متابعات- قالت الإعلامية، أبها عقيل، إن معاناة الأسرة مستمرة منذ سنوات، لحظة اختطاف شقيقها الأصغر.
وأشارت، في منشور لها على صفحتها بفيسبوك، إلى أن شقيقها محمد مغيّب في السجن، ولم يتحدث عن معاناته ومعاناة الأُسر أحد.
نص المنشور..
أخي محمد كان يهرب من البيت، ويشارك في الاعتصامات سنة ٢٠١١، قبل ما تنضم الأحزاب وتنتشر الخِيم.
كنا نتلاحق إحنا وهو ملاحقة، قبل المسيرات، وبرضه كان يغافلنا، ويهرب، ولما يرجع نعاقبه، ويرد علينا بإجابات ترفع الضغط، مثل: احمدوا الله، يوقع معاكم شهيد في سبيل الوطن، أو ما تستحوش أن الناس معاهم شهداء، وانتوا بيت نور الدين ما معاكمش ولا شهيد.
كنت أرد عليه وقتها، بأننا قد دفعنا مقدماً.
يوم مجزرة "القاع" كُنا سع المجانين ندوّره من مكان لمكان، خاصة أنه كتب على إيده "شهيد اليوم" وخرج. جاء المغرب، واحنا ندوّر بين الأسماء، والأرقام، أي حد صاحب منصب يقدر يتأكد لنا، إذا كان معتقلا. ووقتها روَّح البيت ومعه كيس ملان "دوم". قال إنه قدر يهرب مع عيال الحارة المشاركين.
وبدل ما يروَّح البيت، راح يُلقِّط "دوم" من شجرة قد تَعَالم بها. الله كم وقع له ضرب يومها.
وقبل ما توصل مسيرة "الحياة" إلى صنعاء بيوم، خرج شباب كثير من الساحة لأجل يلتقوهم في نقيل "يسلح"، ومحمد خرج معاهم، مع أننا قد هددناه، ولمّا وصل "حزيز" عند مصانع "السواري"، لقاه واحد من إخوتي الكبار، وقلّه: بعيني.
من فجيعة محمد روَّح لوحده من "حزيز" إلى داخل بيتنا في الجامعة الجديدة. مشي بقدميه الصغيرتين. وتعتبر مسيرة العودة حق محمد أخي من "حزيز" إلى البيت وحده من أجمل ذكرياته.
كل شُوَيّة كان يحكيلي فيها عن ناس لقاهم، وكيف تعامل معاهم، وكيف تعاملوا معه. تخيّلوا واحد صاحب "بلس" في "حزيز" يُلاقي طفل يسأله: لو سمحت، من فين الطريق إلى الجامعة الجديدة؟
صاحب "العربية" عرف أنه لوحده، وما معه فلوس، حاول يعطيه فلوس، لكن محمد رفض.. يومها روَّح متأخّر جدا. بس ما انتبهنا، لأننا راكنين إنه مع إخوته.
كل هذا العناد في أخي بدايته كان لأنه رافق امرأة كبيرة بالعُمر، هي وأختها، إلى إحدى المؤسسات الحكومية في صنعاء. كانت من محافظة ثانية، طلعت تشتكي من الظُّلم الذي حاق بها.
أخي ذهب معهما أول يوم، ودخلت واستقبلوها وسمعوا منها الشكوى، وطلبوا منها العودة اليوم الثاني.
لكن في اليوم الثاني، وما إن وصلوا بوابة المؤسسة، منعها العساكر من الدخول، وشتموها، وهددوها بإدخالها السجن المركزي.
كانت وأختها تظنان أن أخي لا يدرك ما حوله، لكن ما إن وصل إلى البيت حتى انفجر بالبكاء، مقهوراً من الظلم.
ومن يومها وهو يقفز في كل مسيرة ومظاهرة، حتى في المعهد المهني الذي دخل يدرس فيه، وقد وصيّناه: ادرس وما لكش دخل بحد. لكنه كان كل شُوَيّة ورفع ورقة موقَّعة من الطلبة للإدارة.
اللِّي قاهرني الآن أن السيدتين إحداهما قد توفيت -رحمها الله- بينما الأخرى تحوّثت.
وإذا دخلت صفحتها تجدها تطالب بإعدامهم، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بأن الصمَّاد أكبر من أن يقاصص بهؤلاء، وكأنها تمهّد لقتل أبويهم أيضا.
كنت دائماً أتحاور معه بأن ما يفعله هو دور الرِّجال، بينما لو هو يحب وطنه فدوره هو الالتزام بمدرسته، إلى أن قُتل أحد أصدقائه، الذي كان يلتقيهم بالإجازات الصيفية، إذا نزلنا تعز أو محافظة إب. قُتل صديقه في تعز بطلقة دبابة، هدت البيت كله.
كُنا نتغدّي، وكان محمد يسأل: من هو الشهيد الذي تزعلون عليه كل هذا الزعل؟ أجابه أخي الكبير: تعرف أحمد اللِّي أخوه ساقنا بالسيارة، وكنتوا تلعبوا؟
أيوه.. هو.
وقتها انفجر أخي بالبكاء، حالفاً يمين بأنه لن يخلف واجب وطني، أو واجب مع مظلوم، ولو غصب عننا.
كانت كلمة كبيرة من طفل صغير، يتحدّى فيها الجميع، ويحدد بها مصيره.
شتمناه، ثم ضحكنا، ثم هددناه، ثم، وثم، وثم....
سافرت، وطلبت منه أن يُكمل سنته الدراسية بدون أن يتدخّل بأحد، أو ينضمّ لأحد، وأنا سأُدبِّر له قيمة تذاكر، واستضيفه عندي في القاهرة. وقال: تمام، ولا لي دخل بحد.
اليوم أخي أتمَّ ثلاث سنوات في معتقل الحوثي، لم يقف فيه معه أحد، ولم يطلب أحد رفع الظلم عنه، كما كان يفعل مع الجميع.