أخبار اليوم - تقرير خاص/ وليد عبد الواسع في اليمن، الذي تمزقه الحرب منذ أكثر من ثلاثة أعوام، يعيش الصحفيون وضع سيء بكل المقاييس، بينما يواجهون هجمة غير مسبوقة من الانتهاكات التي بات العمل في ظلها مغامرة كبرى.
ويشهد الإعلام اليمني أسوأ مراحله على مدى عقدين من الزمن، إذ مني بحالة من التراجع على صعيد الحريات الإعلامية وعدد المنابر الصحفية والإعلامية وتدمير البنية التحتية وتراجع مستوى المهنية، ناهيك عن حالة الانقسام والتشظي التي باتت هي السائدة في مسرح الإعلام اليمني اليوم.
إن كنت صحفيا وتعمل في اليمن فأنت إما في المعتقل أو مقتولاً أو ملاحقاً، أو تتضور جوعاً لا تستطيع العمل في ظل الترهيب والتهديد، وحياتك في خطر طوال بقاءك في هذا البلد الذي يشهد أسوأ مرحلة في تاريخ الصحافة.
وواجه الإعلام اليمني خلال العامين المنصرمين أعنف قمع، حيث فقد الوسط الإعلامي 26 إعلاميا قتلوا جراء الحرب التي نشبت في اليمن مطلع العام 2015م.
فيما جرح المئات من الصحفيين، وما يزال العشرات من الصحفيين مخفيين في السجون أو في أماكن مجهولة، ولا يتمتعون بأبسط حقوق السجناء.
وتشهد اليمن أسوأ مرحلة في تاريخ الصحافة في البلاد، جراء الانقلاب الذي شهدته اليمن في سبتمبر/ أيلول 2014.
وعاش معه الصحفيون أسوأ الانتهاكات تنوعت بين القتل والاعتقال والتهديد والإقصاء والملاحقة وأخرها سياسة التجويع لمن بقى في الداخل اليمني ويتبنى مواقف معارضة للمليشيات الحوثية ومع هذا يظل مستقبل مواجهة” قتلة الصحفيين من العقاب” أكثر قتامة.
وضع سيء
منذ بداية العام 2015م تدهورت سلامة الصحفيين في اليمن، وخاصة بعد اندلاع الحرب بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية.
واتضح ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة في أعقاب اقتحام قوات الحوثيين مقرات وسائل الإعلام في العاصمة صنعاء، مما وضع الصحفيين أمام خيارين: الطرد أو تأييد الخط التحريري المفروض عليهم من قبل الحوثيين.
ومنذ تلك الأيام، اضطر معظم الصحفيون لمغادرة صنعاء إثر تزايد المخاطر والاعتداءات على الصحفيين المستقلين. وبالنسبة للصحفيين الذين يواصلون عملهم في التغطية الميدانية فهم يعملون في بيئة قاتلة.
فبعد استيلاء مسلحي جماعه الحوثي على السلطة باليمن، في سبتمبر 2014م شهدت الساحة اليمنية العديد من الانتهاكات على الإعلام والإعلاميين والصحفيين، جعلت العمل الصحفي في اليمن مغامرة خطرة، قد تنتهي بصاحبها في السجن، وسط حالة من انعدام الشفافية، وإصرار مستمر من أجهزة مسلحي الحوثي الأمنية، على استنساخ أساليب القمع، وعودة ممارسات تكميم الأفواه واستهداف الصحفيين، وحجب المواقع الإخبارية الإلكترونية المعارضة لجماعة الحوثي، وانه لا مكان للصحفيين والإعلاميين إلا لمن يعمل مع مسلحي الحوثي ووفق أجندتهم.
وتصف المنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان والتنمية أن "الوضع الجديد في اليمن سيء بكل المقاييس لحرية الصحافة وحرية التعبير، وقد سبب لجميع الصحفيين الخوف وهم أمام هجمة غير مسبوقة وصلت حد القتل والتعذيب واستخدامهم كدروع بشرية أمام غارات التحالف بقيادة السعودية بحجة تأييد هؤلاء الصحفيين للغارات الجوية على اليمن".
