الجزيرة نت- صنعاء تدخل الصحافة اليمنية عاما عصيبا آخر في ظل الحرب، التي دخلت عامها السابع، وانعكست سلبا على الحريات الإعلامية والمؤسسات الصحفية والعاملين في القطاع الإعلامي.
ويأتي اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف 3 مايو/أيار من كل عام، والحريات الصحفية في اليمن تعيش أسوء مراحلها منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، وفق مختصين.
وتزايدت المخاطر في بيئة تعاملت مع الصحفي كعدو وهدف يجب إسكاته لإخفاء انتهاكات المتصارعين.
في 30 ديسمبر/كانون الأول الفائت كان الصحفي أديب الجناني، مراسل قناة بلقيس الأهلية، متحمسا لتغطية مراسيم استقبال حكومة المناصفة، التي وصلت إلى مطار عدن قادمة من الرياض بدون أن يعلم أن كاميرات زملائه توثق آخر لحظات حياته
كعادته كان أديب نشطا في ذلك اليوم، يقوم بتوثيق الحدث، وآخذ التصريحات، ونقل الأجواء للقناة، وفي لحظات انتظار نزول أعضاء الحكومة من الطائرة تفاجأ الجميع بصاروخ يضرب صالة المسافرين.
كان الجميع يهرع هربا وحده أديب كان ممسكا بكاميرته، مستمرا في توثيق ما يحدث، ليسقط صاروخ آخر في المكان نفسه الذي يوجد فيه، واضعا نهاية مؤسفة لحياة صحفي عاشق لمهنته.
رحل أديب تاركا لأسرته وزملائه الحسرة والأسى، ليضاف إلى قائمة الصحفيين الذين استشهدوا أثناء تغطية الأحداث في اليمن.
ترك أديب "الشهيد رقم 39" في سجل نقابة الصحفيين اليمنيين 5 أولاد وزوجة، كان معيلهم الوحيد، في بلد لا يحظى الصحفيون فيه بالتأمين الصحي أو التأمين على الحياة؛ لتبقى معاناة أسر الصحفيين هي الشاهد الحي على مخاطر العمل الصحفي وويلاته في ظل الحرب.
إغلاق 150 وسيلة وحجب 200 موقع
ورصدت نقابة الصحفيين اليمنيين أكثر من 1400 انتهاك طال الحريات الإعلامية منذ بدء الحرب منها 39 قتيلا، فيما لا يزال هناك 10 صحفيين معتقلين لدى جماعة الحوثي، بينهم 4 صحفيين يواجهون حكما جائرا بالإعدام، ناهيك عن صحفي ما يزال معتقلا لدى تنظيم القاعدة بحضرموت في ظروف غامضة منذ 2015.
ووفق إحصائيات نقابة الصحفيين، فإن الحرب ساهمت في إغلاق وتوقف 150 وسيلة إعلام محلية، ومكاتب لوسائل إعلام خارجية، ناهيك عن حجب أكثر من 200 موقع إخباري إلكتروني محلي وخارجي.
مرحلة قاتمة
ويرى الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، أن الحريات الصحفية خلال سنوات الحرب تعد شبه منعدمة، وتعيش الصحافة اليمنية مرحلة قاتمة السواد لم تعشها من قبل.
ويقول شبيطة في حديثه للجزيرة نت إن السياسة ورجالها هي ما أوصل الوضع إلى هذه المرحلة، قائلا إن السياسيين لا يريدون من الصحفيين إلا أن يكونوا تابعين لهم، يقولون ما يشتهون وبما يحقق أهدافهم ولا يقبلون أي رأي مغاير.
وحول دور نقابة الصحفيين اليمنيين لمواجهة هذه التحديات، يقول شبيطة إن النقابة تعمل وفقا لأهدافها كمنظمة مدنية مستقلة فوق ركام من الأشواك على حد وصفه.
ويشير إلى أن النقابة تقوم بدورها المهني في ظل معوقات كثيرة منها انعدام الإمكانيات، حيث لا تملك ميزانية تشغيلية منذ 2013.
جرائم لا تسقط بالتقادم
ويقول المسؤول النقابي إن النقابة لا تعمل بما يناسب طموحهم لكون الواقع أكبر من قدرتها؛ لكنها ما تزال صامدة، وتواجه كل الظروف في سبيل الدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين.
ويضيف أنه في ظل سقوط الدولة ومؤسساتها، فإن النقابة جزء من هذا الوضع، ولا تمتلك سوى الصوت الرافض لسياسات القمع والتجويع للصحفيين، الذين يعيشون الجوع والفقر بعد أن توقفت مرتباتهم، وعجز أغلبيتهم عن إيجاد أعمال حرة بعد إيقاف وتوقف أغلبية المؤسسات والصحف والمواقع المستقلة.
ويوضح شبيطة أنهم يعملون مع كافة المنظمات والنقابات العربية والدولية لكشف الانتهاكات وتوثقيها.
وينهي شبيطة حديثه بقوله "نقول لكافة أجهزة القمع والتجويع والقتل والخطف إن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم".
تجريف للحريات
من جهته، يرى عادل عبد المغني، المدير التنفيذي لمؤسسة منصة للإعلام والدراسات التنموية، أن الحريات الصحفية تعرضت لتجريف متعمد من أطراف الحرب وبنسب مختلفة، خلقت أضرارا كبيرة لحقت بقطاع الإعلام.
ويشيد عبد المغني بنضالات الصحفيين اليمنيين، الذين تحدوا الظروف القاهرة، واستطاعوا أن ينقلوا معاناة الناس في ظل هذه المخاطر. ويطالب بالإفراج عن جميع الصحفيين المختطفين، بدون إخضاعهم للابتزاز والمقايضات في المفاوضات بين الأطراف السياسية.
على الصعيد ذاته، يقول المسؤول الإعلامي لمنظمة صحفيات بلا قيود، زكريا الحسامي، إن الحريات الصحفية تعرضت خلال الحرب لجرائم جسيمة، وشنت الأطراف المتصارعة حربا شرسة وعدائية ضد الصحافة والصحفيين وبنسب متفاوتة في الانتهاكات.
ويدعو الحسامي في حديث للجزيرة نت كافة الأطراف للتوقف فورا وبدون قيد أو شرط عن ممارساتها العدائية الممنهجة ضد الصحافة والصحفيين، مطالبا بسرعة الإفراج عن الصحفيين المختطفين، ورفض أحكام الإعدام الصادرة بحق 4 منهم.
ويشير إلى أنهم في منظمة صحفيات بلا قيود يسعون إلى التواصل مع شركاء المجتمع المدني المحلي والإقليمي لتقديم الدعم والمساندة للصحفيين، وتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، وتشكيل موقف ضاغط لإيقاف الانتهاكات التي تطال الصحفيين.
وأكد الحسامي على ضرورة التحرك والتشبيك بين المنظمات والنقابات المهنية المدافعة عن حرية الرأي والصحافة، والعمل على تحريك دعاوى قضائية، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين وعدم إفلاتهم من العقاب.