العربي الجديد - ياسر حميد: للعام السابع على التوالي، تواصل جماعة الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء اختطاف أربعة صحافيين يمنيين، في ظل تدهور في حالتهم الصحية. وقبل عامين حكمت عليهم المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء بالإعدام، إثر محاكمة وصفتها منظمات دولية ومحلية بـ "الجائرة وغير القانونية"، إذ مورس ضدهم التعذيب خلال فترة الإخفاء القسري.
تمارس انتهاكات واسعة بحق الصحافيين في ظل الحرب المستمرة في البلاد للعام الثامن على التوالي بين الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران. ووفقاً للجنة حماية الصحافيين، ومقرها نيويورك، فقد قُتل ما لا يقل عن 19 صحافياً في اليمن منذ عام 2014.
وكان من المفترض أن تعقد جلسة في 22 مايو/أيار الحالي للمحكمة في صنعاء، لاستئناف الحكم بالإعدام الصادر بحق الصحافيين الأربعة: أكرم الوليدي وعبد الخالق عمران وحارث حامد وتوفيق المنصوري. لكنها تأجلت أسبوعاً آخر، في ظل دعوات حقوقية واسعة للإفراج عنهم.
يتهمهم الحوثيون بالتجسس والعمل مع الحكومة الشرعية، وهي تهم يطلقونها بشكل واسع على كل من يخالفهم أو يقف ضدهم.
تدهورت صحة الصحافيين الأربعة أخيراً، في ظل خطر تنفيذ حكم الإعدام في حقهم، كإجراء عقابي لا يستند إلى أي اتهامات حقيقة، بعدما وجّه الحوثيون ضدهم اتهامات ذات دوافع سياسية. وخلال السنوات الماضية دعت منظمات دولية الحوثيين للتراجع عن الحكم، وطالبت بالإفراج عن الصحافيين.
الانتهاكات التي تمارس بحق الصحافيين امتدادٌ للقمع الذي تمارسه الجماعة ضد الحريات الصحافية عامة في مناطق سيطرتها، وسبق أن قُتل صحافيان في محافظة ذمار (وسط اليمن)، بعد استخدامهما درعين بشريين واحتجازهما في مبنى تعرض للقصف عام 2015 من قبل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. في فبراير/ شباط الماضي، دعا الاتحاد الدولي للصحافيين لحملة عالمية من أجل إنقاذ الصحافيين الأربعة، وبعث برسالة إلى المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ، يطالبه فيها بـ "العمل مع جميع الأطراف اليمنية لتأمين حياة الزملاء الأربعة وإطلاق سراحهم".
كيف بدأت قضية الصحافيين الأربعة؟
في التاسع من يونيو/ حزيران 2015، دهم الحوثيون شقة في فندق في العاصمة اليمنية صنعاء، واختطفوا تسعة صحافيين، بينهم الصحافيون الأربعة المحكوم عليهم بالإعدام، أما الخمسة الباقون فقد أفرج عنهم في أكتوبر/تشرين الأول 2020، في صفقة تبادل واسعة مع الحكومة اليمنية الشرعية.
وتدهورت الحالة الصحية العامة للصحافيين الأربعة المهددين بالإعدام، بعد تعرضهم للتعذيب ومنعهم من حق الحصول على الرعاية الصحية، وفقاً لتقارير حقوقية.
بدوره، قال هيثم الشهاب، وهو أحد الصحافيين المفرج عنهم، وكان برفقة الصحافيين الأربعة خلال خمس سنوات، لـ"العربي الجديد" إنّ "الحوثيين مارسوا ضده وضد زملائه كل صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، ولم يوجهوا لهم أي تهمة حقيقية، وتهمتهم الوحيدة أنهم صحافيون معارضون للحوثيين ويرصدون انتهاكاتهم". وأضاف الشهاب أنّه وزملاءه اضطروا قبل اختطافهم من قبل الحوثيين إلى العمل من فندق حيث تتوفر الكهرباء والإنترنت، واتخذوا من الجناح الذي كانوا يستأجرونه مقراً لعملهم ونومهم، بعد اقتحام الحوثيين لمقرات عملهم السابقة ونهبها.
وعلى الرغم من أنّ شهاب ما زال في بداية الثلاثينيات من عمره، فإنه يعاني حالياً من السكري وأمراض أخرى، نتيجة ما تعرض له في السجن على يد الحوثيين. وقال: "أحاول استعادة صحتي تدريجياً وتأهيل نفسي بشكل جيد للعودة إلى حياتي الطبيعة، وآمل ان يكون ذلك قريباً، وأن أحصل على فرصة عمل لتعويض القساوة التي عشتها".
وعن زملائه الأربعة الذين يهددهم حكم الإعدام، قال الشهاب متحدثاً لـ "العربي الجديد" من مقر إقامته خارج البلاد: "لا أستبعد قيام الحوثيين بالجريمة وقتل الصحافيين، لقد كانوا يحاولون ذلك دائماً بصنوف العذاب، كنا ننتظر لحظة النهاية في أي لحظة بسبب شدة التعذيب". وأضاف: "قال لنا أحد قيادات الحوثيين في السجن ذات مرة: أنتم - الصحافيين- عبء كبير علينا، إن تركناكم نتعرض لضغط للإفراج عنكم، وإن أفرجنا عنكم لن تصمتوا وسيكون ضرركم أكبر، لذا أنتم ستكونون عبرة للبقية، في إشارة للصحافيين المعارضين لهم".