وفي ظل الانتهاكات وسياسة القمع المتنوعة بين القتل والاعتقال والاختطاف والتهديد التي تواجه الصحفيين العاملين في الداخل أصبح مغامرة كبرى.
إذ انه لا مكان إلا لمن يعمل مع هذه المليشيات ووفق أجندتهم، ولعل هذا يتضح أكثر من خلال إغلاق كل القنوات الخاصة وكذا المواقع الإليكترونية والصحف الحزبية والأهلية إضافة إلى التحكم بأجهزة الإعلام الرسمي المختلفة.
وكان العام 2017م مليئا بالانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون والإعلاميون، ويمكن القول إنه عام أسود بكل المقاييس في حق الصحافة اليمنية منذ عقود.
انتهاكات متنوعة
ورصدت نقابة الصحافيين اليمنيين، في تقريرها السنوي الخاص بوضع الحريات الصحافية في اليمن للعام 2017، 300 انتهاك، طاولت صحافيين ومصورين وعشرات الصحف والمواقع الإلكترونية ومقار إعلامية وممتلكات صحافيين.
وبحسب التقرير- حصلت "أخبار اليوم" على نسخة منه- تنوعت الانتهاكات بين الاختطافات والاعتقالات بـ 103 حالات بنسبة 34% من جمالي الانتهاكات، و37 حالة حجب للمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بنسبة 12%، ثم الاعتداءات بـ34 حالة بنسبة 11%، والتهديدات وحملات التحريض بـ31 حالة بنسبة 10%.
يليها الشروع بالقتل بـ 29 حالة بنسبة 10%، ثم المصادرة والنهب لممتلكات الصحافيين ووسائل الإعلام بـ 17 حالة بنسبة 6%، و11 حالة محاكمة بنسبة 4%، و11 حالة تعذيب لصحافيين في المعتقلات بنسبة 4%، و8 حالات إيقاف رواتب وإيقاف عن العمل طاولت مئات الصحافيين، و8 حالات منع عن التغطية ومنع عن الزيارة بنسبة 3%، و5 حالات إيقاف لوسائل إعلام بنسبة 2%، و3 حالات قتل بنسبة 1%، و3 حالات إصدار لوائح وتعميمات قمعية بنسبة 1%.
تورط حوثي
وتورطت جماعة الحوثي بـ 204 حالات انتهاك بنسبة 68% من إجمالي الانتهاكات فيما ارتكبت جهات حكومية تتبع حكومة الشرعية 54 حالة انتهاك بنسبة 18% وارتكب مجهولون 28 حالة بنسبة 9%، والتحالف العربي 8 حالات بنسبة 3%، يليه الحراك الجنوبي بثلاث حالات بنسبة 1%، وأنصار الشريعة بحالتين بنسبة 1%.
وتوزعت 103 حالات اختطاف واحتجاز وملاحقة ومضايقة كالتالي: 68 حالة اختطاف، 18 حالة احتجاز، 10 حالات اعتقال، 7 حالات ملاحقة طاولت عشرات الصحافيين.
وارتكبت جماعة الحوثي 81 حالة اختطاف وملاحقة بنسبة 79% من إجمالي الاختطافات فيما ارتكبت الحكومة 18 حالة اعتقال واحتجاز بنسبة 17%، وجهات مجهولة 3 حالات بنسبة 3% وأنصار الشريعة حالة واحدة بنسبة 1%.
ولا يزال هناك 14 صحافياً مختطفاً منهم 13 صحافياً مختطفاً لدى جماعة الحوثي منذ ما يزيد عن العامين.
حجب وقرصنة
ورصدت النقابة 37 حالة حجب وقرصنة لمواقع إلكترونية يمنية وعربية، إضافة إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل، وتبطيء سرعة النت بنسبة 12%.
ووثقت النقابة 34 حالة اعتداء طاولت صحافيين وعاملين في وسائل الإعلام، ومقرات ممتلكات وسائل إعلام.
