"الحياة التي عشت.. تحولات الفكر والسياسة باليمن".. كتاب السياسي الفسيل للذكرى والقدوة 

"الحياة التي عشت.. تحولات الفكر والسياسة باليمن".. كتاب السياسي الفسيل للذكرى والقدوة 

"الحياة التي عشت، حكايتي مع تحولات الفكر والسياسة في اليمن 1926 - 2022"، كتاب في جزأين للسياسي اليمني الراحل محمد عبدالله الفسيّل، مولت طباعته منظمة صحفيات بلاقيود وصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

أهدى الفسيل كتابه الذي يقع الكتاب في 560 صفحة من القطع الكبير "من أحرار وثوار الماضي، إلى ثوار الحاضر والمستقبل، للذكرى والقدوة"، وفي مدخله يقول إن "ما كتبته يمكن أن يكون سيرة فكرية وذاتية، لأن الأحداث التي أسهمت في صنعها وعشتها وعايشتها كانت في الواقع نابعة من قناعة فكرية بمبادئ وطنية، لا من أهواء وطموحات ذاتية، لقد كان جيلي والجيل الذي سبقني يعيشون ويناضلون للتغير في اليمن بمثالبات وطنية، لا بأساليب سياسية، تتخذ المرونة والتقلب السياسي المعهود في العمل السياسي".

ويوضح الفسيل أنه قبل أن يقرر كتابة مذكراته وذكرياته كان الكثير من أصدقائه ومعارفه، والكثير ممن يعرفونه عندما يلتقون به صدفة في الطريق، أو في مجلس من المجالس يسألونه: "هل كتبت مذكراتك؟ وعندما أجيب بالنفي يستغرب بعضهم، ويطلب مني بعضهم الآخر ضرورة كتابتها، لأنهم يرون أن ذلك واجب وطني وتاريخي يجب أن يقوم به باعتباره واحدا ممن عاش وعايش أحداث التاريخ اليمني الحديث، ولأنهم كانوا يحسنون الظن به، ويرون أنه سيكون أمينا وصادقا وصريحا في إبراز حقائق الأحداث وخفاياها".

ويضيف الفسيل "لقد تأثرتُ بكلمات هؤلاء الشباب الصادقة أكثر من تأثري بإلحاح أصدقائي الذين أجلهم وأعزهم، وصممت أن أكتب ذكرياتي، وأخذت استعرض حياتي كلها منذ ولادتي وحتى اليوم؛ استعرضها يتيما في سنوات الطفولة مع أم عظيمة ترعاني، وتغرس الشعور بالكرامة والعزة في أعماق نفسي، واستعرضُ دوري في الصراع المستميت للمعارضة خلال عهود الحكم الإمامي، واستعرضها في ثورة “48” الدستورية، ودوري في التمهيد لها ومعاناة ما بعد سقوطها، وأستعرضها في كل عهود الجمهورية ودوري في محاولة العودة بها إلى أهداف ثورتها، قبل وأستعرها قبل وبعد تحقيق الوحدة اليمنية ودوري في مجلس النواب، وفي محاولة احتواء الأزمات لحماية الوحدة، استعرضت كل ذلك في لحظات ذكرتني ببيتين رائعين من شعر شاعر اليمن أبي الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري الذي يقول "عمر في دقائق مستعاد/ودهور مطلة من ثواني/ فكأن الماضي تأخر في النفس/أو استرجعت صداه الأماني".

ويرى الفسيّل "أن كتابة الذكريات أو المذكرات من أصعب ما يكتب الكاتب، وذلك أنه يحاول أو يعتقد بأنه يؤرخ أحداث التاريخ التي عاشها أو عايشها، وهذا ليس صحيحا، لأن من يكتب ذكرياته أو مذكراته هو في الحقيقة شاهد أمام محكمة التاريخ، وليس مؤرخا، وهناك فرق بين الشاهد والمؤرخ، نحن ندلي بشهاداتنا أمام محكمة التاريخ التي ليس في منصتها قضاة يستمعون إلى شهادة الشهود كل بمفرده، ويجمعونها ويبحثون عن شهود آخرين ويحققون في تلك الشهادات، ويحللونها ويمحصونها، بهدف الوصول إلى الحقيقة، وهذه مهمة لا يستطيع الشهود أن يقوموا بها، إن من يقوم بتلك المهمة علماء مؤرخون لا علاقة لهم بالقضايا التي تخص الآخرين، ثم إن الشهود الذين يدلون بشهاداتهم ليسوا جميعا فوق الشبهات، أو بعيدين عنها، أو قادرين عند الإدلاء بشهاداتهم لك على ضبط أهوائهم الذاتية الظاهرة منها والخفية".

