخرج التلفزيوني منير الحكيمي في قصف للتحالف على منزله بصنعاء في فبراير/شباط 2016. وقتل مراسل "اليمن اليوم" في إحدى ضواحي صنعاء وهو يغطي قصفاً سابقاً للتحالف دمّر المكان الذي سقط فيه، وتحول من باحث عن الخبر إلى خبر بذاته.
وفي تعز، قتل المصور الصحافي محمد القدسي والصحافي أسامة سلام المقطري أثناء تغطية أحداث تعز في فبراير/شباط الماضي، وقبلهما قتل المصور الصحافي محمد اليمني في مايو 2016، وقُتل المصوران الصحافيان تقي الدين الحذيفي ووائل العبسي في 2017، وأواب الزبيري في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وفي كل تلك الحالات كان الحوثيون متهمين بالوقوف وراء مقتلهم.
ومنتصف 2015 توفي الصحافي فوزي الكاهلي لعدم حصوله على أوكسجين بمستشفى الثورة بصنعاء، وتوفي بعده الصحافي محمد غزوان لعدم قدرته على السفر للخارج لتلقي العلاج، وهو ما حدث أيضاً مع الصحافي عباس غالب قبل أشهر. وتوفي الصحافي بشير السيد الشهر الماضي بأعراض فيروس سارس مع انتشار الأوبئة في صنعاء وعجز ما بقي من مرافق صحية عن تقديم خدماتها بشكل يحفظ حياة من يصابون بأي مرض حتى لو كانت نسبة الشفاء منه مرتفعة جدا كما حدث لبشير الذي رفضت المستشفيات استقبال حالته حتى تدهور للغاية ولم يستمر في المستشفى الذي استقبله أكثر من ساعة من الزمن.
وأواخر العام 2015، توفيت المذيعة التلفزيونية جميلة جميل في صنعاء في ظروف غامضة، وبعدها بعام توفي الصحافي الاستقصائي محمد عبده العبسي بأعراض غامضة أيضاً، كشفت التحاليل الطبية التي أجريت في الأردن لعينة من جسده، أن وفاته حدثت نتيجة تعرض مكثف لغاز أول أوكسيد الكربون، لكن القضية أغلقت بموته، ولم تحدث أية تحقيقات لكشف ملابسات رحيله الغامض، وكيف تعرض لذلك الغاز السام.
وتم، أواخر 2015 أيضاً، اعتقال الصحافي محمود ياسين وزميله أمين الشفق لقيامهم بتنظيم حملة لإمداد مدينة تعز المحاصرة بالمياه، تعرض ياسين للتعذيب لكنه خرج بعد أسبوعين من الاعتقال، بينما قضى الشفق قرابة عامين في المعتقل.
أما الصحافي نبيل سبيع، فتعرض للاعتداء بالضرب وإطلاق الرصاص على ساقه بأحد شوارع صنعاء في يناير/كانون الثاني 2016، وبعده بأيام وقبل الكشف عن المتهمين بالاعتداء عليه تعرض زميله ورفيقه في إصدار صحيفة "الشارع" الأهلية نائف حسان للاعتداء بالضرب المبرح بهراوات غليظة أيضاً.
في إبريل/نيسان 2017، أصدرت المحكمة الجزائية بصنعاء حكماً بالإعدام على الصحافي يحيى عبدالرقيب الجبيحي مدير الإعلام برئاسة الوزراء والمدرس بكلية الإعلام بجامعة صنعاء، وكانت التهمة التخابر مع دولة خارجية، إلا أن ضغوطاً دولية أدت لإلغاء الحكم الصادر ضده، والإفراج عنه بعد أشهر من الاعتقال. ولا يزال نجله معتقلا حتى الآن.
حالات الاعتقال للصحافيين توسعت لدرجة يصعب معها ذكر جميع ضحاياها، فقد اعتقل الكاتب ماجد المذحجي مرتين، واعتقل الصحافي جلال الشرعبي، وتوفيق المنصوري وعبدالخالق عمرن، وسام الغباري وتيسير السامعي، وعابد المهذري وكامل الخوداني وهشام العميسي وعبدالله المنيفي وقائمة تطول.
في مناطق الشرعية لم يكن الأمر أفضل من مناطق سيطرة الحوثيين، فبقي رئيس تحرير مؤسسة "باكثير" للصحافة بالمكلا عوض صالح كشميم معتقلاً على ذمة انتقاده للتحالف وسياساته مع القاعدة، قبل الإفراج عنه يوم الأحد الماضي، عقب ساعات من قرار نيابة الاستئناف الجزائية المتخصصة في المكلا بالإفراج عنه وخمسة آخرين من المعتقلين، بتهم يتعلق معظمها بالتعاون مع تنظيم "القاعدة" خلال سيطرته على المكلا في عامي 2015 ـ 2016. وتعرض صحافيون بحضرموت للمنع من التغطية والتهديد على مدار السنوات الماضية، وما زال محمد المقري مختفياً منذ سيطرة القاعدة على المدينة في إبريل 2015.