ورصدت النقابة 29 حالة شروع في القتل طاولت صحافيين ومصورين. كما رصدت ثلاث حالات قتل طاولت صحافيين ومصورين في تعز بنيران مسلحي جماعة الحوثي. كما وثقت النقابة 11 حالة تعذيب وسوء معاملة طاولت صحافيين في المعتقلات.
محاكمة وإعدام
وشهد العام الماضي مضايقة الصحافيين ومحاكمتهم، حيث رصدت النقابة 11 حالة محاكمة طاولت 39 صحافياً، منها 6 حالات محاكمة، و4 حالات استجواب، وحالة استدعاء.
وصدر حكمان جائران بحق الصحافيين الأول بالإعدام بحق الصحافي عبدالرقيب الجبيحي الذي صدر بحقه لاحقاً قرار عفو وأطلق سراحه في 24 سبتمبر 2017، والثاني بحق الصحافي محمد أنعم رئيس تحرير صحيفة الميثاق بالسجن تسعة أشهر، وغرامة مليونين ونصف ريال مع النفاذ على خلفية قضية نشر.
منع وإيقاف
وبلغت حالات المنع من التغطية 8 حالات، منها 5 حالات منع للصحافيين والمصورين من تغطية بعض الأحداث، وحالتا منع أسر الصحافيين من زيارتهم، وحالة حرمان لصحافي من دخول امتحاناته الجامعية على خلفية قضية نشر.
فيما بلغت حالات إيقاف الصحافيين عن العمل وإيقاف رواتبهم 8 حالات، منها 5 حالات إيقاف رواتب طاولت مئات الصحافيين، و3 حالات إيقاف صحافيين عن العمل طاولت العشرات منهم.
وتم توثيق 5 حالات إيقاف لوسائل إعلام وبرامج تلفزيونية منها 4 حالات إيقاف وسائل إعلام وحالة إيقاف برنامج تلفزيوني، ارتكبها جميعاً الحوثيون.
لوائح قمعية
ولم تتوقف الانتهاكات عند حد الاعتداءات، والقتل، والمصادرة والحجب، والتهديد والإيقاف، والتعذيب والاختطافات، بل وصل مستوى إصدار لوائح قمعية من وزارة الإعلام التابعة لجماعة الحوثي التي أصدرت لائحتين خاصة بالإعلام المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني تفتقد للمسوغ القانوني والدستوري وتتضمن نصوصاً قمعية على وسائل الإعلام والصحافيين، ناهيك عن تعميم للمطابع بمنع طباعة الصحف أو المنشورات إلا بالرجوع لوزارة الإعلام.
أوجاع لا حصر لها
من جانبها ذكرت "منظمة صحفيات بلا قيود" أنها رصدت (250) حالة انتهاك تعرض لها الصحفيون والإعلاميون خلال العام 2017.
وقالت صحفيات بلا قيود في تقريرها السنوي للعام 2017 " أن الحرب طيلة الأعوام الثلاثة الفائتة أحدثت وجعا كبيرا في الوسط الصحفي وضحايا لا حصر لهم. مشيرة إلى أن الحريات الصحفية تعيش حاليا مرحلة قاسية ومؤلمة للغاية جراء التنكيل والاستهداف المستمر لها، الأمر الذي باتت فيه حياة الصحفيين في غير مأمن.
واعتبرت صحفيات بلا قيود ما حدث من انتهاكات جسيمة بحق الصحفيين من " قتل اعتقال إخفاء قسري تعذيب " دليلا واضحا على أن الأطراف المتصارعة على حد سواء تتعامل بعدائية مطلقة تجاه العاملين في الحقل الصحفي والإعلامي خلافا للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تعتبر الصحفيين الذين يؤدون أعمالهم المهنية أثناء الحروب أنهم مدنيون وليسوا مقاتلين.