ويقول المؤلف "في هذا المدخل من مذكراتي وذكرياتي أشير إلى بعض النقاط التي تهمني وتهم من سيكتب ذلك بعدي، وتهم القراء وهي أن لك من يكتبون ذكرياتهم يستهلونها بعبارات يؤكدون، أو يوحون بها أنهم قد التزموا فيما كتبوه بالحقيقة وأمانة التاريح والموضوعية، أو أنهم قد حاولوا ذلك، سواء استطاعوا الوفاء بما التزموا به أو عجزوا عنه، ولا يسعني إلا أن أسايرهم في ذلك، وأن أزعم لنفسي بأني قد حاولت، بكل ما استطيع أن أكون صادقا وأمينا عند الإدلاء بشهادتي هذه أمام منصة التاريخ الحالية من قضاتها. وإذا كان كاتب الذكريات أو المذكرات يكتب عن أحداث ساهم في صنعها، وعاشها أو عايشها، فغالبا ما يصبغ الأحداث بالصبغة الذاتية، التي تجعل محاولة الالتزام بالموضوعية والتجرد من تأثيرات الذات- بوعي وبدون وعي- أمرا في غاية الصعوبة، ولذلك صغت العبارة التقليدية صياغة تكرر محاولة الالتزام، ولا تؤكد الالتزام، سأحاول محاولة جادة ومخلصة أن أكون صادقا وأمينا ومتجردا في كتابة هذه المذكرات والذكريات".

ويضيف الفسيّل "إن كتابة الذكريات أو المذكرات تتحدث عن أحداث عاشها كاتبها، وعن أشخاص ساهم معهم أو ساهم ضدهم في صنع الأحداث، ومن هنا فإن رؤية طبيعة الأحداث، أو حقيقة الأحداث تختلف باختلاف مواقع الأشخاص، أو وعيهم، أو طموحاتهم الذاتية، أو العامة؛ بل باختلاف قدراتهم المتفاوتة في استيعاب وفهم الأحداث، وتلك القدرات تختلف باختلاف شمولية الرؤية أو محدوديتها".

ويشير المؤلف إلى وجود أخطاء شائعة في كتابة المذكرات أو الذكريات، منها محاولة تعميم الرؤية المحدودة لجانب من جوانب الحدث، وكأنها رؤية لجميع جوانبه الأخرى التي لم تشملها الرؤية، ومن هنا يتصور بعض كتاب المذكرات أن رؤيته أو معايشته كانت شاملة لكل جوانب الحدث أو الأحداث. وقد يستنكر إبراز آخرين للجوانب التي غابت رؤيته لها، ولا أبرئ نفسي من ذلك، إن صناعة أحداث التاريخ عملية معقدة، قد تشترك في صنعها مجموعات منسجمة أو متناقضة أو لا يعرف بعضها الآخر، بل قد تشترك في صنع الحدث أجيال متعاقبة من البشر، حتى إذا تكاملت عوامل صناعة الحدث في فترة زمنية معينة برزت المجموعة أو الجيل الذي يبرز الحدث، بحيث يبدو وكأنه هو الذي صنع الحدث أو الأحداث التاريخية، مع أنه في الواقع مكمل لعملية صنع الحداث أو الأحدث.

وخلص محمد الفسيل إلى أن الرغبة في محاولة الالتزام بالموضوعية قد تدفع الكاتب إلى إبراز الحقيقة، ولكنه قد يتدخل برغبات ذاتية خفية في تصوير الحقيقة بالأسود والأبيض مع أنها ملونة، وبذلك يقلل كثيرا من إبراز الحقيقة كما هي، أو قد يكثف الألوان والظلال في صورة الحقيقة، بهدف إبرازها أجمل أو أبشع مما هي عليه في الواقع، أو قد يبرزها في شكل كاريكاتوري.

Author’s Posts

مقالات ذات صلة

Image