وقالت شقيقة الصحافي حارث حميد، إيمان حميد، إن صحته كانت متدهورة جداً في لقائهما الأخير. وأضافت متحدثة لـ "العربي الجديد": "الآن نحن ممنوعون من زيارته، وكانت آخر زيارة سمحوا لنا فيها قبل سنتين".
قتل مغلف
أطلقت منظمة صدى اليمنية، وهي منظمة محلية تهتم بالإعلاميين، في 19 مايو، تقريراً مفصلاً وتعريفياً بقضية الصحافيين الأربعة الذين يواجهون حكم الإعدام، حمل عنوان "قتل مغلف". واستعرضت فيه حجم الخطر الحالي الذي يواجه الصحافيين، واعتبرت أن ما يجري حالياً ضدهم هو قتل بطيء، وحذرت من قتلهم بشكل غير مباشر.
وقال رئيس منظمة صدى يوسف حازب: "الصحافيون الأربعة يعيشون صنوفاً من العذاب الجسدي والنفسي طيلة سبع سنوات، ويتعرضون لانتهاكات وممارسات بأساليب بشعة تمارس بحقهم. الكثير من الأخطار تتهدد حياتهم، لكن أبرزها القتل، سواء بحكم الإعدام الذي أصدره الحوثيون بحقهم أو من خلال وسائل أخرى". وأضاف لـ "العربي الجديد": "للأسف الشديد، جماعة الحوثي ماضية في قتل الصحافيين، من خلال ممارسات وأساليب غاية في الخطورة كالتعذيب الشديد لأيام وأسابيع متواصلة، والحرمان من الدواء، علماً أنهم يعانون من أمراض خطيرة كالقلب والفشل الكلوي والكبد".
وأشار إلى أنه "يتم تسليط عصابات عليهم لضربهم بشدة يومياً حتى إدمائهم، ووثقنا هذا بشهادات من الذين رافقوا الصحافيين. ووضعوا في أماكن تقع بجوار مخازن سلاح واستهدفها الطيران الحربي أكثر من مرة، وهذا يعني استخدامهم دروعاً بشرية كما تفسره القوانين".
نُقل الصحافيون خلال السنوات الماضية بين عدد من السجون والمعتقلات السرية في العاصمة اليمنية، وجرى إخفاؤهم قسراً ومنعت الزيارات عنهم. قبل عامين، نقلوا إلى سجن في معسكر كان سابقاً مقراً لقوات الأمن المركزي، ومطلع العام الحالي تعرض السجن لغارات من قبل التحالف السعودي الإماراتي، وكان يفترض أن يفرج عنهم مع زملائهم ضمن صفقة التبادل. ويرى مراقبون أنّ الحوثيين يستخدمونهم للابتزاز السياسي فقط.
خطر يتهدد حياتهم
طالبت منظمة العفو الدولية سلطات الأمر الواقع الحوثية في اليمن بإلغاء أحكام الإعدام، وبالإفراج الفوري عن الأربعة صحافيين اليمنيين الذين يواجهون الإعدام "في أعقاب محاكمة فادحة الجور". ويرفض الحوثيون التعليق على قضية الصحافيين المختطفين، باعتبارها تخص القضاء ومكانها في المحكمة، في الوقت الذي يتعاملون مع مطالبات الإفراج عنهم كقضية سياسية بحتة، ويطلبون مبادلتهم بمقاتلين من الجماعة أسرى لدى القوات الحكومية، وهو ما ترفضه المنظمات الحقوقية باعتبارهم مدنيين ولا يجوز مساومتهم بمقاتلين.
وقال حازب: "أشهرنا دليلاً تعريفياً حول قضية الصحافيين الأربعة، لأننا نشعر بالخطر الكبير الذي يتهدد حياتهم أكثر من أي وقت مضى، وسعينا فيه لتوضيح ماهية الخطر أمام الجميع، وماذا يعني استمرار الحوثيين في ممارسات واضحة ومعينة كلها تعد أسباب ومسببات للقتل". وأضاف: "ندرك تماماً أنهم معرضون لخطر القتل في أي لحظة، وبينما تسعى جماعة الحوثي لتنفيذ أحكام الإعدام غير القانونية التي أصدرتها بحقهم من خلال وسائل أخرى وأساليب ملتوية، فإنّها تتحمل كامل المسؤولية عن حياة الزملاء الأربعة خصوصاً، كما جميع الصحافيين المختطفين لديها، وهم 12 في المجمل".
صنفت منظمة مراسلون بلا حدود اليمن ثالث أخطر بلد في العالم للصحافيين، في تقريرها لعام 2021، بعد المكسيك وأفغانستان. ويقبع في المرتبة 169 من أصل 180 بلداً في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أعدته لعام 2022. ووفقاً لـ "مراسلون بلا حدود"، فإن 14 صحافياً محتجزون حالياً في اليمن بسبب عملهم الصحافي فحسب، واثنين من الصحافيين قُتلا عام 2022.