جرائم متنوعة
وبحسب تقرير منظمة صحفيات بلا قيود- تلقت "أخبار اليوم" نسخة منه- تنوعت تلك الانتهاكات ما بين: (اختطاف واعتقال واحتجاز (89) حالة شكل ما نسبته 35.6%، استدعاء ومحاكمة (41) حالة بنسبة 16.4% من إجمالي الانتهاكات، اعتداء (23) حالات بنسبة 9.2%، تهديد وتحريض (17) حالة بنسبة 6.8%، اقتحام منازل صحفيين ومقرات صحفية وإعلامية (16) حالة بنسبة 6.4%، نهب ومصادرة (10) حالات بنسبة 4.0%، تعذيب (9) حالات بنسبة 3.6%،إيقاف عن العمل (9) حالات ما نسبته 3.6%.
فيما بلغ عدد حالات القتل (4) حالات وشكل ما نسبته 1.6%، إصابة (11) حالة بنسبة 4.4%، (8) حالات محاولة قتل بنسبة 3.4%، و(8) حجب مواقع بنسبة 3.4%من إجمالي عدد الانتهاكات، حالة واحدة حكم بالإعدام شكلت ما نسبته 0.4%، (3) حالات قصف جوي لمؤسسات إعلامية 1.2%، وحالة واحدة تفجير منازل لصحفيين بنسبة 0.4%).
جهات منتهكة
وفيما يخص الجهات المنتهكة أوضح التقرير أن مليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح قامت بانتهاكات بحق الصحفيين بواقع " (168) حالة انتهاك ما نسبته 67.2% "، أما القوات الموالية للحكومة الشرعية بواقع (26) حالة انتهاك بنسبة 10.4 %، مسلحون مجهولون بواقع (34) بنسبة 13.6%، وقوات الحزام الأمني بواقع (8) ما نسبته 3.2%، قوات التحالف العربي بواقع (5) ما نسبته 2.0%، والمقاومة الشعبية تعز بواقع (5) بنسبة 2.0%، وجاءت جماعة أبو العباس بواقع (2) ما نسبته 0.8%، وأنصار الشريعة بواقع (1) ما نسبته 0.4%، وسائل إعلامية (1) ما نسبته 0.4%.
العاصمة أولاً
وحسب التقرير فقد جاءت العاصمة صنعاء في المرتبة الأولى بعدد الانتهاكات الواقعة فيها، حيث بلغت (162) حالة ما شكل نسبته 64.9 %، تلتها محافظة تعز بـ (34) حالة بنسبة 13.5 %.
فيما جاءت محافظة عدن في المرتبة الثالثة بواقع (26) حالة انتهاك بنسبة 10.4 %، أما محافظة الحديدة فقد بلغ فيها عدد الانتهاكات (9) حالات بنسبة 3.6%، ومحافظة مأرب بلغ فيها عدد الانتهاكات (9) حالات بنسبة 3.6%، (3) انتهاك في محافظة إب بنسبة 1.2 %، (2) حالات انتهاك في محافظة شبوة بنسبة 0.8%، ومحافظة ريمة بلغ ( 2) حالات انتهاك بنسبة 0.8%، وبواقع حالة واحدة انتهاك لكل من محافظة ( أبين – حضرموت – ذمار ) بنسبة 0.4%.
مطالب وتحذيرات
وتذكر "صحفيات بلا قيود" أنه في هذه الأثناء ما يزال 10 صحفيين مختطفين في سجون ميليشيا الانقلاب، حيث يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب ويعانون أوضاعا صحية بالغة الخطورة، فيما يقبع صحفي واحد لدى معتقلات تنظيم القاعدة في حضرموت، داعية إلى سرعة الإفراج عنهم، محملة المليشيا مسؤولية تعرض حياتهم للخطر.
وأكدت "صحفيات بلا قيود" ضرورة التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون و معاقبة كل من ارتكب تلك الانتهاكات كونها جرائم لا تسقط بالتقادم.
كما شددت على ضرورة التزام المؤسسات الإعلامية والصحفية بتدريب العاملين لديها في مجال السلامة المهنية.
مؤكدة ضرورة تجنيب الصحفيين والإعلاميين الذين يقومون بتغطية النزاعات المسلحة، وحمايتهم من جميع أشكال الاستهداف والاعتداء، وذلك بمقتضى القانون الدولي الإنساني الذي يسبغ على الصحفيين المدنيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين، شريطة عدم اشتراكهم بشكل مباشر في العمليات العدائية.