في عدن، تم حرق مبنى مؤسسة "أخبار اليوم" للصحافة قبل أيام وما زال الصحافي وليد عبدالواسع يعاني من الكسور التي أصيب بها عند قفزه من نافذة مكتبه هرباً من ألسنة اللهب، ولم يحصل على الاهتمام والعلاج لحالته لا من الحكومة ولا من مالك المؤسسة، لدرجة إعلان أحد زملائه عرض إحدى كليتيه للبيع لتغطية نفقات علاجه. وكانت "أخبار اليوم" قد تعرضت للمداهمة والاستيلاء على مطبعتها الخاصة بصنعاء بعد سيطرة الحوثيين عليها. وتم بالتزامن، في عدن، إطلاق قذيفة يدوية على مقر إذاعة محلية، وتلقي الصحافي فتحي بن لزرق رئيس تحرير صحيفة وموقع "عدن الغد" لطلب حضور من البحث الجنائي، بعد تهديده أكثر من مرة على خلفية كتاباته كما نشر قبل أسابيع من مقره المؤقت بالقاهرة، وقبل أشهر قامت قوات لواء 20 بقيادة النوبي الموالي للإمارات بعدن بالاعتداء على الصحافيين هاني الجنيد وماجد الشعيبي وحسام ردمان واعتقالهم في مقرات عسكرية.
وفي تعز تم اختطاف مراسل "الجزيرة" في اليمن حمدي البكاري مطلع 2016 من مناطق خاضعة للمقاومة، وإن ألقى البكاري اتهامه على الحوثيين ولم يتطرق للتفاصيل بشكل كاف حتى بعد سفره للدوحة وإقامته فيها، وتم مؤخرًا إغلاق مكتب القناة هناك، وتعرض مراسل قناة "سكاي نيوز عربية" محمد القاضي للتهديد بالقتل والتحريض ضده أكثر من مرة آخرها الشهر الماضي. وفي مأرب أيضا تم اعتقال الصحافي محمد حسن شعب قرابة شهرين نهاية العام الماضي.
أقدمت سلطات الحوثيين على إيقاف وفصل عشرات الصحافيين بمؤسسة الثورة للصحافة ووكالة سبأ للأنباء، وما زالت تقوم بحجب كل المواقع الإخبارية التي لا تتبعها بحكم سيطرتها على مؤسسة الاتصالات وشركة يمن نت المزود الوحيد بخدمة الإنترنت في اليمن، ولم تعد أية صحيفة تصدر من صنعاء باستثناء ما تصدره الجماعة والمحسوبون عليها.
بالمقابل تستثني الشرعية كل من لا يعمل معها عند صرف المرتبات الخاصة بالإعلاميين، ويعاني من غادر اليمن من الصحافيين من أوضاع معيشية صعبة لا تفرق كثيرا عن حالة من تبقى منهم داخل اليمن، إلا أنهم يعيشون في بيئة لا تهدد حياتهم، ويمرون بهذه المعاناة لأنهم لم يعملوا بوضوح مع الشرعية والتحالف من المنفى، ولم يقبلوا العمل لصالح الحوثيين من صنعاء.
واستمرت وتطورت كل القنوات والمواقع التي تمجد قتال الآخر على الجهتين، لدرجة أن بعض الصحافيين لا يكتفون بالتحريض على خصومهم السياسيين بل يحرضون على زملائهم الصحافيين بشكل مباشر، ويقدم هؤلاء إعلاماً حربياً لا علاقة له بمبادئ المهنة الصحافية وأخلاقياتها، باستثناءات قليلة لأسماء تقوم بانتقاد الشرعية من داخلها، أو تقوم بانتقاد الحوثيين من بين صفوفهم، يصدرها غالبا القادرون على تأمين مصادر دخل غير مرتبطة بأطراف الصراع، ولهم علاقات شخصية قد توفر لهم الحماية ولو مؤقتا.
فقذائف القنوات والصحف والمواقع، تصل إلى المسامع قبل قذائف الدبابات والطائرات والصواريخ، فهي صوت الحرب قبل اندلاعه، وساحته قبل إعلانه، وهي كذلك ضحيته التي تتعرض لكل أنواع القمع والعنف ما لم تقف في صفه وتبرر جرائمه، وإن فعلت ذلك أصبحت هدفا للطرف الآخر للمعركة فيستهدفها كخصم، وتعامله كخصم أيضا، وبهذا تغيب الحقائق وتنتشر الدعاية الحربية في كل اتجاه، لتضلل الرأي العام وتجره باتجاه بوصلة واحدة ورأي واحد يكون هو الحق المطلق، وكل ما عداه باطلا، وذلك هو وضع الإعلام في اليمن خلال سنوات الحرب المستمرة حتى اللحظة.