الجزيرة نت- ظلت عدسة المصور محمد اليمني نافذة ينظر من خلالها أغلب اليمنيين إلى أحداث الحرب في مدينة تعز والوضع الإنساني السيئ الذي أفرزته المواجهات هناك، قبل اغتياله على يد الحوثيين.
وكانت صور وفيديوهات المصور اليمني مفتتحا للأخبار في العديد من القنوات المحلية والمواقع الإخبارية إلى جانب صفحته بفيسبوك.
وفي الـ21 من مارس/آذار 2016 خرج محمد اليمني من منزله لتغطية مواجهات بين الجيش الوطني وجماعة الحوثي في منطقة الضباب (غرب مدينة تعز)، لتباغته رصاصة قناص حوثي تخطف روحه، حسب نقابة الصحفيين اليمنيين، مخلفا وراءه زوجة و5 من الأبناء.
ومنذ ذلك الحين لم تتخذ أي إجراءات قانونية لملاحقة قتلته وقتلة عشرات الصحفيين، وهو وضع سائد في اليمن، حيث تشيع حالة الإفلات من العقاب ويتحصن منتهكو الصحافة بالسلطات المتعددة في مختلف مناطق اليمن، حسب صحفيين.
ومثل محمد اليمني هناك 44 صحفيا ومصورا قتلوا في السنوات العشر الأخيرة أثناء تغطية الأحدث والحرب في اليمن سواء برصاص وقذائف الحوثيين أو بقصف طيران التحالف العربي أو برصاص جنود حكوميين، أو جهات متطرفة، حسب تقارير نقابة الصحفيين، وغيرهم عشرات من المصابين الذين تعرض بعضهم لإعاقات جسدية.
وبمناسبة اليوم العالمي لمواجهة الإفلات من العقاب لمرتكبي الانتهاكات بحق الصحافة الذي يصادف الثاني من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، تفيد إحصائيات نقابة الصحفيين اليمنيين بأن الحريات الإعلامية تعرضت منذ عام 2015 حتى الربع الثالث من 2021م لـ1359 حالة انتهاك شملت الحريات الإعلامية بينها 38 حالة قتل، وفقد كثير من الصحفيين وظائفهم في حين طورد العشرات، وتوقفت رواتب المئات.
وحسب معلومات النقابة، فإن الهيئة الإدارية للاتحاد الدولي للصحفيين قررت التركيز في هذا اليوم على 5 دول من مختلف مناطق العالم والمنطقة العربية هي: اليمن، والمكسيك، وأفغانستان، والصومال، وكوسوفو.
حالة إفلات وعجز
ويرى عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين نبيل الأسيدي أن اليمن من أكثر الدول التي لا يُعاقب فيها مرتكبو الانتهاكات بحق الصحفيين وحقوق الإنسان، وتعجز القوانين عن الإسهام في ردع هذه الحالة.
ويفيد الأسيدي -في حديثه للجزيرة نت- بأن الثقافة المجتمعية أسهمت في عدم ملاحقة المنتهكين، حيث تنتهي شكاوى الناس بمجرد انتهاء الانتهاك، فالبعض يكتفي بإطلاق سراح المعتقل ولا تتم ملاحقة المنتهِك.
ويضيف أن الحرب زادت حدّة الانتهاكات ضد الصحفيين، وزاد عدد المنتهكين للصحفيين من كل أطراف الصراع وإن اختلفت نسبها، لكن الكل يمارس الانتهاكات بحق حرية الرأي والتعبير بما فيها الحكومة الشرعية، والحوثيون الذين يعدّون الأشد تنكيلا بالصحفيين، والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات.
يقول الأسيدي إن القانون الدولي صنّف الصحفيين مدنيين تجب حمايتهم، ومن ثم فإن أي انتهاك لهم يعدّ انتهاكا للقانون الدولي ولحقوق الإنسان.
ويوضح الأسيدي أن نقابة الصحفيين تبذل ما بوسعها من أجل إيصال معاناة الصحفيين، وتزويد المنظمات الدولية بكثير من المعلومات عن الانتهاكات والمنتهكين، والعمل مع الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب للحدّ من هذه الانتهاكات.
جرائم مشهودة
من جهته، يرى رئيس مرصد الحريات الإعلامية في اليمن مصطفى نصر أن جميع مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين لم ينالوا جزاءهم العادل، رغم أن بعض القضايا واضحة والمجرم معروف، ورغم أن كثيرا من هذه الجرائم مشهود.
ويضيف نصر للجزيرة نت أن 49 صحفيا قتلوا جراء هذه الحرب، ابتداء من عام 2015 حتى الآن، وأن ما يقارب 3 آلاف انتهاك تنوعت بين السجن والاعتداء بالضرب والإخفاء القسري، في حين لا يزال 4 صحفيين يواجهون عقوبة الإعدام، معتبرا إياها جريمة غير مسبوقة، وتحدّيا كبيرا يواجه الصحفيين اليوم.
ويقول نصر إن مرتكبي هذه الجرائم يشعرون بأنهم بعيدون عن المساءلة، وذلك يسهم في زيادة حالة الإفلات من العقاب في ظل مستوى ضعيف من الضغط الشعبي والرسمي والحقوقي لمقاومة حصانة منتهكي الصحافة.
اختلال في نظام العدالة
ويضيف أنهم في مرصد الحريات قاموا بتوثيق الانتهاكات منذ بدء الحرب، ونظموا عشرات من الندوات والورش، وأصدروا بيانات، لكنه يرى أن معاناة الصحفيين اليمنيين بصفتها قضية الحرب لم تحظ باهتمام العالم.
ويرى نصر أن مواجهة حالة الإفلات من العقاب تحتاج إلى تكاتف الأسرة الصحفية في اليمن والمنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير المحلية والدولية في نضالها من أجل إسقاط أحكام الإعدام بحق الصحفيين الأربعة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، والعمل من أجل محاسبة منتهكي الحريات الصحافية.
ويتحدث عن اختلال في نظام العدالة بسبب عدم وجود مؤسسات قضائية قادرة على ملاحقة منتهكي الصحافة، لكنه يؤكد أن مثل هذه القضايا لا تسقط بالتقادم، وهي قضايا موثقة يجب أن ينال مرتكبوها جزاءهم العادل.
ويبقى الصحفيون اليمنيون ضحايا وضع يحصّن المنتهك، ويعرّض الإعلاميين للخطر، وبيئة إعلامية غير آمنة ممتلئة بالتحريض على الصحفيين، وتفتقد قيم العدالة وروحها وضمانات العمل بأمان في ظل غياب حقيقي للدولة.